- المجامع الفقهية انشغلت كثيراً بمسألة واحدة من مسائل التمثيل وهي حكم تمثيل الأنبياء والصحابة
- 3 هيئات شرعية أفتت بحرمة إخراج فيلم “محمد رسول الله” لاشتماله على تمثيل النبي والصحابة
- ما حكم الأعمال الفنية التي تختزل “الوفاء” على قصر الفتاة نفسها على حبيبها وعدم تطلعها إلى غيره؟
- ما حكم الأفلام والمسلسلات والمسرحيات التي تعترف ببعض سيئات المجتمع وتنكر الباقي مثل الربا والغيبة؟
“إن كان الهدف صحيحاً، والمادة لا تحوي أمراً محظوراً، والأداء نفسه يكون ملتزماً بالآداب الإسلامية، ولم يؤد تعلمه أو احترافه إلى تقصير في واجب أو ضرر بدني أو عقلي أو مالي أو خلقي أو غير ذلك من الأضرار؛ كان التمثيل حلالاً، يستعان به على إبراز المعاني بصورة محسوسة كأنها حقيقية.. هذه قيود دقيقة لضبط التمثيل المقبول من غيره، والخروج على أي واحد منها يجعله ممنوعاً بقدر ما يكون عليه الخروج من حرمة أو كراهة.
فلو كان الهدف منه استهزاء بشخصية محترمة، أو دعوة إلى مبدأ مخالف للدين والخلق، أو كانت المادة محرمة ككذب أو اختلاق حديث نبوي مثلاً، أو كان الأداء غير ملتزم بالآداب كالتخنث وكشف المفاتن، وتشبه المرأة بالرجل أو الرجل بالمرأة، وكالقبلات بين الجنسين وما شاكل ذلك، أو أدى الاشتغال بالتمثيل إلى تقصير في واجب ديني أو وطني مثلاً، أو أدى إلى فتنة أو ضرر لا يحتمل كان ممنوعاً”.
هذه الكلام الجريء الواضح الحاسم ليس –للأسف- لمجمع من مجامع الفقه العالمية، ولا لدائرة رسمية من دوائر إفتاء دولنا الإسلامية، ولكنه في سياق فتوى فردية، لواحد من أبرز علماء المسلمين في العصر الحديث، وهو الشيخ عطية صقر؛ فهي تبقى في نطاق الجهد الفردي.
وهو ما يطرح التساؤل: أين دور المجامع الفقهية وهيئات الفتوى من هذه النازلة التي نعايشها منذ ما يقرب من قرن من الزمان، ظاهرة التمثيل في الأفلام والمسلسلات والمسرحيات؟!
المتتبع لقرارات المجامع الفقهية عن التمثيل وحكمه وضوابطه يجدها انشغلت كثيراً وطويلاً بمسألة واحدة من المسائل التي أثارتها ظاهرة التمثيل، وهي مسألة: حكم تمثيل الأنبياء والصحابة!
ففي حكم تمثيل الأنبياء والصحابة يمكننا أن نرصد الفتاوى المجمعية، وفتاوى الهيئات الرسمية التالية:
1- فتوى لجنة الفتوى بالأزهر عام 1951م.
2- قرار مؤتمر المنظمات الإسلامية عام 1390هـ، ومما جاء في هذا القرار أن “المؤتمر يناشد كل الحكومات الإسلامية أن تقضي على هذه المحاولة في مهدها” والمقصود محاولة تمثيل الأنبياء والصحابة(1).
3- قرار المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي عام 1391هـ، وبيان مشيخة الأزهر، وقرار مجمع البحوث الإسلامية عام 1397م، ثلاثتهم بشأن فيلم “محمد رسول الله”؛ حيث قرر المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بالإجماع تحريم إخراج الفيلم لاشتماله على تمثيل النبي والصحابة، ومما جاء في قراره: “يوصي المجلس الأمانة العامة للرابطة بإبلاغ هذا القرار لجميع الدول الإسلامية، والمنظمات الإسلامية، والجمعيات الدينية في البلاد العربية والإسلامية، ووزارات الإعلام، ومشيخة الأزهر، ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة، والصحف والإذاعات في البلاد الإسلامية كافة، كما يوصي بإخطار مخرج هذا الفيلم بهذا القرار”.
أما مجمع البحوث الإسلامية فقرر تحريم إخراج الفيلم، لكن جاء في قراره: “يطالب المؤتمر بمراقبة الأفلام السينمائية والتمثيليات قبل عرضها، ومنع ما يتعارض منها مع تعاليم الدين الحنيف”(2).
4- قرار هيئة كبار العلماء عام 1403هـ بشأن تمثيل شخصيات الأنبياء والصحابة.
5- قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الثامنة عام 1405هـ بشأن تمثيل شخصيات الأنبياء والصحابة.
6- قرار ثانٍ لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته العشرين عام 2010م بشأن تمثيل شخصيات الأنبياء والصحابة.
لتبيننه للناس ولا تكتمونه
هذا البلاغ المبين الذي قامت به الهيئات الجماعية الموقرة عاليه، لا شك أن منطلقه تحمل التبعة والمسؤولية الملقاة على كاهل العلماء، حيث قال تعالى: (وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ {187}) (آل عمران)، وليس شاهدي من هذه النقول مناقشة حكم مسألة تمثيل الأنبياء والصحابة بالاعتراض أو الموافقة، لكن الشاهد منها أن أجد إجابة عن هذا السؤال: لماذا توارى هذا الشعور بالتبعة إزاء باقي صناعة التمثيل؟ فأين مثلاً البيان الواضح من الجوانب التالية:
1- ما حكم الأفلام والمسلسلات والمسرحيات التي لا تخلو من الإيحاءات والمشاهد الجنسية إنتاجاً وتمثيلاً وتسويقاً ومشاهدة؟
2- ما حكم الأفلام والمسلسلات والمسرحيات التي توظف المرأة التي لا تلتزم بحجابها الشرعي؟ وإلا فأين هذا الفيلم الذي يلتزم بإظهار المرأة مستورة إلا من الوجه والكفين؟!
3- ما حكم الأفلام والمسلسلات والمسرحيات التي تسوق لمعانٍ وأفكار ورؤى تصطدم بالشريعة الإسلامية اصطداماً مباشراً، فلا بد أن يكون لكل رجل فتاة تحبه ويحبها، وتقابله ويقابلها، حباً طاهراً عفيفاً، وهذا الحب الطاهر العفيف يستباح معه التغزل في عينيها ومفاتنها..؟!
4- ما حكم الأفلام والمسلسلات والمسرحيات التي تبتذل القيم الإسلامية بل الإنسانية العظيمة؛ فالوفاء -تلك القيمة النبيلة- تكاد تختزل في الأفلام بمدى قَصْر الفتاة نفسها على حبيبها وعدم تطلعها إلى غيره، وإلا كانت خائنة آثمة؛ فالعلاقة الآثمة هي تلك التي تبيح فيها المرأة نفسها لكل الرجال، أما قصرها على حبيبها فهو الوفاء؟!
5- ما حكم الأفلام والمسلسلات والمسرحيات التي تُظهر الفتاة التي تغض بصرها فتاة متخلفة معقدة تحتاج إلى طبيب نفساني حتى يخرجها من عقدتها، ويعيدها للحياة فتاة سوية عاقلة؟!
6- ما حكم الأفلام والمسلسلات والمسرحيات التي لم تكن ترضى أن تُظهر في صناعتها امرأة محجبة تغطي شعرها، ولما اضطرت أن تظهر الفتاة المحجبة كضرورة فرضها النمط الاجتماعي الحديث، فقد أظهروه ليسوقوا لفكرة خبيثة، مؤداها أن حسب الفتاة من دينها الحجاب، ولا عليها بعد ذلك أن عربدت كما تعربد الأخريات.
7- حدثني بعضهم أن ثمة فيلماً عقد مقابلة بين أسرتين، واحدة محافظة، وأخرى عادية (لاحظ التسمية “محافظة” لا متدينة، و”عادية” لا مستهترة ولا فاسقة)، أما الأولى فكانت تدقق في ثياب ابنتها، وتسألها عن خروجها وولوجها، وكانت تضع لها سقفاً في الحرية، وأما الأخرى فتركت لابنتها الحبل على غاربه، وما منعتها في شيء كبير أو صغير، وكانت النتيجة أن زنت البنت الأولى، وعفت الثانية، في محاولة سافرة لجعل الأسرة الثانية الأنموذج المنشود لمن يبتغي العفة والسداد!
والسؤال: ما حكم هذا الفيلم إنتاجاً وتمثيلاً ومشاهدة؟
8- ما حكم الأفلام والمسلسلات والمسرحيات التي تعترف ببعض سيئات المجتمع وخطاياه، وتنكر الباقي؟ فالرشى والاختلاس والسرقة سيئات في نظر هذه الأفلام، وطالما حوربت الرشى من خلالها، لكننا لم نسمع يوماً عن محاربة الربا أو الغيبة أو ترك الصلاة مثلاً! وهكذا.
9- ما حكم الأفلام والمسلسلات والمسرحيات التي تتخذ من الدين وشرائعه وشعائره مادة للسخرية والاستهزاء والكوميديا؟ أم هل تظن هذه المجامع الفقهية الموقرة أن يكون صناع السينما ومشاهدوها على اطلاع واف بقول الله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ {65} لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) (التوبة)، وعلى علم بتفسير هذه الآية وفقهها، وأنها تجعل اتخاذ “الله وآياته ورسله ودينه” مادة للكوميديا من أودية الكفر والكبائر؟!
تناقلت وسائل التواصل خبراً منذ وقت قصير، مفاده أن إحدى الممثلات طالبت بحضور شيخ الأزهر المهرجانات الفنية؛ لأن الرسالة الفنية لا تقل أهمية عن الرسالة الدينية!
وبغض النظر عن دقة هذا الخبر، لكننا نتساءل: لماذا لا يكون هذا فعلاً معتقد غالبية الممثلين والممثلات أو بعضهم؟
فأين البلاغ الواضح المبين الذي قرع آذانهم فنفذ إلى قلوبهم وعقولهم عن حكم هذه المواد التمثيلية المنتجة، التي تشتمل معظمها -ما لم يكن كلها- على المخالفات الشرعية التي تم السؤال عنها الآن؟
بل أين هذا البيان الخجول للمجامع الفقهية والدوائر الإفتائية التي طالما صدعت بتحريم تمثيل الأنبياء والصحابة مراراً وتكراراً؟!
—–
الهوامش:
(1) ينظر: أبحاث هيئة كبار العلماء، بالسعودية (3/296).
(2) ينظر: فقه النوازل، الجيزاني (4/312).