تابعتُ السجال الساخن الذي دار مؤخراً في قاعة البرلمان التونسي بين أعضاء الحزب “الدستوري الحر” -الموالي للنظام البائد- وأعضاء حزب “ائتلاف الكرامة” (مستقل)، بعد قيام أعضائه بوضع صورة للرئيس الشهيد محمد مرسي على مقعد رئيسه السيد سيف الدين مخلوف، والتلويح بها من قبل بعض الأعضاء لكاميرات البث؛ مما أثار هيجان أعضاء أو بالأحرى نساء الحزب الدستوري الحر، الذين لا يتوقفون خلال جلسات البرلمان عن رفع الصور واللافتات المؤيدة للنظام البائد والمعادية لرئيس المجلس الأستاذ راشد الغنوشي.
وللتذكير.. فحزب “ائتلاف الكرامة” (21 مقعداً من 217 نائباً إجمالي أعضاء البرلمان) هو حزب جديد مستقل، ويغلب على مكوناته –في رأيي- شباب متميز، إذ يبدو عليهم من خلال ممارساتهم ومداخلاتهم ومشاركاتهم الإعلامية أنهم يتمتعون بفهم عميق وشامل للإسلام، ويحوزون وعياً كاملاً بقضايا بلادهم والمنطقة من حولهم، ويدركون أولويات احتياجات شعبهم، إضافة إلى أنهم يعبرون عن أنفسهم ببلاغة جاذبة في جلسات تاريخية تمارس فيها الحرية من أوسع أبوابها، حتى حرية محاسبة وانتقاد رئيس البرلمان ولو بصورة لاذعة.. يعتزون بتونسيتهم وعروبتهم، وينطلقون في ذلك من مبادئ دينهم.. هكذا وجدتهم –ولا أزكي على الله أحداً- من خلال متابعاتي المتواصلة لجلسات البرلمان التونسي التي يتم بثها تباعاً.
أما الحزب “الدستوري الحر”، فهو على غير مسمى، هو اسم خادع.. لا يحترم لا دستور ولا حرية الآخرين.. فقط حرية الفوضى وتعطيل الجلسات والسب العلني لرئيس البرلمان.. رئيسته السيدة عبير موسي وهي من خلاصة فلول بن علي، وبورقيبة (العهد البائد)، وهي بالمناسبة “فسوخة” هذا البرلمان، فهي قلما تجلس على مقعدها، بل واقفة في أغلب الجلسات، متوترةً منفعلة تجري هنا وهناك وكأنها تبحث عن “ضناها” الضائع منها، فلا تجده؛ فتزداد هيجاناً وثورة.. إنه العهد البائد تريد أن تعيده بشحمه ولحمه.. بظلامه وسواده وفقره ونكده ومعتقلاته ودمويته، والغريب أنها مستميتة في ذلك، وكلما شاهدت السيد راشد الغنوشي جالساً على المنصة يدير البرلمان بكل هدوء، جنّ جنونها ولا تتوقف عن الهذيان، موجِّهة سبابها للإخوان المسلمين، حتى نهاية الجلسة؛ فتخرج خالية الوفاض، مستذكرة صورة الغنوشي وهو خلف القضبان محكوم عليه بالإعدام في عهد بورقيبة، وكاد أن ينفذ فيه الحكم، لكن الله نجاه بقدرته، وأراده على منصة البرلمان، فكل شيء يتحرك في الكون بقدرته سبحانه وتعالى.
هذه الصورة لا تفارق السيدة عبير موسى، وهي تنظر إلى المنصة فتجد الغنوشي سليماً معافى.
لقد حاول هذا التيار تكرار سيناريو مصر الانقلابي، فشكّلوا “جبهة إنقاذ”، وحاولوا فض البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة وإزاحة الرئيس المنتخب، لكن الشعب التونسي خيَّب آمالهم، فلم يتجاوب معهم في مليونيتهم التي دعوا إليها -لتكون إشارة البدء بانقلاب غاشم على الدولة- إلا نفر قليل، وبدت الساحة الكبرى خالية تشهد على فشلهم، وبقي جيش تونس وشرطتها في ثكناتهم يؤدون عملهم المنصوص عليه في الدستور.
كان سيف الدين مخلوف يتكلم وهم يواصلون التشويش عليه لمنعه من الكلام أكثر، مرات عديدة بصورة هستيرية، حتى إن رئيسة الجلسة السيدة سميرة الشواشي (حزب قلب تونس)، النائب الأول لرئيس البرلمان، التي أدارت الجلسة باقتدار اتهمتهم بتعطيل متعمد لسير الجلسة؛ وبالتالي تعطيل مصالح الشعب التونسي الذي يشاهدهم.
بعيداً عن كل هذا، فبرلمان تونس يعد تجربة جيدة على طريق البناء الديمقراطي، وإن شاء الله كما كانت تونس صاحبة البدء بثورات الربيع العربي ستكون صاحبة السبق في إكمال النموذج الديمقراطي في المنطقة العربية، رغم كل التحديات والمكايدات التي يقودها فلول النظام البائد بالحقبة السوداء.
تحية إلى البرلمان التونسي، وهنيئاً لشعب تونس برئيسة المنتخب وببرلمانه الحر.. والعار للتجار!
_____________________________________
(*) مدير تحرير جريدة “الشعب” المصرية و”المجتمع” الكويتية – سابقاً.