– اتفاق بين وفدين لمجلسي النواب والدولة حول آليات التعيين في المناصب السيادية
– اقتراب تركي روسي من اتفاق حول معايير وقف إطلاق النار والعملية السياسية في ليبيا
– قرب تعيين مبعوث أممي جديد إلى ليبيا بعد 6 أشهر من استقالة غسان سلامة
– خضوع حفتر لضغوط دولية أدت لفتح قطاع النفط
– ضغط شعبي في الأقاليم الثلاثة للمطالبة بحل مشاكلهم الاقتصادية والاحتماعية وتغيير الطبقة السياسية
“لدينا إشارات أمل وممثلتنا الخاصة (ستيفاني ويليامز) تعمل بجد لعقد جولة مقبلة من الحوار الليبي”، بهذه الكلمات عبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عن تفاؤله بشأن إمكانية الخروج من نفق الأزمة الليبية.
فعدة مؤشرات توحي بأن الأزمة الليبية تتجه نحو الانفراج، آخرها رضوخ الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، للضغوط الدولية والداخلية بفتح قطاع النفط، وإبداء فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي رغبته في تسليم السلطة التنفيذية لمن تختاره لجنة الحوار، وتفاؤل تركي روسي بشأن الاتفاق بينهما حول الوضع في ليبيا.
إذ جاء قرار حفتر بفتح النفط بعد أكثر من 8 أشهر من غلق حقول وموانئ تصدير النفط والغاز، وكبّد ذلك البلاد خسائر بأزيد من 10 ملايير دولار.
وسبقه إعلان رئيس المجلس الرئاسي للحكومة الليبية في طرابلس استعداده لتسليم السلطة التنفيذية نهاية أكتوبر/تشرين الأول المقبل، لمن تختاره لجنة الحوار المشكلة مناصفة بين مجلسي النواب والدولة.
وتمكنت لجنة الحوار خلال اجتماعها في مدينة بوزنيقة المغربية من كسر الجمود السياسي، الذي ساد البلاد منذ إطلاق حفتر هجومه الفاشل على طرابلس في أبريل/نيسان 2019م.
واتفقت اللجنة على آليات توزيع المناصب السيادية السبعة ومنها محافظ البنك المركزي.
تفاؤل تركي روسي
على الصعيد الدولي، أعرب مسؤولون أتراك وروس عن تفاؤلهم بشأن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وحل سياسي للأزمة الليبية، خاصة وأن البلديين لديهما ثقل وتأثير على طرفي النزاع.
حيث أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، الأربعاء الماضي، عن اقتراب المسؤولين الأتراك والروس من اتفاق حول معايير وقف إطلاق النار والعملية السياسية في ليبيا.
وفي 7 سبتمبر/أيلول الجاري، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، “وصل باقي الأطراف الخارجية تدريجيا والأطراف الليبية، وهذا الأمر الأهم، إلى الإدراك أنه لا حل عسكريا هناك، ولا بد من بدء الحوار بشكل عاجل”.
وتكثفت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة المشاروات بين تركيا وروسيا، حول الوضع في ليبيا، حيث جرت ثلاث جولات بين الطرفين، أولها في 21 و22 يوليو/تموز الماضي في أنقرة، ثم جولة ثانية بموسكو في 31 أغسطس/آب و1 سبتمبر/أيلول الجاري، وآخرها في أنقرة يومي 15 و16 سبتمبر.
فبعد اندحارها من طرابلس ومعظم مدن المنطقة الغربية، وصلت مليشيات حفتر إلى قناعة بصعوبة السيطرة على كامل البلاد، خاصة في ظل وقوف تركيا إلى جانب الحكومة الشرعية.
لكن في الوقت ذاته، فإن الجيش الليبي يجد صعوبة في تحرير كامل المنطقتين الشرقية والجنوبية من مليشيات حفتر، خاصة في ظل دعم روسي ومصري وإمارتي وفرنسي للأخيرة.
وتوازن القوى بين الطرفين يدفعهما نحو القبول بالحل السياسي مع استحالة الحسم العسكري.
الشعب الليبي لم يعد رقماً على الهامش
الاحتجاجات التي شهدتها عدة مدن ليبيا في مختلف المناطق خاصة في المنطقة الشرقية الخاضعة لمليشيات حفتر، بسبب تردي الأوضاع المعيشية، شكلت ضغطا على الطبقة السياسية كما العسكرية لإيجاد حلول لأوضاعهم الاجتماعية التي لم تعد تحتمل التأجيل.
“فقطع الأعناق ولا قطع الأرزاق”، فلم يعد لليبيين قدرة على الصبر أكثر، وهو ما يفسر العنف الذي تميزت به هذه الاحتجاجات.
لكن من نتائج هذه الاحتجاجات أن الطبقة السياسية قدمت بعض التنازلات، ففائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، المعترف بها دوليا، أعلن استعداده لتسليم السلطة التنفيذية للجهة التي ستختارها لجنة الحوار المشتركة بين مجلس النواب والدولة.
كما أن رئيس الحكومة المؤقتة عبد الله الثني، قدم استقالته لرئيس برلمان طبرق (شرق) عقيلة صالح، لكن الأخير رفضها.
بينما قرر حفتر فتح قطاع النفط بعد ضغوط دولية وداخلية، حيث تسبب غلق الحقول والموانئ النفطية في خسائر تقدر بنحو 10 ملايير دولار خلال ثمانية أشهر، وكان ذلك سببا رئيسيا في انقطاعات الكهرباء وتردي الأوضاع المعيشية للشعب.
وجرت انتخابات بلدية ناجحة في مدينتي مصراتة (200 كلم شرق طرابلس) وغات (أقصى الجنوب الغربي)، فيما أفشلت مليشيات حفتر تنظيم انتخابات في بلدية تراغن (جنوب غرب).
غير أن عقيلة صالح، رئيس برلمان طبرق، وعد بتنظيم انتخابات بلدية في المنطقة الشرقية، عقب احتجاجات عنيفة بالمنطقة.
تقارب سياسي ليبي ليبي
سمح لقاء وفد من مجلس نواب طبرق بوفد من المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) في مدينة بوزنيقة المغربية، في كسر الجمود السياسي بين الجانبين.
ورغم أن اللقاء لم يخرج سوى باتفاق حول آليات توزيع المناصب السيادية، إلا أنه شكل انطلاقة للحوار السياسي، والمقرر أن يستأنف في الأسبوع الأخير من الشهر الجاري.
كما أن لجنة الحوار ستوكل لها مهمة أساسية، تتمثل في اختيار رئيس مجلس رئاسي جديد خلفا للسراج، لكن مع نائبين فقط، بدل 8 أعضاء، ورئيس حكومة منفصل عن الرئاسي، خلال اجتماع من المقرر أن يعقد في جنيف أكتوبر المقبل.
مما يعني أن برلمان طبرق سيقتسم السلطة مع مجلس الدولة في طرابلس، لمرحلة انتقالية رابعة تمتد لعام ونصف، تنتهي باستفتاء على الدستور وانتخابات برلمانية ورئاسية.
ولكن رغم كل هذا التفاؤل إلا أن تصريحات حفتر الأخيرة برفضه الحوارات التي تجري في المغرب وسويسرا، يمثل أكبر عقبة نحو الخروج من الأزمة.
غير أن نفوذ حفتر ينحصر تدريجيا، مع مساعي دولية لتهميش دوره بسبب تعنته وعدم قبوله بالحلول الوسطى.
كما أن التقارب التركي الروسي في الملف الليبي من شأنه إضعاف مليشيات حفتر وتقليص سطوتها، وقد رأينا كيف انهارت مليشيات حفتر جنوبي طرابلس بعد أيام من انسحاب مرتزقة شركة فاغنر الروسية من جبهات القتال.
كما أن الولايات المتحدة الأمريكية ترمي بثقلها من جهتها للتوصل إلى اتفاق سياسي في ليبيا، عبر منطقة منزوعة السلاح في محافظتي سرت والجفرة، واستئناف النفط وإبعاد المرتزقة الأجانب من هذه المنطقة.
مبعوث أممي جديد
في أكتوبر الداخل، تنتهي رسميا مهمة الأمريكية ستيفاني ويليامز، على رأس البعثة الأممية إلى ليبيا بالنيابة، والتي تولتها في مارس/آذار الماضي، بعد استقالة غسان سلامة من رئاسة البعثة.
ومنذ ستة أشهر لم يتم اختيار خليفة لسلامة، بسبب إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على تعيين رأسين للبعثة الأممية، الأول مبعوث خاص للأمين العام والثاني منسق للبعثة التي تضم نحو 200 موظف أممي.
وفي 15 سبتمبر، وعقب تمديد مجلس الأمن ولاية البعثة الأممية في ليبيا لمدة عام كامل، وموافقته على المقترح الأمريكي، حثت خمس دول أوروبية (بلجيكا وإستونيا وفرنسا وألمانيا وأيرلندا)، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، على “تعيين مبعوث خاص في ليبيا، في أسرع وقت ممكن”.
ومن شأن تعيين مبعوث أممي جديد في الشهر الداخل، تسريع الحوار السياسي بين أطراف النزاع الرئيسية، بالإضافة إلى الحوار العسكري ضمن لجنة 5 +5 (خمسة ضباط من الجيش الليبي وخمسة من مليشيات حفتر).
إذ أعلنت الأمم المتحدة أنها تحضر رفقة الحكومة الألمانية لعقد قمة ليبية أخرى، على غرار مؤتمر برلين، في 5 أكتوبر المقبل.
ويمثل هذا المخاض الدولي والداخلي فرصة للدفع نحو الخروج من الأزمة الليبية التي تواجه أزمات أخطر وعلى رأسها وباء كورونا، الذي اتسعت دائرة انتشاره في البلاد بشكل غير مسبوق.