سعد الحريري (50 عاما)، كلفه الرئيس اللبناني ميشال عون، الخميس، بتشكيل الحكومة الجديدة، هي الرابعة في مسيرته السياسية، بعد أن حصد أغلبية أصوات النواب (65 من أصل 120)، خلال استشارات نيابية أجراها عون.
وعقب تكليفه، قال الحريري: “سأشكل حكومة اختصاصيين من غير الحزبيين، وسأنكبّ على تشكيل الحكومة بسرعة لأن الوقت داهم وهذه هي الفرصة الأخيرة”.
ويعاني لبنان، منذ أشهر، أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975 ـ 1990)، إضافة إلى استقطاب سياسي حاد، في مشهد تتصارع فيه مصالح دول إقليمية وغربية.
وأضاف الحريري، أن “الحكومة الجديدة ستكون مهمتها تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية الواردة في ورقة المبادرة الفرنسية، التي التزمت الكتل الرئيسية في البرلمان بدعم الحكومة لتطبيقها”.
ويأتي تكليف الحريري في أعقاب اعتذار رئيس الوزراء المكلف السابق مصطفى أديب، في 26 سبتمبر/ أيلول الماضي، عن عدم استكمال مهمته، إثر تعثر عملية تشكيل حكومة تخلف سابقتها المستقيلة عقب انفجار مرفأ بيروت الكارثي، في 4 أغسطس/ آب الماضي.
** اغتيال الأب
بعد اغتيال والده، عام 2005، تزعّم الحريري الابن “تيار المستقبل”، وشكل تكتل “قوى 14 آذار”، الذي ضم قوى سياسية أبرزها تياره، و”الحزب التقدمي الاشتراكي”، و”حزب الكتائب”، و”القوات اللبنانية”.
انتخب الحريري عام 2005 نائبا في البرلمان، ثم أعيد انتخابه لدورة عام 2009، وتمكنت “قوى 14 آذار” من الحصول على الأكثرية النيابية في الدورتين، فيما انتُخب نائبا للمرة الثالثة، في 2018، لكن تراجعت كتلته من 35 إلى 21 نائبا.
اتهم “التكتل” النظام السوري وحلفاءه في لبنان (قوى 8 آذار) بالضلوع في اغتيال الحريري الأب، وقام بسلسلة مسيرات وتظاهرات، فيما عرف في أدبياته بـ”ثورة الأرز”، وطالب بخروج القوات السورية من لبنان، وتشكيل محكمة دولية لمحاكمة كل المتورطين في عملية الاغتيال.
** الحكومة الأولى
في 27 يونيو/ حزيران 2009، كلفه الرئيس ميشال سليمان، آنذاك، بتشكيل الحكومة التي تلت الانتخابات.
وجاء التكليف بعد استشارات نيابية وتسميته من جانب 86 نائبا (من أصل 128) يمثلون نواب “تحالف 14 آذار” الـ71، ونواب “حركة أمل” (بزعامة نبيه بري)، وحزب “الطاشناق” (أرمني).
وفي 7 سبتمبر من العام نفسه، قدم إلى سليمان تصورا لتشكيل الحكومة، إلا أن المعارضة رفضت تلك التشكيلة.
بعد ثلاثة أيام، أعلن الحريري عقب لقائه سليمان، اعتذاره عن عدم تشكيل الحكومة، إلا أن الأخير أعاد، في 16 سبتمبر، تكليفه لتشكيل الحكومة.
وبعد حوارات ومناقشات ومفاوضات شاقة، استطاع أن يعلن تشكيلة حكومته الأولى في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2009.
واجهت حكومته صعوبات عديدة، خصوصا بعدما بدأ يقترب صدور القرار الظني من المحكمة الدولية في جريمة اغتيال والده، وإصرار وزراء جماعة “حزب الله” و”حركة أمل” و”التيار الوطني الحر” (بزعامة عون) على طرح موضوع شهود الزور في القضية، وطلب إحالتهم إلى المجلس العدلي اللبناني.
وأدى كل ذلك إلى إعلان وزراء تكتل “الإصلاح والتغيير” (تابع للتيار الوطني الحر) و”أمل” و”حزب الله”، في 12 يناير/ كانون الثاني 2011، استقالتهم من الحكومة، وذلك بعد وصول محاولات تسوية مشكلة المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة مرتكبي جريمة اغتيال الحريري إلى طريق مسدود.
وأدت استقالة الوزراء الـ11 إلى فقدان الحكومة (30 وزيرا) لنصابها الدستوري (ثلث + واحد)، وبالتالي اعتبارها مستقيلة.
بعد سقوط حكومته، غادر الحريري لبنان عام 2011، ليعيش متنقلا بين فرنسا والسعودية، ثم عاد إلى البلاد، في أغسطس 2014.
** الحكومة الثانية
ظل الحريري واحدا من أهم أقطاب السياسة اللبنانية، وأنهى الفراغ الدستوري في منصب رئيس الجمهورية، بدعمه لمرشح قوى “8 آذار” ميشال عون، في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2016.
وبعد انتخاب عون رئيسا، كلف الحريري برئاسة الحكومة، في 11 نوفمبر 2016، ونال تأييد 110 نواب، وشكّل حكومته الثانية، بعد 40 يوما من تكليفه.
وفي 18 أغسطس الماضي، أدانت المحكمة الدولية، ومقرها في مدينة لاهاي بهولندا، “غيابيا” سليم عياش (56 عاما)، وهو عضو في “حزب الله”، حليف النظام السوري وإيران، باغتيال الحريري.
وعياش، وفقا للمحكمة، هو المسؤول عن الخلية التي نفّذت عملية الاغتيال وشارك فيها شخصيا، عبر تفجير استهدف موكب الحريري في العاصمة بيروت، ما أودى بحياته و21 آخرين، في 14 فبراير/ شباط 2005.
وعقب صدور قرارات المحكمة، قال الحريري إنه “أصبح واضحا أن القتلة خرجوا من صفوفه (حزب الله)، ويعتقدون أنه لهذا السبب لن يتسلموا إلى العدالة وينفذ فيهم القصاص: لذلك أكرر: لن أستكين حتى يتم تسليمهم للعدالة ويتنفذ فيهم القصاص”.
لكن جماعة “حزب الله”، وهي شريكة في حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة دياب، ترى أن هذه المحكمة أداة سياسية بيد الولايات المتحدة وإسرائيل. وتضع الأخيرة كلا من إيران “وحزب الله” في خانة ألد أعدائها.
وأعلن أمين عام الجماعة، حسن نصر الله، أنه سيتعامل مع قرار المحكمة “وكأنه لم يصدر”.
فيما دعا عون، اللبنانيين إلى القبول بقرارات المحكمة الدولية، مشددا على ضرورة الوحدة والتضامن، ومحذرا من إثارة الفتنة.
** استقالة وأزمة
في 3 نوفمبر 2017، توجه الحريري في زيارة مفاجئة إلى السعودية، ليعلن في اليوم التالي استقالة حكومته، أثناء زيارته للمملكة، عبر كلمة متلفزة بثتها قناة “العربية”، ما سبب صدمة في لبنان على المستويين الشعبي والسياسي.
وهاجم الحريري في كلمته إيران و”حزب الله” مباشرة، معتبرا أن الأجواء في لبنان تشبه تلك التي سبقت اغتيال والده.
وقال إن إيران لم تضع يدها في أي مكان في الوطن العربي إلا وحل فيه الخراب والدمار، وإن “حزب الله” أصبح يوجه سلاحه باتجاه اللبنانيين والسوريين واليمنيين بدل إسرائيل، وإنه لمس محاولة لاغتياله.
إقليميا، عرفت علاقات الحريري مع النظام السوري توترا شديدا في بداية حياته السياسية، على خلفية اتهام قوى “14 آذار” لدمشق بالوقوف وراء اغتيال والده.
لكن هذه العلاقة شهدت بعض التحسن بعد زيارة أجراها الحريري لدمشق، بصفته رئيسا لوزراء لبنان، في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2009.
إلا أن الحريري اتخذ منذ بداية الثورة ضد النظام السوري، عام 2011، موقفا داعما لها.
وكان الحريري، قبل ذلك بيوم واحد، التقى علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، الذي أعلن من السراي الحكومي في بيروت، أن طهران تحمي استقرار لبنان.
ودفع ذلك محللين إلى القول إن تصريحات ولايتي أثارت قلق الحريري بشأن تنامي نفوذ إيران وحليفها “حزب الله”.
وفي 14 نوفمبر 2017، قال عون إنه “لا شيء يبرر عدم عودة الحريري إلى بيروت، بعد مرور 12 يوما على إعلانه من الرياض استقالته، وعليه، فإننا نعتبره محتجزا وموقوفا وحريته محددة في مقر احتجازه”.
وبعد أربعة أيام، وصل الحريري باريس رفقة زوجته، بعد أن ترك اثنين من أبنائه في الرياض، ولم يكن في استقباله بالمطار سوى السفير اللبناني رامي عدوان، دون وجود أي مسؤول فرنسي، كما لم تحمل السيارة التي أقلته أي أعلام لبنانية أو فرنسية.
عاد الحريري إلى بيروت، في 22 نوفمبر 2017، للمشاركة باحتفال عيد الاستقلال كما سبق وأعلن.
وبعد أن قابل الرئيس عون، أعلن أنه سيتريث في تقديم استقالته، وذلك بناء على تمني رئيس الجمهورية عليه، على حد قوله.
** الحكومة الثالثة
في 6 مايو/ أيار 2018، أعلن الحريري أن الانتخابات التي شهدها لبنان أعطت “تيار المستقبل” كتلة من 21 نائبا، ما يعني أنه خسر ثلث المقاعد التي فاز بها في آخر انتخابات، حيث كان التيار قد فاز بـ35 مقعدا عام 2009.
وأشارت النتائج إلى فوز “حزب الله” وحلفائه السياسيين بأكثر من نصف المقاعد.
وبعد انتظار تسعة أشهر من تكليف عون للحريري بتشكيل حكومته الثالثة، أعلن الأخير في 31 يناير 2019، تشكيلة من 30 وزيرا، بينهم أربع نساء للمرة الأولى.
لكن الحكومة استقالت، في 29 أكتوبر 2019، بعد مرور 13 يوما على انتفاضة شعبية رفع خلالها المحتجون مطالب اقتصادية وسياسية، وطالبوا برحيل الطبقة الحاكمة كلها، بتهمة الفساد وانعدام الكفاءة.
** النشأة والتعليم
ولد الحريري في 18 أبريل/ نيسان 1970 بالسعودية، حيث كان يعمل والده، الذي حصل والعائلة على جنسيتها عام 1978، حيث يحمل إضافة إليها الجنسية الفرنسية بجانب اللبنانية.
في 2007، منح الرئيس الفرنسي جاك شيراك، حينها، الحريري وسام جوقة الشرف.
وفي 2014، منحه الرئيس اللبناني ميشال سليمان، وسام الاستحقاق من رتبة الوشاح الأكبر.
ويترأس الحريري مجلس إدارة “سعودي أوجيه”، إحدى أهم شركات الأشغال العامة في العالم، و”أوجيه الدولية للأعمال الدولية”، وهي شركة استشارات وأعمال، مقرها في فرنسا.
وهو أيضا مؤسس ورئيس شركة “أوجيه تيليكوم”، ولديه استثمارات في مشاريع متعلقة بالاتصالات والعقارات في كل أنحاء العالم.
تخرّج الحريري في جامعة “جورج تاون” بالعاصمة الأمريكية واشنطن، وحاز إجازة في إدارة الأعمال الدولية عام 1992.
وهو متزوج من السورية “لارا”، ابنة بشير العظم، أحد أهم المقاولين السوريين في السعودية، ولديهما من الأبناء: حسام الدين، لولوة، عبد العزيز.