تطورات متسارعة تشهدها الساحة التشادية التي باتت محط أنظار العالم عقب الهجوم الذي شنته قوات المعارضة القادمة من الأراضي الليبية، والذي كان آخر نتائجه مقتل الرئيس التشادي إدريس دبي بعد 3 عقود من الزعامة.
وتمس الأحداث الجارية في تشاد دول الجوار بالمقام الأول، وهو ما دعاها لتكثيف اتصالاتها لتسفر عن بيان ثلاثي مشترك لقادة دول ليبيا، جمهورية السودان، والنيجر، أعربوا فيه عن قلقهم العميق إزاء ما تشهده جمهورية تشاد، مشيدين بدور الرئيس الراحل ومساهمته في مكافحة الإرهاب.
محاولات لعقد قمة إفريقية طارئة
وحاول قادة دول الجوار أن يتحركوا بخطوات فعالة، فقد دعا البيان مجلس الأمن والسلم الإفريقي إلى ضرورة عقد جلسة طارئة لاتخاذ خطوات وتدابير من شأنها تخفيف التوتر، والمساهمة في صون وتعزيز السلم والأمن واستقرار المنطقة. ولحماية حدودهم، وتجنيب بلدانهم ويلات وتبعات الصراع التشادي، دعا القادة أيضاً إلى تفعيل اتفاق تعزيز التعاون في مجال أمن ومراقبة الحدود المشتركة بين ليبيا والسودان وتشاد والنيجر الموقع في أنجامينا بمايو من العام 2018م.
البيان الثلاثي حث الأطراف المختلفة في تشاد على الجلوس على طاولة المفاوضات والحوار الوطني، بعيداً عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها، وتغليب مصلحة البلاد، حفاظاً على وحدة تشاد وسلامة أراضيها، حسب البيان.
الخارجية الليبية تشكل غرفة طوارئ
على الصعيد الليبي، أعلنت وزارة الخارجية والتعاون الدولي بحكومة الوحدة الوطنية تشكيل غرفة طوارئ؛ وذلك لمتابعة الأوضاع في تشاد عن كثب التي أبدت الوزارة قلقها البالغ بإزائها، في دلالة واضحة على مدى خطورة الحدث التشادي على الجانب الليبي.
تقارير محلية ودولية، باتت كثرتها تغني عن ذكرها، أفادت أن ليبيا هي محطة التزود للمعارضة التشادية التي بقيت متواجدة في الجنوب الليبي لسنوات، وقامت خلال هذه الفترة بالقتال مع أطراف النزاع الليبي والتي بدورها منحت المعارضة السلاح والعتاد والمركبات المتطورة، وهو ما ساعدها على تدشين هجومها الذي كانت أول ضرباته مقتل الرئيس التشادي.
روسيا هي كلمة السر
يرى الكاتب والمحلل السياسي الليبي محمد بويصير أن روسيا هي الداعمة لهجوم الجبهة التشادية الزاحف نحو العاصمة أنجامينا، وذلك بالتنسيق مع أفراد من مكون التبو في الجنوب الليبي، بوساطة اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي كان مقره بالرجمة نقطة اجتماعات متواصلة بهذا الشأن.
وكشف أن روسيا كانت تخطط منذ عام 2014 على وراثة النفوذ الفرنسي في إفريقيا الساحل والصحراء، بدليل توقيعها 14 اتفاقية للتعاون العسكري مع دول المنطقة، وتزويدها بالسلاح والخبراء، مبيناً أنها، وبعد أن استقرت قواعدها جنوب وشرق ليبيا، تسعى لفتح طريق بين مدينة الجفرة وسط ليبيا وبانجي عاصمة إفريقيا الوسطى.
ومن التحليل السابق للكاتب الليبي محمد بويصير، تبرز معالم وأسباب التواجد الروسي المكثف في منتصف الأراضي الليبية؛ يقول إن صراع تشاد وضح بعض خلفيات الصراع في ليبيا بشكل كان غائباً عن الكثيرين، مرجحاً أن تحاول فرنسا الدفاع عن مستعمرتها القديمة، ولكن حظها لن يكون أفضل مما حدث في ليبيا، على حد تعبيره.
يتابع بويصير: “الفوضى في ليبيا تمثل خطراً داهماً على محيطها” فكرة ترسخها أحداث تشاد الحالية، فالقوة التي قاتلت الحكومة التشادية، وتسببت في مقتل زعيمها، قادمة من الأراضي الليبية، بعد أن تم تجميعها، وتدريبها، وتسليحها، وربما دعمها من أطراف أخرى في ليبيا.
التدخل الدولي في ليبيا حل محتمل
يرى مراقبون للشأن الليبي أن حالة التشظي والانقسام التي تشهدها ليبيا على كل الأصعدة منذ 10 سنوات باتت مثار قلق وخطر للجميع، فالجنوب الليبي المفتوح على مختلف الحدود، والخالي من أي رقابة، بإمكانه أن يصدر المقاتلين والسلاح كما هو في السيناريو التشادي، وأيضاً قد تكون ليبيا، من خلاله، عرضة لدخول مزيد من التشكيلات المسلحة الأجنبية، ما يزيد الطين بلة، وهو يجعل، بحسب المراقبين، من تدخل الأمم المتحدة الملموس على أرض الواقع حلاً محتملاً، بل وواقعياً، من أجل سلامة ليبيا، واستقرار المنطقة بالكامل.
وتنبع ضرورة هذا الحل من فشل الأطراف الليبية في إنهاء حالة التشظي والحروب الداخلية بين الجماعات المسلحة المختلفة، وعدم تمكنها حتى الآن من تفكيك المجموعات المسلحة وتسريحها وتدريبها وإعادة إدماجها في الوحدات الأمنية والعسكرية بشكل نظامي، وذلك بسبب تغول الأخيرة على مؤسسات الدولة وخروجها عن السيطرة.
ويطمح الليبيون، في ظل كل هذه الفوضى اللامتناهية التي تعيشها البلاد، أن يتمكن المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية من قيادة البلاد إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية في 24 كانون الأول/ ديسمبر بنهاية العام، تنتقل البلاد خلالها من الفترات الانتقالية المتوالية إلى الشكل الجديد للسلطة، ولتنهي عقداً من الانقسام والحروب، وتبدأ عهداً جديداً سمته الأمن والاستقرار.