عزا خبيران سياسيان أسباب التوتر الأخير بين السلطة الفلسطينية، وحركة المقاومة الإسلامية “حماس” إلى “التفاف الأولى على الإجماع الوطني الفلسطيني، بعد الاتفاق على تجميد اتفاق أوسلو أو إلغائه، ووقف التنسيق الأمني، وإجراء الانتخابات، والانفكاك عن سلطة الاحتلال، وتصعيد المقاومة الشعبية“.
ورأى الخبيران أن ثمة “تلميعًا استباقيًا” لخطاب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في الأمم المتحدة، يوم الجمعة القادم، و”تصويره على أنه استحقاقٌ منتظر، ومرحلة فاصلة في مسار العمل السياسي والنضالي”، مؤكدان أنه “لا يوجد أي مبرر على الإطلاق لإحاطة هذا الخطاب بكل هذه الهالة من الأهمية، فهو كغيره من الخطابات“.
وصباح أمس الثلاثاء، بثت وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”، تصريحات هجومية لمسؤولين في السلطة ضد “حماس“.
ونقلت “وفا” تصريحات عن عدد من قيادات السلطة، منها قول عضو المجلس الثوري لحركة “فتح” أكرم الرجوب، إن “توقيت حملة حماس وهجمتها على الرئيس محمود عباس، يؤشر باتجاه تعميق الخلاف في المجتمع الفلسطيني” على حد تعبيره.
واعتبر الرجوب أن “حماس لا تريد للمسيرة الوطنية أن تستمر، ولا تسعى للمبادرة بأي خطوة بالاتجاه الصحيح نحو الوحدة الوطنية”، على حد قوله، زاعمًا أن “حماس تسعى من وراء هذه الهجمة إلى أن “تقدم نفسها كبديل عن منظمة التحرير وعن القيادة الفلسطينية” في ظل الحديث عن إجراء الانتخابات القروية في الضفة الغربية.
عناصر التأزيم
وقال العضو السابق في المجلس الثوري لحركة فتح، الكاتب والباحث الفلسطيني معين الطاهر، إن “التوتر الأخير يأتي ضمن سياق طبيعي، وازدادت وتيرته حين تراجعت السلطة الفلسطينية عن إجماع الأمناء العامين للفصائل، والإجماع الفلسطيني العام في مواجهة صفقة القرن، التي تبناها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب“.
وأضاف لـ”قدس برس” أن من عناصر التأزيم أيضًا “تراجع السلطة عن إجماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير؛ الذي قضى بإلغاء اتفاق أوسلو والاتصال مع العدو الصهيوني، ومن ثم تراجع السلطة الفلسطينية عن إجراء الانتخابات، سواء كانت التشريعية أم انتخابات الرئاسة أم المجلس الوطني الفلسطيني، مما أدى إلى وجود حالة فراغ من جديد“.
وأوضح الطاهر أنه “بالنسبة لانتقاد حماس وفصائل أخرى لعزم السلطة على إجراء انتخابات بلدية في الضفة وغزة؛ فذلك يعود لمحاولة السلطة الالتفاف على جوهر العملية الانتخابية، التي كان من المفترض أن تجرى وفق إجماع وطني فلسطيني، إلا أنها جُمدت لأسباب واهية، وأعتقد أن هذا أهم أسباب التوتر“.
ورجح أن “يبقى التوتر بين حماس والسلطة قائمًا”، معللاً ذلك بـ”فشل السلطة الفلسطينية في إدارة الانقسام، وفي تأمين الخدمات الأساسية الضرورية للمواطنين، سواء كان ذلك في الضفة الغربية أو في قطاع غزة“.
سيناريو مكرر
وحول التصريحات الأخيرة، قال الطاهر إنه “بغض النظر عن تصريحات فلان أو فلان؛ فالمشكلة الرئيسية تتمثل في وجود تنازل عن مشروع وطني يُجمع عليه الفلسطينيون، وهو التمسك بالرواية التاريخية للشعب الفلسطيني“.
وأضاف أن “ما يحدث منذ اتفاق أوسلو؛ هو مراوحة ومزيد من التنازلات للعدو الصهيوني، وتوسع في الاستيطان واستمرار مشكلة الأسرى وتحويل الضفة الغربية لمجموعة من الكانتونات المنعزلة، وتعميق الانقسام الداخلي“.
وأشار إلى أن “الانقسام الفلسطيني يجب أن ينظر إليه على أساس أنه انقسام سياسي، ولا يمكن حله إلا باتجاه تبني مشروع وطني مجمع عليه، بتشكيل إطار قيادي موحد، يُعد لتأسيس مجلس وطني فلسطيني جديد، وانتخاب قيادة جديدة لمنظمة التحرير، باعتبارها الكيان المعنوي للفلسطينيين كافة“.
وبشأن الخطاب القادم لرئيس السلطة محمود عباس في الأمم المتحدة؛ رأى الطاهر أن مشكلة الموقف الفلسطيني بالأمم المتحدة تتكرر في كل عام، حيث يذهب الفلسطينيون إلى مجلس الأمن للمطالبة بالاعتراف بفلسطين كعضو عامل، فيواجَهون بفيتو أمريكي، ويطالب الرئيس عباس الجمعية العامة عبر البند التاسع (الوحدة من أجل السلام) بحصول فلسطين على عضوية الأمم المتحدة بلا فائدة تُذكر، وهو سيناريو يتكرر منذ عدة أعوام.
تلميع لخطاب غير منتظر
من جهته؛ قال مدير مركز القدس للدراسات السياسية، الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي، إن “الجميع مسؤولون بأقدار متفاوتة، عن الحالة الكارثية التي آل إليها المشروع الوطني الفلسطيني، وحركة النضال الوطنية“.
وأضاف لـ”قدس برس”: “لا أتوقع أن الساحة الفلسطينية فيها من ينتظر خطاب الرئيس عباس في الأمم المتحدة، ولا أدري ما الذي سيقوله غير ما قاله في خطابات سابقة، وما الذي سيعد به غير ما وعد به من قبل. وفي الحقيقة جرى حديث كثير عن الحماية الدولية؛ دون أن يستمع المجتمع الدولي لذلك“.
ورأى الرنتاوي أن ثمة تلميعًا لخطاب الرئيس عباس، وتصويره على أنه استحقاقٌ منتظر، ومرحلة فاصلة في مسار العمل السياسي والنضالي، متابعًا: “لا أرى أي مبرر على الإطلاق لإحاطة هذا الخطاب بكل هذه الهالة من الأهمية، فهو كغيره من الخطابات“.
تساؤلات التوتر
وحول التصريحات الهجومية الأخيرة على حركة حماس؛ قال الرنتاوي: “دع من يشاء يقول ما يشاء”، مكتفيًا بالتساؤل: “من الذي حال دون إجراء الانتخابات؟ ومن الذي خرج عن الإجماع الوطني الفلسطيني، بعدما اجتمعت الفصائل والمجلس المركزي والوطني وأقرت الذهاب إلى خيارات تجميد اتفاق أوسلو أو إلغائه، ووقف التنسيق الأمني، وإجراء الانتخابات، والانفكاك عن سلطة الاحتلال، وتصعيد المقاومة الشعبية؟“.
وتابع تساؤلاته: “من يتحمل مسؤولية هذه الإخفاقات والتراجعات والانهيارات؟ هل هي حماس وحدها، أم أن الأمر تتحمل مسؤوليته السلطة الوطنية؛ التي بادرت على نحو منفرد دون التشاور مع الفصائل؛ بإلغاء الانتخابات بحجة عدم إجرائها في القدس، وتعطيلها إلى أجل غير مسمى؟“.
وقال الرنتاوي إنه “ليس في الأفق موعد محدد لإجراء هذه الانتخابات، وواضح تماما أن هذه الصفحة طويت، بعد أن أدركت السلطة الفلسطينية أنها في مواجهة مباشرة مع شرعيتها وشعبيتها“.