اتخذ الغربيون، منذ بداية الصراع في أوكرانيا، سياسة مساعدة الأوكرانيين للانتصار في الحرب أو على الأقل عدم خسارتها، دون الاضطرار إلى دخولها عسكريا، لكن هذا الموقف قد يكون من الصعب الثبات عليه إذا واصلت موسكو تصعيدها وبثها للرعب، وبقي الأوكرانيون على الأرض وحدهم يقاتلون بضراوة للدفاع عن حريتهم وعن قيم أوروبا، فهل ستكون هناك خطوط حمر قد يدفع تجاوزها الأوروبيين إلى أتون الصراع؟
بهذه المقدمة افتتحت صحيفة لوفيغارو (Le Figaro) الفرنسية تحليلا بقلم إيزابيل لاسير، قالت فيه إن الغرب لا يريد مواجهة عسكرية مع روسيا، لكنه يقدم لأوكرانيا كل وسائل النصر أو عدم الخسارة، من خلال العقوبات غير المسبوقة المفروضة على روسيا وزيادة توريد الأسلحة إلى حكومة كييف.
لكن هذا الحزم الغربي -كما تقول الكاتبة- لم يدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الاستسلام، وها نحن في اليوم الـ 26 من الحرب، نشاهد صور مدينة ماريوبول المدمرة، دون انقطاع، وصور قصف مراكز الأمومة والمسرح والمجمعات التجارية وبكاء الأطفال ويأس العجائز، فإلى متى سيسمح الأوروبيون لبوتين بسحق أوكرانيا دون الرد عسكريا؟
هذا هو معنى المداخلات المتتالية للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمام البرلمانات الوطنية -حسب الكاتبة- وسيتوجه إذا بكلمة إلى المنتخبين الفرنسيين عن طريق الفيديو، ولا شك أنه سيدعو الغربيين مرة أخرى إلى إنشاء منطقة حظر طيران في أوكرانيا لمنع القاذفات الروسية من الطيران، رغم الرفض الذي قوبل به هذا الطلب من قبل بسبب المخاطر التي قد يشكلها لتمديد الصراع.
جنون
وتساءلت الكاتبة بعد أن بينت أن الأوروبيين حرصوا على عدم الكشف عن خطوطهم الحمراء إن وجدت: ماذا سيحدث إذا شن بوتين هجوما كيميائيا على مدينة أوكرانية؟ وماذا سيكون رد فعل الغربيين إذا عانت العاصمة كييف نفس مصير ماريوبول من القصف المكثف؟ وكيف سيردون إذا ارتكب حماقة إطلاق سلاح نووي تكتيكي على جيرانه؟ وماذا سيفعلون إذا أرسل -في اختبار لتصميمهم وتصميم حلف شمال الأطلسي (الناتو)- صاروخا إلى الحدود البولندية أو حدود دول البلطيق؟ مستنتجة أن المسؤولين الأوروبيين ليست لديهم إجابة عن كل هذه الأسئلة.
وذكرت أنه في التسعينيات، كان على البوسنيين انتظار 3 سنوات قبل أن يضع الناتو حدا لمعاناتهم بتدخل عسكري ضد الصرب، مع أن الخصم ذلك الوقت لم يكن قوة نووية، أما اليوم فإن جميع القادة الأوروبيين مجمعون الوقت الحالي على أن مواجهة روسيا عسكريا ستكون ضربا من الجنون.
تقول رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين: “مصير أوروبا” يتحدد في أوكرانيا، لأن “الديمقراطية تقف في وجه الاستبداد” هناك، ولأن تحديد مستقبل النظام الدولي ومهاجمته وتفكيكه من قبل روسيا بزعامة بوتين، أيضا يتم هناك بمساعدة الصين، غير أن طموحات سيد الكرملين، الذي يريد إعادة تأسيس منطقة نفوذه على أراضي الاتحاد السوفياتي السابق، يمكن أن تمتد إلى مولدوفا وجورجيا وحتى دول البلطيق.
وفي هذا السياق، يحذر أحد الدبلوماسيين من أن تلك الطموحات “يمكن أن تؤدي إلى نهاية السلام في أوروبا وانتصار القوى الاستبدادية على الديمقراطيات الغربية” لتتساءل الكاتبة: ماذا سيكون تأثير الاتحاد الأوروبي في العالم بعد صمت المدافع، إذا فشل في وقف جنون حرب بوتين هذه؟
الناتو يخرج أقوى
ورأت الكاتبة أن عنف الهجوم الروسي على أوكرانيا أيقظ الأوروبيين الذين عاشوا 30 عاما تحت تأثير أسطورة نهاية التاريخ، وكانوا في حالة إنكار تجاه روسيا بوتين التي أسست مكانتها من خلال الحرب بتدمير غروزني، ولم تتوقف عن مهاجمة جيرانها والاتحاد الأوروبي، وها هي اليوم في غضون أيام قليلة، حققت إنجازًا يتمثل في إنهاء الحياد السويدي والسلام الألماني.
الحرية لها ثمن -كما تقول الكاتبة- لكن هل الديمقراطيات التي تعتبرها ضرورة، مستعدة لدفعه مساندة للأوكرانيين؟ وبعد صدمة الأسابيع الأولى، هل سيستمر زخم التضامن مع اللاجئين، وهل ستنتج صور المدن التي تم قصفها دائما نفس القدر من السخط؟
وخلصت الكاتبة إلى أن الناتو سيخرج قويا من الحرب بزيادة ميزانية ألمانيا وبولندا الدفاعية، وليس الاستقلال الإستراتيجي الأوروبي الذي تحلم به فرنسا، خاصة أن برلين التي صوتت لصالح عقوبات ضد روسيا، تستعمل كل المكابح عندما يتعلق الأمر بالنظر في إنهاء واردات الغاز الروسي إلى أوروبا، وبالتالي فإن المسار -الذي يمكن أن يسلكه الأوروبيون بين تكلفة العمل وتكلفة التقاعس- ضيق جدا.