تزامناً مع يومهم العالمي الذي صادف 18 ديسمبر/كانون الأول من كل عام، خرج آلاف المهاجرين في مظاهرات بوسط العاصمة الفرنسية باريس، حيث رفعوا شعارات من قبيل “لسنا خطِرين، المهاجرون في خطر”، كما ندّدوا بأوضاعهم الاجتماعية واستغلالهم الواسع في سوق العمل بشكل غير قانوني.
ودعا المحتجون إلى مزيد من التضامن مع المهاجرين غير النظاميين، معربين عن معارضتهم قانون الهجرة الجديد الذي تريد الداخلية الفرنسية إقراره، والذي يفتح، وفق ما كشفت عنه بنوده، الباب أمام الترحيل الجماعي لهؤلاء المهاجرين، الذي اعتبره متابعون تكريساً لسياسات معادية لهذه الفئة من المجتمع.
وانطلقت النقاشات البرلمانية بخصوص مشروع هذا القانون، الذي تسعى المعارضة اليسارية لعرقلة مروره. فيما يرى وزير الداخلية جيرالد دارمانان في إقراره خطوة أولى في مسار ترشُّحه لرئاسيات 2027.
قانون الهجرة الجديد في فرنسا
ووفقاً لمسودته الأولى، يهدف قانون الهجرة الفرنسي الجديد إلى تضييق الخناق على الهجرة غير النظامية إلى أراضي البلاد، بتشديد العقوبات على كل من يسهّل بانتظامٍ تهريبَ أو توطين مهاجرين غير نظاميين، برفع عقوبتها إلى السجن 20 عاماً.
كما تتوعد الداخلية الفرنسية بتنفيذ عمليات الترحيل القسري “لكل من ثبت تورُّطه في الإخلال بالنظام العامّ”، وتوفير السند القانون لحرمانهم من تجديد الإقامة أو سحبها نهائيّاً.
وستعمد بموجبه إلى توسيع عمليات الترحيل هذه، عبر تقليص عدد قواعد التقاضي للحصول على الإقامة لتشمل أربع حالات فحسب، بدل الـ12 الجاري المعمول بها حالياً. وسيتسبب هذا التعديل في حرمان نطاق من واسع من المهاجرين غير النظاميين الذين يلجؤون إلى المحكمة لتسوية وضعيتهم، ومثلت هذه الدعاوى سنة 2019 نحو 40% من الملفات المودعة لدى المحكمة الإدارية الفرنسية.
ويسمح هذا القانون لوزارة الداخلية الفرنسية وأجهزتها الأمنية والقضائية، بإجراء جرد شامل للمهاجرين غير النظاميين المحكومين بمغادرة التراب، وتسجيلهم كأشخاص “تبحث عنهم العدالة”، كإجراء يسهّل ترحيلهم في ما بعد، إذا لم تستجِب المحكمة لاستئنافهم طلب تسوية الوضعية.
في هذا الصدد، خلال حديثه لصحيفة لوموند قال وزير الداخلية جيرالد دارمانان: “سنسجّل الآن جميع من توصلوا إلى أحكام مغادرة التراب في ملف الأشخاص المطلوبين للعدالة (…)، إنها ليست مسألة إحياء جريمة الإقامة غير القانونية، ولكن لكي نكون قادرين على مراقبة مغادرة الشخص (…)، وبالتالي عدّ جميع المغادرين الأجانب”.
قانون يكرس الكراهية؟
ووجه اليمين المتطرف الفرنسي انتقادات واسعة إلى وزارة الداخلية، على خلفية مقتل الطفلة لولا على يد من قيل إنهما مهاجران غير نظاميَّين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. واتهم اليمين الوزارة بتقصيرها في التعامل مع المهاجرين غير النظاميين، كما أطلقوا موجة كراهية واسعة ضد تلك الفئة من المجتمع.
وبرر دارمانان، في تصريحاته للصحيفة الفرنسية، إجراء تسجيل المهاجرين غير النظاميين المحكومين بمغادرة التراب كأشخاص “تبحث عنهم العدالة”، محمّلاً إياهم مسؤولية انتشار الجريمة بالبلاد.
وقال دارمانان: “يجب أن يكون مفهوماً أن غالبية مَن هم في وضع غير نظامي يأتون بانتظام إلى أراضينا، ويبقون بعد نهاية صلاحية التأشيرة أو تصريح إقامتهم. هذه هي حالة القاتل لولا الصغيرة المفترَض، الذي جاء بتأشيرة طالب وظلّ غير نظامي على أرضنا لمدة ثلاث سنوات”. وأضاف: “سيكون من العبث عدم رؤية أن جزءاً صغيراً من الأجانب مسؤول عن جزء كبير من أعمال الجريمة”.
محتوى عنصري واضح للسياسة التي تريد حكومة ماكرون إقرارها”، هكذا وصفت حركة “أتاك فرنسا” اليسارية حديث وزير الداخلية، والقانون الجديد للهجرة الذي يسعى لتطبيقه، مضيفة أن هذا القانون “لا يقتصر اضطهاده على المهاجرين غير النظاميين”، بل يمتدّ “إلى جميع الأجانب، ثم إلى جميع العمال في هذا البلد”، وبشكل أعمّ هو “يسرّع تنزيل الدولة العنصرية والسلطوية، ومجتمع اللا مساواة والسيطرة والمراقبة”.
وهو ما اعتبرته صحيفة “ريفولسيون برمانانت” أيضاً “حملة كراهية واسعة” للمهاجرين، تسعى حكومة ماكرون لإطلاقها، تروم “جعل الحياة مستحيلة” لهذه الفئة من المجتمع. فيما قرأت صحيفة “لوبوان” في مشروع القانون إجراءً يودّ دارمانان من خلاله وضع أولى خطواته في مسار الترشح لرئاسيات 2027، ويقدّم نفسه خليفة أنسب لإيمانويل ماكرون.