أثبت العلم الحديث بأنَّ هناك هالة نورانية، وهي عبارة عن طاقة وغلاف غير مرئي، يشعُّ على هيئة موجات كهرومغناطيسية ذات ألوانٍ تحيط بالجسم البشري، والتي تُقاس بالشدَّة الضَّوئية، وتتوالى هذه الأشعة – على مدار اليوم – نتيجة انعكاس أشعَّة الشمس على سطح الأرض، وينتج عنها ما نسمِّيه بـقوس قزح، والذي تتدرَّج فيه الألوان من الأزرق في بداية النَّهار إلى الأحمر عند الغروب، وتصل في الثلث الأخير من الليل وعند السُّحور إلى الأشعةِ فوق البنفسجية، التي يُطلق عليها: الأشعة النَّورانية، وهي مناخٌ طبيعيٌّ لجميع الكائنات اللَّطيفة، وهي وسيلةٌ قويَّةٌ لنشر هذه الطاقة الإيجابية في الأرض.
وكما أنه هناك أماكنٌ للطَّاقة النَّورانية العالية، مثل: الكعبة المشرَّفة (مركز الطاقة الهائلة في الأرض)، هناك أزمنةٌ للطَّاقة النَّورانية كذلك، مثل: أوقات الصلاة، وفي الثلث الأخير من الليل، وفي شهر رمضان.
وقد أثبتت الدِّراسات العلمية حول قياس الطَّاقة أنَّ الطاقة الرُّوحية للإنسان تزداد كلما اقترب من الله تعالى بالعبادة والطاعة، حيث تصفو روحه وتزداد شفافيةً عندما تسمو النَّفس وتتخفَّف من احتياجات الجسد، وأنَّ هناك تأثيرًا قويًّا على مستوى كفاءة الجسد في هذه الفترة، وأنَّ السِّر في ذلك هو: خِفَّة الرُّوح وقوَّة الطاقة الإيجابية في رمضان، فيكون الإقبالُ على الطاعة وتركُ المعصية والاستجابةُ الطوعية للنِّداء الملائكي: «.. يا باغي الخير أقْبِل، ويا باغي الشَّرِّ أقْصِر..».
رمضان.. والطاقة النَّورانية للقرآن الكريم:
يُعتبر الإنسان كائنًا عجيبًا في أصل خِلقته، فقد تحالفت الأرض والسَّماء في عناصره التكوينية، فهو قبضةٌ من طينٍ ترابي، ونفخةٌ من روحٍ سماوي، والإنسان بحياته الجسدية المادية لا يساوي شيئًا، كما قال تعالى عن آدم عليه السلام وهو في عنصره الترابي: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً) (الإنسان: 1)، ولكنَّه استحقَّ التكريم الرَّباني والقيمة الوجودية والرِّفعة الكونية بعنصره الرُّوحي النوراني، الذي نَسَبَه الله تعالى إليه نِسبة التشريف، وهو: الرُّوح، فقال تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ) (الحجر: 29).
وإذا كان للجسد غذاؤه وماؤه وهواؤه ودواؤه، فإنَّ للرُّوح كذلك غذاءها وماءها وهواءها ودواءها، وقد سمَّى الله تعالى القرآن الكريم «روحًا»، لأنه روحٌ للرُّوح، فقال: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا) (الشورى: 52)، وهو النُّور الإلهي الذي يتجلَّى عليها فيبعث فيها الحياة والقوة والطاقة اللا محدودة، فتنتعش هذه الروح، وتعيش سعادتها بأشواقها إلى عالمها العلوي المقدَّس، وقد سُمِّي القرآن الكريم كذلك «نورًا»، فقال تعالى: (وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا) (الشورى: 52).
ولقد ثبت علميًّا أنَّ للإنسان 7 مراكز للطاقة، أهمها مركز التاج بأعلى الدِّماغ، ويكون في حدوده القصوى بدخول الطاقة النَّورانية إلى الجسم في حالة الصيام والتقليل من الطعام، فيكون أكثر تفاعلاً مع تلقِّي الوحي وتدبُّر المعاني الإلهية، فيعيش حالة التذوُّق الوجداني لها، كما قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرَّعد: 28)، إذْ إنَّ كثرة الطعام تشغل الكبد بامتصاص الطاقة من الجسم من أجل الهضم وتحويل الطعام إلى الدَّم، فيُغلق أعلى الدماغ، ويميل الإنسان –عادةً– عند الشَّبع إلى الكسل وعدم التركيز.
ولقد اكتشف العلماء أنَّ هذا النَّور الذي يُعدُّ طاقةً إيجابية في الإنسان هو عاملُ جذبٍ لكلِّ خير، فعند قراءة القرآن الكريم تبدأ الملائكة بنداء بعضها بعضاً، وتقول: «هَلُمُّوا إلى بُغيتكم، فيجيئون فيحفُّون بهم إلى السَّماء الدنيا..»، فلا يستطيع الشيطان أن يصل إلى ما كان يصل إليه بسبب هذه الهالة النَّورانية.
رمضان.. والطاقة النَّورانية للصلاة:
لاحظ علماء الطاقة أنَّ الهالة الإشعاعية للإنسان تزداد عند الصلاة عمَّا كانت عليه قبلها، وأنَّ الطول الموْجِي يتغيَّر بدخول وقتها، وأنَّ هناك غُدَّة تعمل وأخرى تستسلم مع كلِّ وقتٍ للصلاة، ولكي يستفيد الإنسان من هذه الطاقة يجب عليه أن يفصل كلَّ أفكاره ويسترخي، وهو ما نعبِّر عنه بـالخشوع بقوة التركيز وحضور القلب والعقل؛ «ليس للإنسان من صلاته إلا ما عَقَل منها»، وأنَّ التغيُّر الموْجِي يقلُّ بعد مرور أول 20 دقيقة تدريجيًا إلى دخول وقت الصَّلاة الأخرى.
ومن هنا تأتي أهمية الصلاة في وقتها، التي تُضفِي راحةً نفسية وسكينةً روحيةً، كما كان يقول صلى الله عليه وسلَّم لبلالٍ رضي الله عنه: «أرِحْنا بها يا بلال»، وأنَّ سرَّ الشُّعور بالكسل والخمول عن أدائها هو تأخيرها عن وقتها بسبب انسحاب الطاقة من الجسم.
وخِفَّة الجسد مرتبطة بقوة الطَّاقة الرُّوحية، كالفرق بين وزن الطفل وهو نائم، إذْ هو أثقل منه وهو مستيقظ، أو وزن الإنسان وهو ميِّت فهو أثقل منه وهو حيّ، لأن الأعضاء تكون خفيفةً لكونها مليئة بالطاقة عند اليقظة والعمل، وتكون خاملة وثقيلة في غيرها، وهو التفسير العلمي لقصَّة الصحابي الجليل الذي نَصَح بِبَتْرِ ساقه عند الصلاة، لأنه يكون في حالة خشوعٍ عالية، تزداد طاقته الرُّوحية ويخفَّ جسده فلا يشعر بالألم.
فهناك أسرارٌ رهيبةٌ لهذه الطاقة الرُّوحية والهالة النَّورانية التي تشِعُّ من المصلِّي وتحيط بمن يُكثِر من السجود، فتنبعث منه حتى يراها الرَّبانيون بالبصيرة، كما قال تعالى: (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ) (الفتح: 29)، ومصداقًا لقول سيِّدنا ابن عباس رضي الله عنهما: «إنَّ للحسنة ضياءً في الوجه ونورًا في القلب، وإنَّ للسيئة سوادًا في الوجه وظُلمة في القلب».
رمضان.. والطَّاقة النَّورانية للملائكة:
وجد علماء الطاقة أنَّ هناك شهرًا من السَّنة تتكاثف خلاله الموجات الضوئية، وهو شهر رمضان، وهو زمن نزول النَّور القرآني ونزول الملائكة النَّورانية، وتبلغ ذروتها من الهالة النَّورانية في ليلة القدر لخصوصيتها بنزول سيِّدنا جبريل عليه السلام أيضًا، كما قال تعالى: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا) (القدر: 4).
ومن عجائب القدرة الإلهية في رمضان –كمصدرٍ مشبَّعٍ بالطَّاقة النَّورانية والإيجابية للإنسان- عدم اجتماع الضِّدين في مكان أو زمان واحد، فلا يجتمع مثلا: الطول والقِصر أو النُّور والظلام في شيءٍ واحد، وعلى هذا الأساس لا تجتمع الملائكة النَّورانية مع مردة الجان النَّارية خلال شهر رمضان، كما قال صلى الله عليه وسلّم: «إذا جاء رمضان فُتِّحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب النَّار، وصُفِّدت الشياطين ومردة الجان» (متفق عليه)، وهي فرصةٌ للطاقة الرُّوحية والخِفَّة الجسدية للإنسان، فينطلق نحو الإنجاز والعطاء.
فالجن تقع في تردُّدات كهرومغناطيسية دون مجال الأشعة تحت الحمراء، فتراها بعض الحيوانات، مثل: الحمير، وأنَّ الملائكة تقع في تردُّدات كهرومغناطيسية دون مجال الأشعة فوق البنفسجية، فتراها بعض الحيوانات عند نزولها في الفجر وعند السُّحور، مثل: الديكة، وقد جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه يقول فيه: «إذا سمعتم أصوات الديكة فسَلُوا الله من فضله فإنها رأت مَلَكًا، وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوَّذوا بالله من الشيطان فإنَّها رأت شيطانا».
فرمضان أفضلُ فرصةٍ لشحن الطاقة الإيجابية للعيش مع الله تعالى، والانطلاق في دروب العطاء والإنجاز والنَّجاح.