داغستان إحدى جمهوريات روسيا شمال القوقاز على الساحل الغربي لبحر قزوين وجنوب شرق أوروبا، وتعني أرض الجبال؛ إذ تشكل الجبال ثلاثة أرباع مساحتها، وتشترك حدودها الغربية مع جورجيا والشيشان، أما الشمالية فتشترك مع روسيا الاتحادية، ومع أذربيجان في حدودها الجنوبية، وتبلغ مساحتها 50 ألف كم2، وعاصمتها «محج قلعة»، ويُقدَّر عدد سكانها بنحو 3 ملايين نسمة، وتشكل نسبة المسلمين 95% من السكان.
تتعدد قوميات المسلمين في داغستان؛ حيث يوجد أكثر من ثلاثين عِرْقاً، ومن أهمها: «الأوار» (25%)، و«الدارغين» (14.5%)، وقبائل «اللاندي»، وهي ذات أصول عربية، و«الرُّوس»، و«الملاك»، و«الطبسران»، ويستوطن «القوموك» مدينة بتروفسك شمال داغستان، وتتعدد بها اللغات، ومنها: الفارسية والسلافية والتركية والداغستانية والروسية؛ ولكل منها ثقافته وتراثه؛ وتبثُّ الإذاعة والتلفاز والصحافة بعدة لغات محلية.
دخل الإسلام داغستان مبكراً عندما فتح سراقة بن عمرو أذربيجان عام 22هـ في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، ثم أتم عبدالرحمن بن ربيعة الفتح بدخول مدينة «دربند» على ساحل بحر قزوين، وتوجد بها مقبرة لرفات 40 صحابياً، وأسَّس المسلمون بها عدة حواضر إسلامية، من أهمها: «دربند»، و«محج قلعة»، و«قزوين»، و«خنزاخ».. وغيرها.
الداغستانيون أبهورا العرب بطلاقتهم العربية حتى الربع الأول من القرن العشرين
الاضطهاد السوفييتي
خضعت داغستان للحكم الروسي في القرن التاسع عشر ضمن منطقة القوقاز، ثم الاتحاد السوفييتي حتى سقوطه عام 1990م، واستمرت تابعة لروسيا الاتحادية حتى اليوم، وفي فترة الحكم الشيوعي تعرض المسلمون لاضطهاد شديد وتقليص لعدد المساجد؛ فمن أكثر من 1000 مسجد لم يبقَ غير27 مسجداً عند سقوطه، كما تلاشى التعليم الإسلامي، وتم قتل وسجن العلماء وحفظة القرآن، وكانت العربية لغة التواصل بين السكان، وكانت اللغة الداغستانية تكتب بالحروف العربية، وتُكتب على العملات الرسمية شعارات دينية بالعربية، وصدرت بها عدة صحف كـ«جريدة داغستان».
وقد أبهر الداغستانيون العربَ وغيرَهم بطلاقة لغتهم العربية وفصاحتها حتى الربع الأول من القرن العشرين قبل استبدال الروسية والحرف اللاتيني بالعربية عام 1342هـ/ 1923م، وكان علماء داغستان في القرن التاسع عشر يرحلون إلى البلاد العربية طلباً للعلم الشرعي ونبغ منهم كثيرون، وترجم لهم نذير الدركيلي الداغستاني في كتابه «نزهة الأذهان في تراجم علماء داغستان».
بناء ثقافة إسلامية
شرع المسلمون بالتوسع في بناء المساجد والمدارس ومراكز تحفيظ القرآن عقب سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1990م، ويقوم على شأن تلك المساجد والمراكز حتى اليوم ما يزيد على 3 آلاف من الأئمة والمؤذِّنين والمعلمين، وتكثر الإدارات الدينية ومجالس الإفتاء والترجمة عن اللغة العربية في روسيا، بالرغم من قلة عدد الدعاة والوعاظ.
مسلموها يعانون من انتشار «الإسلاموفوبيا» وعدم الترابط بين المسلمين وضعف الولاء للدِّين
واليوم تواجه المسلمين في داغستان مشكلات متعددة، منها:
– غياب المجامع والهيئات الفقهية التي تصدر عنها الفتوى الشرعية.
– انتشار «الإسلاموفوبيا» داخل الاتحاد الروسي، والخوف من انتشار الإسلام في البيئة الروسية الداخلية؛ ما انعكس على المعاملة العنصرية تجاه مسلمي داغستان.
– عدم الترابط بين المسلمين وضعف الولاء للدِّين، وتنامي روح القوميات العرقية والعزلة عن قضايا العالم الإسلامي.
– تعرُّض الإسلام لتشويه متعمَّد أدى إلى غياب الثقافة الإسلامية والمبادئ العامة للإسلام عند كثير من مسلمي داغستان، والاعتقاد بأنه مجموعة من العادات والأعراف التي يبتعد تصورها عن العقائد والأحكام الصحيحة، ومثال ذلك: زواج بعض المسلمات من غير المسلمين ظناً أن ذلك يخضع للعرف والعادات التي تختلف من مكان لآخر.
– تشجيع الروس للهجرة إلى داغستان ومنطقة القوقاز مما يساعد في زيادة أعدادهم.
ويحتاج المسلمون في داغستان إلى الدعم الديني والثقافي وإرسال البعثات العلمية لنشر العلم الشرعي، وفتح البعثات العلمية أمام أبناء داغستان لدراسة العلوم الشرعية في البلاد العربية.
________________________________________________________________________________________
1- ألميرا أحمد وفا: إدارة الأقليات المسلمة في روسيا، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض، 1440هـ/ 2018م.
2- محمد يوسف عدس: الإسلام والمسلمون في آسيا الوسطى والقوقاز، مركز دراسات العالم الإسلامي، كوالالمبور، 2017م.
3- نذير الدركيلي الداغستاني: نزهة الأذهان في تراجم علماء داغستان.
4- يوسف مرتضى: المسلمون في روسيا الموروث وتحديات المستقبل، دار الفارابي، بيروت، 2017م.