دأبت حكومة الاحتلال على تخصيص جلستها الأسبوعية التالية للذكرى العبرية لتوحيد القدس لتخصيص ميزانيات لتهويد المدينة ولإقرار مشروعات فيها، إلى جانب قراراتها الأخرى، وقد سبق لها أن أقرت ميزانيات ومشروعات أكبر مما أقرته اليوم (الأحد) في الاجتماع المشابه عام 2017 في الذكرى الخمسين لاستكمال احتلال المدينة.
لعل أهم ما في هذا الاجتماع إلى جانب موازنة دعم الحفريات وتهويد جوار المسجد الأقصى هو التركيز على الجانب الرمزي، وعلى انعقاده في الأنفاق المجاورة للمسجد الأقصى، وعلى حضور الحكومة بكامل طاقمها تقريباً والحرص على أخذ صورة تذكارية بعده، وهي إشارات رمزية كانت تخص بها الاجتماعات العشرية بالأساس، أي في عامي 2007 و2017، وهو تعبير عن مدى تعلق حكومة الصهيونية الدينية الحالية بمشروع تهويد القدس، أما قدرتها على ذلك فمسألة أخرى لا تؤيدها موازين القوى الدولية أو الإقليمية أو حتى داخل فلسطين المحتلة.
جرى الاجتماع في قاعة تسمى «خلف جدارنا»، وتقع تحت كنيس «خيمة إسحاق» المقام على أوقاف حمام العين المملوكي إلى الغرب من باب القطانين، والقاعة تقع تحديداً بجوار سور «الأقصى» ما بين بابي القطانين والمطهرة، ورغم أن أبرز المخرجات التي ركز عليها الاجتماع هي تمويل الحفريات بـ17 مليون دولار، فإن القاعة المملوكية التي اجتمعوا فيها جرى تنظيفها وتدعيمها وتأهيلها على مدى 10 سنوات ما بين عامي 2005 و2015 بتمويل من الملياردير اليهودي الأوكراني زفي هيرش، وهو يحمل الجنسية البريطانية ويعرف باسمه الأوكراني جينادي بوغوليوبوف.
ومعظم الحفريات والأبنية التهويدية في محيط «الأقصى» ما تزال تموَّل بمساهمات خاصة من أثرياء الصهاينة عبر العالم بمبالغ أكبر بكثير مما تخصصه حكومة الاحتلال، وهذا ما يجب التنبه إلى ملاحقته وإفشاله بجهود منظمة يمكن لها أن تضرب مشروع التهويد بشكل حقيقي.
في الخط الزمني التاريخي
بُني حمام العين وأوقافه والقاعة تحته في عهد تنكز الناصري الوالي المملوكي في عهد السلطان ناصر الدين محمد بن قلاوون عام 1337م، وهو السلطان الذي استكمل طرد الصليبيين من آخر معاقلهم في المشرق في جزيرة أرواد، وخصص الحمام إلى رواد المسجد الأقصى للوضوء والاغتسال.
مع بداية الهجرات الصهيونية الدينية الأولى من أتباع جماعة «عشاق صهيون» أو «أحباء صهيون»، كانوا حريصين على استعراض حضورهم الديني فأسسوا 3 كنس في البلدة القديمة باستئجارها من متولي الأوقاف كعقارات سكنية ثم تحويل وجهة استخدامها إلى كنس، وكانت تلك الكنس هي «خيمة إسحاق» الذي تأسس في أوقاف حمام العين، و«كنيس الخراب» الذي تأسس على أوقاف المسجد العمري الكبير، وكنيس «مفخرة إسرائيل» الذي كان أكبرها وأعلاها وآخرها اكتمالاً في عام 1872، كانت هذه الكنس محل نزاع مع أهل المدينة، وتعطل تأسيسها لعشرات السنين، واستخدم المستوطنون اليهود الرشوة لتمريرها عند من استطاعوا من المتصرفين والقضاة.
في حرب عام 1948 لجأت العصابات الصهيونية لهذه الكنس بعد حصارها في البلدة القديمة، فلجأت القوات الأردنية والسورية والعراقية التي كانت تدافع عن المدينة إلى نسفها على رؤوس المقاتلين المحتمين فيها.
في يوليو 2008، أعيد بناء وتأهيل «كنيس خيمة إسحاق» وافتتاحه، وكان الهدف افتتاحه في عام 2007 بالذكرى الـ40 لاحتلال المدينة، ليكون أول استعادة للوجود الديني التاريخي في القدس القديمة مع مرور السنة الـ40 على احتلالها.
أثناء تأهيل الكنيس، وفي عام 2005 تحديداً، بدأ العمل على تفريغ الردم من القاعة الكبيرة الواقعة إلى الشرق منه والواصلة بينه وبين سور «الأقصى»، وتقع تحت جزء من سوق القطانين امتداداً لباب المطهرة، ومساحتها 400 متر مربع، واستمر تأهيلها 10 سنوات، وافتتحت في 16/ 6/ 2015؛ أي بعد شهر من ذكرى احتلال القدس، وكان الهدف أن تفتتح في نفس المناسبة لكنها تأخرت.
في 28 مايو 2017، اجتمعت الحكومة في هذه القاعة، ليكون أول اجتماع لها في الحفريات المجاورة للمسجد الأقصى، وأقرت فيه مشروع بناء تلفريك البلدة القديمة بقيمة 56 مليون دولار الذي ما زالت التحضيرات تجري لبنائه، ومصعد وممر يربطان الحي الاستيطاني اليهودي إلى ساحة البراق بقيمة 14 مليون دولار، وهو قيد البناء حالياً، إضافة إلى أكبر خطة تطوير خمسية لتهويد القدس منذ احتلالها.
بالنظر إلى هذا الخط التاريخي، ومحطاته الحديثة منها بالأخص، فإن التطور الصهيوني في تهويد المدينة ما يزال بطيئاً ومتعثراً وإن حقق تقدماً على الأرض، وهو ما ينبغي أن يدفعنا لخوض معركة القدس بجدية وثقة أكبر، لأنها معركة ما تزال مرشحة للانتصار رغم كل شيء، شرط أن نخوضها كما يجب وأن نكرس لها الطاقات والإمكانات.