– لاقت الاستشرافات القرآنية ردود أفعالٍ ساخطة من الصَّهاينة العرب الذين حرَّكتهم الصُّهيونية العالمية
– تثبت الدراسات الاستراتيجية تراجع الحاجة الغربية للكيان الصهيوني مع تراجع حاجتهم للنفط العربي
– مصطلح “الحرب الأهلية” هو الأكثر شيوعًا في الخطاب الصُّهيوني بعد تأجج الصراعات الداخلية
– أثبت القرآن أن عوامل التدمير اليهودي تتحالف فيه 3 قوى ستحسم مستقبل الكيان الصُّهيوني
أجرى الإعلامي البارز أحمد منصور حواراً تاريخياً عام 1999م مع الشهيد أحمد ياسين (1936 – 2004م)، وكان من أبرز استشرافاته التي استشفَّها من القرآن الكريم هي نبوءة زوال «إسرائيل» في حدود عام 2027م، وكان مرجعه القرآني في ذلك ما كتبه الله على بني إسرائيل في قوله تعالى: (قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) (المائدة: 26)، وهي الآية التي تقرِّر سُنَّة اجتماعية ثابتة في تغيُّر الأجيال، التي حدد التقدير الإلهي عمر هذا التغيير بـ40 سنة، فكانت الـ40 سنة الأولى من سنة 1948م إلى اندلاع الانتفاضة عام 1987م هي عُمْر جيل الهزيمة، ثم الـ40 سنة الثانية إلى حدود عام 2027م هي عُمْر جيل الاستعداد والتطوُّر النَّوعي للمقاومة، ثم يكون بعد ذلك عُمْر جيل النصر المنشود، وتحرير كل فلسطين من البحر إلى النهر.
أثارت هذه الاستشرافات القرآنية ردود فعل ساخطة من الصهاينة العرب الذين حرَّكتهم الآلة الصهيونية الإعلامية العالمية، وأنَّ هذه النُّبوءة غارقة في الأحلام الرَّغائبية التي تتصادم مع حقائق ميزان القوة في الواقع.
إلا أنَّ صدى هذا اليقين بقي يتردَّد في أسماع المهتمين، وأنَّ الأبحاث العلمية والاستقراءات الواقعية والشهادات التاريخية بدأت تأخذ طريقها إلى العلنية والرسمية بسنوات قليلة جداً، وذلك بطرح التشكيك الفعلي في المستقبل الوجودي للكيان الصهيوني، ففي العام 2002م، طلعت علينا أشهر المجلات السياسية الأمريكية؛ وهي مجلة «نيوزويك»، تتحدث أن الدراسات واللقاءات التي أجرتها مع الكثير من المؤرخين «الإسرائيليين» وغيرهم تثبت بأن «إسرائيل» دولة بلا مستقبل.
وفي عام 2003م، استضاف منصور الحاخام اليهودي «ديفيد وايس» في برنامجه «بلا حدود»، وهو الناطق الرسمي لجماعة «ناطوري كارتا» التي تأسست عام 1935م (أي قبل قيام «إسرائيل» عام 1948م)، ومقرها الرئيس في نيويورك، التي ينتمي إليها حوالي مليون يهودي، ومن أهم أهداف تأسيسها عدم قيام دولة لـ«إسرائيل»؛ لأنها دولة ضد الرب الذي قضى على اليهود في التوراة بالشتات في الأرض، وهي الحقيقة الدينية والتاريخية التي نطق بها القرآن الكريم كذلك في قوله تعالى عن بني إسرائيل: (وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً) (الأعراف: 168).
وقد أحدثت تصريحات هذا الحاخام اليهودي ضجة كبيرة وتسببت في زلزال معرفي مدوٍّ، وخاصة أنها صدرت من داخل الحقل المعرفي اليهودي، الذي تختبئ «إسرائيل» في تأسيسها وفي شرعية وجودها على أساطيرها الدينية.
لم يكن الشيخ ياسين برؤيته الإسلامية، ولا الحاخام «وايس» برؤيته اليهودية وحدها من بشرت بحتمية زوال «إسرائيل»، وأنه كيان بلا مستقبل، فقد سبق للدكتور عبدالوهاب المسيري تناول هذا الموضوع في كتابه «موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية»، الذي أنفق عليه 20 عاماً من عمره، فقد تحدث كذلك عن مستقبل «إسرائيل» وفق الدراسات العلمية التطبيقية، إذ إن هذا الكيان لديه وجود وظيفي غربي، وقد تم التأسيس له على خلفيات دينية، فقد وجدت الصهيونية العلمانية في البُعد الديني الفرصة في إغراء اليهود في العالم بالهجرة إلى فلسطين، واشتقاق الحق السياسي والتاريخي من الحق الديني، وذلك عبر الصناعة السردية اليهودية لهذا التاريخ المحرَّف، وهي نفسها الأساطير المسيحية الإنجيلية المسيطرة على السياسة الخارجية الأمريكية، التي تربط العودة الثانية للمسيح بقيام الدولة اليهودية وعاصمتها القدس الموحَّدة.
وقد سبق للكونجرس الأمريكي، في 24 أكتوبر 1995م، أن قرَّر بأن القدس هي العاصمة الأبدية والموحَّدة لـ«إسرائيل»، لأنها كما يقول: الوطن الروحي لليهودية، ومع ذلك فإن الدراسات الإستراتيجية تثبت تراجع الحاجة الغربية إلى هذا الكيان في المستقبل، كما تتراجع الحاجة إلى النفط العربي، وبالتالي فإنه سينقطع «حبل الناس» عنه.
لقد كان الخطاب المفعم بالعنصرية الدينية هو ما أعلنه «بن غوريون»، أول رئيس وزراء «إسرائيلي» عام 1948م في الأمم المتحدة، عندما تبجَّح بهذه الأسطورة القبيحة، حين قال: «قد لا تكون فلسطين لنا بالحق السياسي أو القانوني، ولكنها حق لنا على أساس ديني، فهي الأرض التي وعدَنا اللهُ بها، وأعطانا إيَّاها من الفرات إلى النيلِ»!
إلا أن هاجس الشك بنهاية هذا الكيان السرطاني ليس مجرد أمنية رغائبية لأعدائه، بل هو شعور يضرب بجذوره في عمق الوجدان الصهيوني، فهو هاجس مركزيٌ متأصل صهيونياً منذ البدايات الأولى لهذا الكيان، وقد قال «بن غوريون» نفسه: «ستسقط إسرائيل بعد أول هزيمة تتلقاها»، فالقلق من زوال «إسرائيل» هو يهودي ذاتي بامتياز، قد تأسس على حالة الشك في مستقبلها كدولة يهودية.
ولا نبالغ إذا قلنا: إن مصطلح «الحرب الأهلية» هو الأكثر شيوعاً في الخطاب الصهيوني الآن، بعد أن تأججت نيران الصراعات الداخلية بين «الدولة العميقة» العلمانية و«التيار الدِّيني المتصاعد» المسيطر على الحكم اليوم.
فيقول الرئيس السابق لجهاز المخابرات الداخلية (الشاباك)، في أكتوبر الماضي، في مقال له بصحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، بعنوان «على شَفا حرب أهلية»، ووصف «نتنياهو»، في 27 مارس 2023م، قرار تأجيل تلك الإصلاحات القضائية بأنه «فرصة لتجنب حرب أهلية»، كما عبَّر وزير الدفاع السابق «بيني غانتس» عن خشيته من اندلاع حرب أهلية تؤدي إلى تفكُّك «إسرائيل» من الداخل، وهو التدمير الذاتي الذي دفع بهم إلى دق ناقوس الخطر الوجودي، فهذا الرئيس الصّهيوني «هرتسوغ» يقول: «ما يحدث كارثة حقيقية، وبلادنا تنهار أمام عينيّ»، ويضيف: «الوضع يتَّجه إلى نقطة اللاعودة، و«إسرائيل» تمر بأزمة تاريخية تهدد بتدميرها من الداخل».
ويقول «نفتالي بينت»، رئيس الحكومة الصهيونية السابق، في يونيو 2022م: «علينا أن نتذكر كيف تفككت دولتنا في التاريخ القديم قبل 2000 عام مرتين، بسبب الصراعات الداخلية؛ الأولى عندما كان عمرها 80 عاماً، والثانية عندما كان عمرها 77 عاماً، ونحن الآن نقترب من العقد الثامن، ونقف جميعاً أمام اختبار حقيقي، فهل نتمكن من الحفاظ على دولتنا؟».
لقد أثبتت الحقيقة القرآنية بأن عوامل التدمير اليهودي تتحالف فيه 3 قوى؛ وهي من ستحسم مستقبل الكيان الصُّهيوني، وذلك استناداً إلى قوله تعالى: (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) (الحشر: 2)، وتتمثل هذه القوى في:
1- اليد الإلهية التي تعمل في الخفاء: وذلك لقوة الاعتقاد في الله تعالى بأنه هو المسيِّر والمدبِّر لهذا الكون، وأنه لا توجد أي قوة تعجزه في هذا الوجود، وأن حجم الظلم والطغيان الذي بلغه هذا الكيان الصهيوني سيعجِّل بنهايته.
2- التدمير الصهيوني الذاتي: فقد قام هذا الكيان على هجرة يهود العالم إليه، وهو الآن يشهد هجرة عكسية لعدة أسباب واعتبارات، وأنه يعاني أزمة ديمغرافية مفضوحة مقارنة مع النمو الديمغرافي الفلسطيني، وأنه يعيش حالة من الصراعات والتدمير الذاتي الداخلي، وقد قال الله تعالى عنهم: (وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (المائدة: 64).
3- التطوُّر النوعي للمقاومة: فقد كسبت المقاومة الفلسطينية معركة العقول والإرادات، وتمكنت من التقنية والتكنولوجيا في الصناعة الحربية، ومنها صناعة الصواريخ والطائرات بدون طيار، فتملك منها مخزوناً هائلاً، التي يصل مداها إلى أكثر من 250 كلم، وهو ما يمثل تهديداً إستراتيجياً لمنظومة الردع الصهيونية، ويضع 5 ملايين صهيوني تحت دائرة الاستهداف، وهو ما خلق حالة من الردع وتوازناً في الرعب، ويهدد المستقبل الوجودي لهذا الكيان.