تعاني المجتمعات العربية والإسلامية من موجة انحلال أخلاقي هائلة طالت قيمها ومعتقداتها، وأصبحت المشكلة الأكبر تتمثل في ذلك النشء القادم؛ الذي يتعرض لموجات من الإفساد والانحلال المتعمد تدعو للقلق.
وتعد وسائل التواصل الاجتماعي أو ما يعرف بـ«السوشيال ميديا» من أكثر المؤثرات الخارجية التي ساعدت بشكل كبير على طمس الهوية، وتزيف القيم، وترسيخ الانحلال والانحراف، وهذا ما نجني ثماره اليوم.
الخطأ هنا يكمن في سوء الاستخدام لتلك المواقع من قبل الشباب، الذي أضر بهم كثيراً؛ وتخطى ضررهم ليعم المجتمع بأكمله بطفرة من الفساد والتجريف استدعت وقفة جادة لتدارك الآثار السلبية لذلك الأمر.
طوفان جارف
يبدأ الشباب والمراهقون يومهم بتصفح مواقع التواصل الاجتماعي ويختتمونه بذات الأمر، وما بين النوم واليقظة لا يفارق الهاتف المحمول أياديهم، بكل ما يبثه من خلال تلك المواقع من مقاطع بها الكثير من الإسفاف والابتذال؛ ونشر الأفكار المسمومة، وقطعاً يترتب على ذلك إهدار الكثير من الوقت الذي كان من الممكن الاستفادة منه فيما هو مفيد.
وفوق إهدار الوقت يهدر الشباب الكثير من القيم والأخلاق الحميدة التي تربوا عليها.
ولا يقف الأمر عند ضياع الساعات الطويلة أمام الشاشات الصغيرة وإهدار الفضائل والأخلاق، بل يتخطاه إلى الانعزال عن المجتمع والاكتفاء بالمجتمع الافتراضي الذي يعيش الشباب بداخله ولا يستطيعون التحرر من قيوده، حيث تتحول حياتهم الاجتماعية لتعبيرات رمزية يرسلونها عبر لوحة المفاتيح؛ ويكتفون بها عن التفاعل والتواصل مع محيط أقربائهم ومعارفهم؛ فيصعب عليهم تقبل النصح أو التوجيه منهم.
عالم بلا قيود
في عالمنا الواقعي، تحكمنا قيود الدين والأعراف والعادات والتقاليد، أما في العالم الافتراضي تغيب كل القيود والحدود؛ وينفتح العالم ليصبح قرية صغيرة، ويتواصل البشر على اختلاف الديانات والثقافات؛ وتزول قيودهم، بل قد يستترون خلف أوجه وأسماء مستعارة لمزيد من الحرية.
ويقع الشباب ضحية لذلك الانفتاح اللامحدود، فيشاهدون ما لا يجب مشاهدته؛ ويتواصلون مع من لا يصح التواصل معهم، وتغيب عن أذهانهم الكثير من قيم وأخلاق مجتمعاتهم، فيخرجون للمجتمع بسلوكيات وأخلاق لم تكن مألوفة من قبل.
تجارة رائجة
يعد الانحلال الأخلاقي من الظواهر الاجتماعية التي تهدد أمن واستقرار المجتمعات، خاصة في الدول الإسلامية التي يعيش أفرادها تحت منظومة من القيم والأخلاق الدينية والأعراف الاجتماعية.
لذا، فإن ما تبثه مواقع التواصل من محتوى يساعد على تفشي الرذيلة والعنف والبلطجة كان له آثاره المدمرة على الشباب وخاصة المراهقين؛ الذين يقلدون كل جديد، ولكن المؤسف هو التقليد الأعمى لما يشاهدونه على مواقع التواصل دون اعتبار لمخالفته لثوابت الدين والأخلاق، فأصبحنا نشاهد أطفالاً وشباباً وحتى نساء يقدمون الابتذال على تلك المواقع دون قيود بهدف التربح أو الشهرة أو التقليد الأعمى.
نهاية مأساوية
تسببت مواقع التواصل وعلى رأسها «تيك توك» في انجراف الكثير من الشباب إلى طريق الانحلال الأخلاقي، والاتجار بالبشر، الذي انتهى بهم في غياهب السجون، وأشهرهم قضية فتيات «تيك توك» في دولة عربية وغيرهن كثيرات؛ واللاتي تم القبض عليهن في مواقف مختلفة؛ ولكن الاتهامات كانت متشابهة كثيراً؛ ومنها «نشر مقاطع مُصورة وصوراً خادشة للحياء العام وتخل بالقيم الأسرية عبر حسابات خاصة بمواقع التواصل الاجتماعي».
ولم يقف الأمر عند إنهاء الحياة الأخلاقية لعدد من مشاهير مواقع التواصل، بل تعداه لإنهاء الحياة بأكملها والانتحار بطرق بشعة مع توثيق تلك الجريمة؛ حيث أقدمت فتاة على الانتحار من خلال قطع شرايين يدها موثقة الواقعة من خلال بث مباشر عبر حسابها.
خطر زاحف
هذه الجرائم والأحداث تكشف الخطر الذي تحمله مواقع التواصل على مستخدميها خاصة الشباب منهم الذي يستلزم تقنين استخدامها، وهذا ما أظهرته دراسة لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية عن سياسات التعامل مع التحديات الأمنية لتطبيق «تيك توك»، وأوصت بضرورة قيام الأجهزة والمؤسسات الحكومية في الدول العربية بالأخذ بسياسات التدابير التنظيمية فيما يتعلق بضبط وتنظيم آليات عمل تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي، ومن بينها تطبيق «تيك توك».
حصن منيع
تعد الأسرة حائط الصد المنيع الذي يحمي الأبناء من الانزلاق في براثن الانحراف والضلال، ومن هنا وجب تفعيل الدور التربوي والرقابي للأسرة، لتقنين ما يشاهده الأبناء على تلك المواقع؛ والتحكم في الوقت الذي يقضونه أمام الشاشات؛ وتوفير أنشطة ممتعة ومفيدة لاستثمار وقتهم فيما ينفعهم.
المعلم المربي
يجب ألا نغفل دور المعلم التربوي في التوجيه والتقويم، فرسالة المعلم تتخطى الشرح والتلقين ليكون المربي والقدوة لطلابه، والطالب في الكثير من الأحيان يتقبل من معلمه ما لا يتقبل من والده، لذا فمن واجبه أن يدرك قيمة رسالته التربوية ويكون له دور فعال في توجيه طلابه وحمايتهم من الانحراف.
الدعاة
لرجال الدين مكانتهم وقدسيتهم لدى الجميع، ومن منطلق واجبهم الديني والأخلاقي وجب عليهم توجيه الشباب للأخلاق الحميدة التي تحث عليها الأديان السماوية كافة، وتفعيل رسالة دور العبادة في التربية والتقويم، والحرص على تنشئة الشباب على القيم الدينية الأصيلة التي تحميهم من الانزلاق في براثن الضلال.
الإعلام
لا يفوتنا الدور المؤثر لوسائل الإعلام على الشباب تحديداً، لذا فمن الضروري توجيه وسائل الإعلام لتقديم نماذج ملهمة للشباب لتكون القدوة الحسنة لهم، فغياب القدوة كان له أسوأ الضرر عليهم؛ لذا وجب تقديم نماذج رائدة يحذو الشباب حذوهم في الأخلاق والعمل والنجاح.
ختاماً، ولزاماً علينا أن نطلق صافرة إنذار لتوعية الأسرة والمعلمين والدعاة وكل أفراد المجتمع ليقوموا بواجبهم التربوي لحماية أبنائنا من خطر قادم يوشك أن يفتك بهم وبالمجتمع بأكمله.