منذ اللحظات الأولى لمعركة «طوفان الأقصى»، والاحتلال يسعى بشكل محموم وعبر مختلف أدواته ومنابره الدبلوماسية والإعلامية إلى شيطنة المقاومة الفلسطينية، ويعمل على وضع عدوانه على قطاع غزة في السياق نفسه مع الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من دول العالم ضد تنظيم «داعش» وموجة «الإرهاب»، والمتابع لتصريحات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يجد بأنه كرر في أغلب مؤتمراته الصحفية عبارة «حماس هي داعش».
وفي محاولة تحقيق هذه الشيطنة، استخدمت أذرع الاحتلال العديد من الأساليب، وأبرزها -بطبيعة الحال- الكذب الصريح، وإعادة تكرار الأكاذيب؛ إن في التصريحات الرسمية وخاصة في المؤتمرات الصحفية مع رؤساء الدول التي تزور الأراضي المحتلة للتضامن مع الاحتلال وإعطائه المزيد من الأدوات لقتل الفلسطينيين، وتتركز هذه الأكاذيب حول أحداث موهومة جرت في السابع من أكتوبر، ولصق العديد من التهم الباطلة بالمقاومين، على غرار قتلهم الأطفال، والتمثيل بالجثث، واغتصاب النساء، على الرغم من عدم قدرة الاحتلال على إثبات أيّ منها، بل على العكس جاءت شهادات المستوطنات على خلاف ذلك، تؤكد تعامل المقاومين معهم بكل إنسانية، على عكس ما يجري حاليًا في قطاع غزة من مجازر بشعة ومتتابعة.
ومع محاولة الغرب فرض الرواية «الإسرائيلية» على العالم، وتسويقها من خلال الإعلام وعبر الأدوات الدبلوماسية الأمريكية، وصولًا إلى الرئيس الأمريكي بايدن، الذي كررها غير مرة، وفي أكثر من مناسبة، ووصل الأمر به –أي بايدن- وخلال زيارته للأراضي المحتلة أن برّأ الاحتلال من ارتكاب مجزرة مشفى المعمداني، موجهًا كلامه لنتنياهو بأن الآخرين هم من ارتكبوا المجزرة ولستم أنتم.
وتعمل آلة الاحتلال وأدواته المختلفة على شيطنة المقاومة، وتشبيهها بـ«النازية» حينًا، وبـ«داعش» أحيانًا أخرى، وهي أوصاف تفيد بكل تأكيد الغرب الاستعماري، الذي يحاول إنهاء أي محاولة لمواجهته تحت ذرائع محاربة الإرهاب، وهو الذي صرح به الرئيس الفرنسي ماكرون بأن «أوروبا معرضة لعودة الإرهاب الإسلامي»، أما عن أدوات هذه السياسة، فهي في النقاط الآتية:
1- ادعاء المظلومية، من خلال تكرار رواية الاحتلال المكذوبة عن فظائع جرت في 7/ 10، على الرغم من بيان تهافتها، وعدم قدرة الاحتلال على إثباتها.
2- محاولة حصر الأمور في سياق ضيق بعد 7/ 10، وكأن الصراع بدأ البارحة، والفلسطينيون يعيشون منذ 75 عامًا باطمئنان وسلام.
3- تقسيم العالم؛ ما بين مؤيد للاحتـلال رافضٍ لما جرى فيه، وما بين المؤيد للمقاومة، وهي أجواء تشبه ما قامت به الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
وتأتي هذه الخطوات من قبل الاحتلال وداعميه إلى محاولة ترسيخ مبرات «أخلاقية» لما يرتكبونه من مجازر، وهو ما تكرر على ألسنة مسؤولي الاحتلال في العديد من التصريحات، التي بدأت بأن الفلسطينيين «حيوانات بشرية»، ومن ثم بأن «غزة لا تضم مدنيين»، وأن الفلسطينيين لو رفضوا ما تقوم به المقاومة كانوا انقبلوا عليه، في سياق شيطنة الفاعل وتجريم الفعل، وإنهاء أي محاولة لمواجهة الاحتلال، وهو عين القضية، وهدف الاحتلال بعيد المدى.
إن الفائدة التي سيجنيها الاحتلال من هذه الأفعال تتركز جملة من الأهداف، وأبرزها:
– محاولة إلصاق المجازر في غزة بالمقاومة، عبر أسلوبين؛ الأول: أن المجازر تحدث بسبب تخفي المقاومة في الأحياء السكنية، الثاني: أن المقاومة هي التي تسببت بها، على غرار إلصاق مجزرة المشفى بالمقاومة.
– الادعاء بأن المقاومة تتخذ الفلسطينيين دروعًا بشرية، لتبرير أي قصف ومجازر بحق الآمنين.
– دفع العالم لقبول فكرة تهجير الفلسطينيين، وأن الاحتلال يطلب منهم الهجرة لحمايتهم من «إرهاب» المقاومة!
– التمهيد المستمر للاجتياح البري للقطاع، وما يمكن أن يتمخض عنه من خسائر فادحة بالأرواح، مع ثبات الفلسطينيين في منازلهم، ورفضهم الهجرة من أرضهم.
أخيرًا، هذه الهجمة المستمرة من قبل الاحتلال ومن يدعمه، تستوجب منا المزيد من العمل؛ إن لنشر الرواية الأصيلة؛ بأن المقاومة جزءٌ من نسيج هذه الأمة، وأنها مثلما تدافع عن غزة والقدس وفلسطين، تدافع عن الكويت وبيروت والدوحة ونواكشوط، وأن التزام المقاومة بأحكام الشرع الحنيف واضحٌ جليّ، وكم أعجبتني العبارة التي تناقلها بعض النشطاء «بأن كل فعل شرعي هو فعل أخلاقي»، وليس أعلى ولا أسمى من مواجهة عدونا والإثخان فيه.