«ربنا معانا.. ربنا حامينا».. «الله أكبر عليكِ يا إسرائيل».. «عهد الله ما بنترك أرضنا».. كلمات عبَّر بها أطفال فلسطينيون بقطاع غزة عن ثقتهم بنصر المجاهدين، وأن الأرض المحتلة ستعود لأصحابها، وقدموا بها الدعم لمن حولهم من آباء وأمهات، في مشهد أسطوري لم يشهد له التاريخ مثيلاً؛ ما دفع كثيراً من المؤثرين عبر شبكات التواصل الاجتماعي حول العالم إلى التساؤل عن ماهية هذا الإيمان الذي يتشربه هؤلاء الصغار، وإعلان رغبتهم في قراءة القرآن الكريم ومعرفة مبادئه.
ولم تترك هذه المشاهد، التي تابعها الملايين عبر شبكات التواصل، أثراً في مؤثري العالم فقط، بل في ملايين الأطفال في عالمنا العربي أيضاً، إلى الحد الذي يجعلنا نؤرخ لعملية «طوفان الأقصى» المباركة باعتبارها المحطة التي جعلت قضية فلسطين محط الاهتمام الأول لتلك الفئة العمرية لأول مرة.
فصمود المقاومة وشعب غزة أمام آلة الإجرام «الإسرائيلية» جعل الملايين من الأطفال العرب يشاركون لأول مرة في حملات المقاطعة، ويرسمون العلم الفلسطيني، وسرعان ما تحولت صورة أبي عبيدة، المتحدث باسم «كتائب عز الدين القسام»، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إلى رمز يتداولونه عبر منشوراتهم، بل ويرتدون اللثام تقليداً له.
وتمثل الطفلة مليكة محمود (7 سنوات) مثالاً لهذه الحالة في الكويت، إذ عادت من مدرستها باكية، وحين سألها والدها كان الجواب أن زميلات لها قمن بنهرها حين رأين في يدها كيساً من «الشيبس» (رقائق البطاطا) المدرجة ضمن قائمة المقاطعة، حسبما أورد موقع «الجزيرة نت».
ويقول والد مليكة: إن طفلته أخبرته وهي تبكي بمدى حبها لفلسطين، وإنها أكدت لزميلاتها ذلك، مضيفة أنها اشترت المنتج في الصباح دون أن تدرك لصغر سنها أنه من بين المنتجات المطلوب مقاطعتها، ما اعتبره واقعة مبشرة، تعكس كيف يشكل العدوان المستمر على غزة وعي الأطفال في عمر ابنته.
أطفال مقاومون
ومن بين الأمثلة على الصمود الفلسطيني الأسطوري الطفلة ريم العطار (10 سنوات)، التي رسمت لوحة فنية تعبر عن معاناة شعبها وحلمها بالسلام والحرية، ونشرتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وحظيت بإعجاب وتقدير مئات الآلاف.
وهناك الطفل محمد الدبس (12 سنة)، الذي ألقى قصيدة شعرية مؤثرة عن حبه لفلسطين ورفضه للاحتلال والظلم.
وغنت الطفلة رنا النجار (9 سنوات) أغنية وطنية تحمل اسم «يا فلسطين»، وسط الدمار والركام، وسجلتها بكاميرا هاتفها، وانتشرت على الإنترنت، وأثارت مشاعر الحزن والفخر والأمل لدى كل من شاهدها.
أما الطفل عمر الحلبي (11 سنة)، فشارك في مسرحية تروي قصة النكبة والانتفاضة الفلسطينية والحصار، وأدى دور الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وأبهر الجمهور بموهبته وحماسه وتقنيته.
بينما استغل الطفل محمود الشاعر (13 سنة) تعلمه للغة الإنجليزية بنفسه عن طريق الإنترنت، لينقل صورة الجرائم «الإسرائيلية» النازية في غزة ومعاناة أهلها، وشارك في حملات توعية وتضامن دولية مع القضية الفلسطينية.
بل إن بعض الأطفال شاركوا في عمليات إسعاف المصابين بعد تلقي دورات تدريب للإسعاف الأوليّ، ومنهم الطفلة رغد الأسطل (7 سنوات)، التي تطوعت في فريق إنقاذ، يقوم بمساعدة الجرحى والمصابين في غزة، بسبب الأعداد الهائلة من المصابين في المستشفيات.
وإذا كان الأطفال هم أمل الأمة وزهرة الحياة، فهم في فلسطين شهود وشهداء على الظلم والاحتلال والعدوان، إذ يعيشون في ظروف قاسية لا تتوفر فيها أبسط حقوقهم في الحرية والأمن والتعليم والصحة والترفيه، ومع ذلك يُظهرون صموداً ومقاومة وإبداعاً لا مثيل لها في تاريخ الشعوب.
ومن بين نحو 5 آلاف طفل شهيد في غزة، من بين أكثر من 13 ألف شهيد في القطاع، أصبح صور العديد منهم أيقونات لمدى وحشية النظام الدولي الداعم للاحتلال «الإسرائيلي» النازي، وما زاد ذلك من استمر في الحياة منهم إلا شجاعة وصبراً وإيماناً، بل وإظهاراً لقدراتهم ومواهبهم في العديد من المجالات، مثل الرسم والشعر والغناء والتمثيل والاختراع والتعلم والتعليم والتطوع والمشاركة والتضامن.
وتعكس هذه الأمثلة مدى قدرة أطفال فلسطين على الإبداع والتفوق والتميز، رغم كل الظروف الصعبة والمعوقات الكبيرة، وتشكل رسالة قوية للعالم، مفادها أن فلسطين لن تموت ولن تستسلم، وأن شعبها لن ينكسر ولن ينهزم، وأن أطفالها هم رمز الصمود والأمل والمستقبل.
لقد تحول أطفال فلسطين إلى أسطورة لا مثيل لها في تاريخ الأمم، وبعث فيهم «طوفان الأقصى» روحاً فريدة تؤشر إلى جيل جديد، أكثر تمسكاً بالحق في الحياة والكرامة والحرية، ويتفانى في الدفاع عن أرضه وشعبه وقضيته.