يتساءل البعض عن أنه إذا صام في بلد ثم سافر أثناء الشهر إلى بلد آخر كان قد تأخر يوماً في دخول الشهر، ففي آخر الشهر إذا صاموا ثلاثين يوما، فهل يصوم معهم ويكون بذلك قد صام واحداً وثلاثين يوما؟ وما الذي يفعله إذا كان الأمر بالعكس، هل يصوم ثمانية وعشرين يوما؟
في هذه الحالة إذا سافر المسلم من البلد الذي صام فيه أول الشهر، إلى بلد تأخر عندهم الفطر؛ فإنه لا يفطر حتى يفطروا، وهذا ما أجاب به الشيخ ابن باز رحمه الله عندما سأله رجل فقال: أنا من شرق آسيا، عندنا الشهر الهجري يتأخر عن المملكة العربية السعودية بيوم، وسأسافر إلى بلدي في رمضان، وقد بدأت الصوم في المملكة، وفي نهاية الشهر نكون قد صمنا واحداً وثلاثين يوما، فما حكم صيامنا؟ وكم يوماً نصوم؟
فأجاب رحمه الله: “إذا صمتم في السعودية أو غيرها، ثم صمتم بقية الشهر في بلادکم؛ فأفطروا بإفطارهم، ولو زاد ذلك على ثلاثين يوما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون” أخرجه الترمذي (697) واللفظ له، وابن ماجه (1660)، لكن، إن لم تكملوا الشهر تسعة وعشرين يوماً؛ فعليكم إكمال ذلك؛ لأن الشهر لا ينقص عن تسع وعشرين [1].
وسئل ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم من صام في بلد مسلم، ثم انتقل إلى بلد آخر تأخر أهله عن البلد الأول، ولزم من متابعتهم صيام أكثر من ثلاثين يوماً، أو العكس؟
فأجاب بقوله: إذا انتقل الإنسان من بلد إسلامي إلى بلد إسلامي، وتأخر إفطار البلد الذي انتقل إليه؛ فإنه يبقى معهم حتى يفطروا؛ لأن الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس، وهذا وإن زاد عليه يوم، أو أكثر، فهو كما لو سافر إلى بلد تأخر فيه غروب الشمس، فإنه يبقى صائم حتى تغرب، وإن زاد على اليوم المعتاد ساعتين، أو ثلاثا، أو أكثر، ولأنه إذا انتقل إلى البلد الثاني فإن الهلال لم ير فيه، وقد أمر النبي الله صلى الله عليه وسلم أن لا نصوم ولا نفطر إلا لرؤيته، فقال : “صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته” متفق عليه، واللفظ للبخاري، وأما العكس: وهو أن ينتقل من بلد تأخر فيه ثبوت الشهر إلى بلد تقدم ثبوت الشهر فيه؛ فإنه يفطر معهم، ويقضي ما فاته من رمضان، إن فاته يوم قضى يوما، وإن فاته يومان قضى يومين، فإذا أفطر لثمانية وعشرين يوما قضى يومين، إن كان الشهر تاما في البلدين، ويوماً واحداً إن كان ناقصاً فيهما، أو في أحدهما [2].
وسئل رحمه الله: قد يقول قائل: لماذا قلتم: يؤمر بصيام أكثر من ثلاثين يوما في الأولى، ويقضي في الثانية؟
فأجاب بقوله: يقضي في الثانية؛ لأن الشهر لا يمكن أن ينقص عن تسعة وعشرين يوماً، ويزيد على الثلاثين يوماً، لأنه لم ير الهلال، وفي الأولى قلنا له: أفطر، وإن لم تتم تسعة وعشرين يوماً؛ لأن الهلال رؤي، فإذا رؤي فلا بد من الفطر، لا يمكن أن تصوم يوماً من شوال، ولما كنت ناقصاً عن تسعة وعشرين لزمك أن تتم تسعة وعشرين بخلاف الثاني، فإنك لا تزال في رمضان إذا قدمت إلى بلد ولم ير الهلال فيه فأنت في رمضان، فكيف تفطر ؟ فيلزمك البقاء، وإذا زاد عليك الشهر، فهو كزيادة الساعات في اليوم» [3].
السفر بعد صلاة العيد إلى بلد مازال صائماً
أما من سافر بعد صلاة العيد، إلى بلد مازال أهله صائمين،فهذا ليس له أن يصوم معهم لأنه قد أفطر بطريقة شرعية، وهذا ما أجاب به الشيخ بن عثيمين رحمه الله عندما سأله رجل: عما إذا صام تسعة وعشرين يوما، وشهد العيد في اليوم الثلاثين في البلد الذي كان صائما فيه، ثم ذهب في صباح يوم العيد إلى بلد آخر، وهو مفطر، ووجدهم صائمين، فهل يصوم أو يبقى على فطره وعیده؟
فأجاب رحمه الله بقوله: لا يلزمك أن تُمسك؛ لأنك أفطرت بطريق شرعي، فصار اليوم في حقك يوماً مباحاً، فلا يلزمك إمساكه، كما لو غابت عليك الشمس في بلد، ثم سافرت إلى بلد فأدركت الشمس قبل أن تغيب؛ فإنه لا يلزمك صيامه، وينبغي لك ألا تظهر إفطارك أمام الناس؛ حتى لا يساء بك الظن، دفعة للغيبة عن نفسك [4].
[1] – مجموع فتاوى ابن باز (15/155)
[2] – مجموع فتاوى ابن عثيمين (19/65)
[3] – مجموع فتاوى ابن عثيمين (19/66)
[4] – مجموع فتاوى ابن عثيمين (۱۹/ ۷۲).