ينبني الاقتصاد الإسلامي على 3 مبادئ ثابتة ليتميز عن غيره من النظريات والقوانين الاقتصادية الأخرى لا يخرج عليها، وهي:
أولاً: الملكية المزدوجة الخاصة والعامة:
الملكية لله عز وجل، وملكية البشر استخلافية؛ الأصل في الملكية التامة أنها لله، فهو سبحانه وتعالى الخالق، لا شريك له في ملكه، الرازق الواهب المانح المانع، مالك الملك والملكوت؛ (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) (البقرة: 29)، (وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (المائدة: 18)، (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى) (طه: 6)، (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ) (الأعراف: 10)، (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ) (الحجر: 21)، (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ) (سبأ: 24).
وقد نجد في آيات أخرى نسبة المال للناس، كقوله تعالى: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ {19} وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ) (الذاريات)، (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) (التوبة: 103)، (وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ) (البقرة: 279)، والملكية هنا إنما ملكية المنفعة والتصرف.
ويمكن إدراك هذا بضم الآيات بعضها بعضاً، وتدبر قوله تعالى: (وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً) (النساء: 5)، فالمال مال السفهاء لا الأوصياء، غير أنه هنا إنما جعلت تبعاً لمبدأ الاستخلاف؛ (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) (الحديد: 7)، فالمالك عز وجل استخلف البشر في ماله، وجعل لهم حق المنفعة والتصرف، وهذا الحق جعل في بعض الأموال للأفراد، وهو ما يعرف بالملكية الخاصة، وفي بعضها الآخر جعل الجماعة أو الدولة، وهو ما يعرف بالملكية العامة، والملكية الخاصة في الإسلام محمية مصونة، لا يجوز اغتصابها أو الاعتداء عليها، ووضعت العقوبات الزاجرة لحمايتها.
أما الملكية العامة، ففي «نيل الأوطار»(1)، يروي أبو داود أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «المسلمون شركاء في ثلاثة: في الماء والكلأ والنار»، وعند الشيخين: «لا تمنعوا فضل الماء ليباع به الكلأ»، وهذه الأشياء ضرورية للغاية لا يستغني عنها أحد، ولهذا كانت الملكية عامة إلا ما كان منها في الملك الخاص؛ كالماء المحرز، والكلأ في الأرض التي لها مالك، والنار في الحطب المملوك غير المباح، ويمكن أن يقاس على الثلاثة أشياء أخرى، فالضروريات قد تختلف من عصر إلى عصر، وفي بيئة عن بيئة، ولكن القياس يجب أن يكون مستوفى الأركان، متفقاً مع مبادئ الإسلام وقواعده.
وإلى جانب هذه الملكية العامة، وجد نوع آخر من الملكية العامة أيضاً هو ما كان ملكاً للدولة؛ كأراضي بيت المال التي كانت ترعى فيها إبل الصدقة، والأراضي التي جعلت لإبل عامة الناس دون أغنيائهم.
وإذا نظرنا إلى المذاهب الاقتصادية الأخرى، وجدنا الرأسمالية الفردية، والماركسية الجماعية، وإذا وجدنا ملكية جماعية في المذهب الرأسمالي، وملكية فردية في المذهب الآخر فإن هذا يكون استثناء لا أصلاً، ويكون خروجاً على المبدأ: لاصطدام بالواقع، أو لعلاج خلل واضح فاضح.
ثانياً: التكافل وضمان الكفاية:
يوجد بالإسلام ما يسمى بنظام الكفاية، وهو نظام يتفرد به الاقتصاد الإسلامي عن غيره، روى الإمام أحمد في مسنده من عدة طرق أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من ولي لنا عملاً وليس له منزل فليتخذ منزلاً، أو ليست له زوجة فليتزوج، أو ليس له خادم فليتخذ خادماً، أو ليست له دابة فليتخذ دابة»، وروى أبو داود في سننه(2)، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادماً، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً»(3).
وقد نجد من الأعمال ما لا يحقق عائداً لصاحب العمل يمكنه من إعطاء العامل أجراً يفي بتمام كفايته هو ومن يعول، وهنا يأتي دور الدولة، فعليها أن تضمن للعامل تمام الكفاية إذا كان أجره العادل لا يكفيه، والعاجزون عن العمل لهم أيضاً تمام كفايتهم، ويكون هذا من نفقات الأقارب الواجبة، وإلا فمن الزكاة أو بيت المال.
هذا هو النظام الإسلامي لأجور العمال وكفالتهم وحقوقهم، أما في الرأسمالية فهي لا تعرف شيئاً عن هذا التكافل ولا تعترف به، بل على النقيض تماماً كان رأي التجاريين، ومعلوم أن آدم سميث دعا إلى حيادية الدولة في المجال الاقتصادي.
وإذا وجدنا غير هذا في الدول الرأسمالية المعاصرة نتيجة إضراب العمال أو نشاط النقابات، فليس هذا التحول من مبادئ الرأسمالية، وإنما نشأ نتيجة ضغوط ظروف معينة، وبذلك يمكن القول: إن الرأسمالية انهارت قبل انهيار الماركسية، فما نراه في هذه الدول يعتبر سقوطاً لأهم مبادئ الرأسمالية ودليلاً على فشلها.
وفي الماركسية بمرحلتيها وجدنا تناقضها وأوهامها؛ فالاشتراكية في ظل الحكومة الدكتاتورية تناقضت حيث جعلت من مبادئها من كل حسب طاقته، ولكل حسب عمله مع إلغاء الملكية الخاصة، يقول ستالين: «جرت العادة في وقتنا هذا على إهمال شأن الضعفاء وعدم الاهتمام بهم، فالاهتمام كله مقصور على الأقوياء وحدهم»، وقال أيضاً: ويجب أن يكون مفهوماً أن نظام المزارع الجماعية لا يعني مجرد احتكار الدولة لكل مصادر الإنتاج الزراعي فحسب، بل يعني أيضاً جعل العمل شرطاً أساسياً للحصول على لقمة العيش، فنحن لا نقيم المزارع لنطعم المتطفلين، فحد الكفاف لا تمام الكفاية مرتبط بالعمل، للرجال والنساء على السواء، وبدون ملكية خاصة، ونتيجة الاصطدام بالواقع بدأت الملكية الخاصة في حدود ضيقة تتسرب داخل الدولة الشيوعية، ثم كان انهيار هذا النظام الذي لم يكد يبلغ ثلاثة أرباع القرن.
أما في الإسلام فيمكن القول: من كل حسب طاقته، ولكل حسب عمله أو حاجته أيهما أكبر، ويتحقق هذا المبدأ الإسلامي في دولة ودين، ورقابة مزدوجة، وإحساس أن العمل يرقى لمرتبة العبادة.
ثالثاً: الحرية المقيدة:
الحرية مبدأ من المبادئ المهمة في الاقتصاد الإسلامي، فالمسلم حر في اختيار العمل الذي يناسبه، وطرق الكسب التي يستريح لها، والتملك الذي يفضله، والإنفاق الذي يشبع رغباته، وهذه الحرية التي تتعارض تماماً مع النظام الماركسي، ليست مطلقة كالنظام الرأسمالي الحر، وإنما هي مقيدة في حدود مبدأ الاستخلاف الذي ذكرناه آنفاً، وتضبطها أحكام التشريع الإسلامي من الحلال والحرام.
فالمسلم الوكيل يتصرف في الحدود التي يسمح بها الموكل، فليس من حق المسلم أن ينتفع بالمال أو يتصرف فيه إلا بما شرعه مالك المال حقيقة، وهو الله عز وجل، الذي استخلفه في هذا المال.
وإذا لم يراقب الله سبحانه وتعالى فمنع حقاً أو ارتكب حراماً، جاء دور الشق الثاني من الرقابة المزدوجة، الرقابة التي تقوم بها الدولة المسلمة.
تلك هي مبادئ الاقتصاد الإسلامي التي بني عليها أي عمل يتكسب منه الفرد المسلم حتى لا يظلم المجتمع، أو تظلمه الدولة حفاظاً على كرامة وحقوق الفرد والمجتمع في آن واحد.
___________________
(1) باب الناس شركاء في ثلاث (5/ 342)، وفي سنن ابن ماجه «كتاب الرهون: باب المسلمون شركاء في ثلاث».
(2) باب أرزاق العمال.
(3) الحديث سكت عنه أبو داود، والمنذري؛ أي أنهما لا يريان فيه ضعفاً، وراجعه الملف فوجده متصلاً دون انقطاع ورجاله ثقات غير مجروحين، فالحديث صحيح، وفي عون المعبود (8/ 161) جاء في شرح الحديث: يحل له أن يأخذ مما في تصرفه من مال بيت المال قدر مهر زوجته ونفقتها وكسوتها، وكذلك ما لا بد منه من غير إسراف وتنعم.