أورد ابن العماد الحنبلي في كتابه «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» أن شمس الدّين بن عطاء الله الرّازي، المعروف بالهروي، شاع عنه أنه يحفظ اثني عشر ألف حديث، وأنه يحفظ «صحيح مسلم» بأسانيده، ويحفظ متون البخاري، فجرت مناظرة بينه وبين ابن حجر العسقلاني بحضرة الملك المؤيد، فتوجه ابن حجر بالسؤال إلى الهروي أن يزيد على السبعة الذين يظلهم الله في ظله؛ فعجز، فزاد ابن حجر سبعة أخرى بأحاديث حِسان(1).
أما السبعة الأولى فهم الذين ورد بهم الحديث الشريف، الذي رواه البخاري، ومسلم، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: الإمَامُ العَادِلُ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ، فَقَالَ: إنِّي أخَافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ»، ففي الحديث تأكيد على أن السبعة الذين يظلهم الله في ظله، هم:
الأول: الإمام العادل.
الثاني: شاب نشأ في عبادة الله.
الثالث: رجل قلبه معلق في المساجد.
الرابع: رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه.
الخامس: رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله.
السادس: رجل تصدق فأخفى حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه.
السابع: رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه.
وقد نظم السبعة العلامة أبو شامة عبدالرحمن بن إسماعيل قال: وقال النبي المصطفى: إن سبعة يظلهم الله الكريم بظله: محب عفيف ناشئ متصدق وباك مصل والإمام بعدله(2).
وهنا قد يدور بالذهن سؤال: لماذا جمع الرسول صلى الله عليه وسلم هؤلاء السبعة في حديث واحد رغم اختلاف أعمالهم؟
والجواب: أن هؤلاء السبعة اختلفت أعمالهم فِي الصورة، وجمعها معنى واحد، وَهُوَ مجاهدتهم لأنفسهم، ومخالفتهم لأهوائها(3).
من هم السبعة الآخرون الذين جاءت الأحاديث النبوية بذكر ظلهم في عرش الرحمن يوم القيامة؟
جاءت أحاديث أخرى تثبت أن سبعة آخرين يستظلون بظل العرش يوم القيامة، وهم:
الثامن: من أنظر معسراً؛ يعني كان له مال عند آخر، ووجد أن الذي عليه المال قد أعسر ولا يستطيع السداد، فأمهله في الوقت.
التاسع: من وضع الدَّيْن عن المعسر؛ أي أسقطه عنه.
وفيهما جاء حديث الإمام مسلم في صحيحه، عن كعب بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عنْه، أَظَلَّهُ اللَّهُ في ظِلِّهِ»، وأخرج الدارمي بسند صحيح عن أبي قتادة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من نفّس عن غريمه، أو محا عنه، كان في ظل العرش يوم القيامة».
العاشر: من أعان مجاهداً في سبيل الله.
الحادي عشر: من أعان غارماً في عسرته؛ يعني ساعده في سداد دينه.
الثاني عشر: من أعان مكاتباً في رقبته؛ يعني ساعد عبداً اتفق مع سيده على أن يدفع مبلغاً من المال ليصبح حراً.
وفي هذه الثلاثة جاء حديث أخرجه الإمام أحمد والحاكم بسند حسن، عن سهل بن حنيف، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أعان مجاهداً في سبيل الله، أو غارماً في عسرته، أو مكاتباً في رقبته، أظله الله تعالى في ظله، يوم لا ظل إلا ظله»، وأخرج ابن حبان، وابن ماجه، بسند حسن، عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أظل رأس غاز، أظله الله يوم القيامة».
الثالث عشر: التاجر الصدوق؛ فقد روى الديلمي، والبغوي في شرح السنة عن سَلْمَانَ، أَنَّهُ قَالَ: «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ مَعَ السَّبْعَةِ، فِي ظِلِّ عَرْشِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(4).
الرابع عشر: حسن الخلق؛ فقد روى الطبراني عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أوحى الله إلى إبراهيم أن كلمتي سبقت لمن حسن خلقه أن أظله تحت ظل عرشي»(5).
وقد أكد ابن حجر هذه الخصال السبعة، فقال: تتبعت الأحاديث الواردة في شأن الذين يظلهم الله فزادت على عشر خصال وقد انتقيت منها سبعاً وردت بأسانيد جياد ونظمتها في بيتين تذييلاً على بيتي أبي شامة، وهما:
وزد سبعة إظلال غاز وعونه وإنظار ذي عسر وتخفيف حمله
وإرفاد ذي غرم وعون مكاتب وتاجر صدق في المقال وفعله(6)
________________________
(1) شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ابن العماد الحنبلي (9/ 194).
(2) فتح الباري، ابن حجر العسقلاني (2/ 143).
(3) فتح الباري، ابن رجب الحنبلي (6/ 46).
(4) شرح السنة للبغوي (2/ 355).
(5) المعجم الأوسط، الطبراني، (6506)، والجامع الصغير: السيوطي (4921).
(6) فتح الباري، ابن حجر (2/ 144).