يعتبر وصول الفرقاطة أرطغرل التي أرسلها الخليفة العثماني عبدالحميد الثاني عام 1890م إلى اليابان ثم غرقها في سبتمبر من نفس العام قرب شواطئ محافظة واكاياما اليابانية، أول احتكاك حقيقي وتواصل بين العالم الإسلامي واليابان، فأخذ الباحثون اليابانيون يهتمون بالإسلام والعالم الإسلامي.
وبعد الحرب العالمية الثانية، بدأ الاهتمام بالثقافات الإسلامية في اليابان في التزايد، وبدأ عصر الترجمة والنقل للعلوم الإسلامية وعلى رأسها ترجمة معاني القرآن الكريم.
وأكثر هذه الترجمات لم تعتمد على النص العربي الأساسي، ولكن اعتمدت الترجمات الأخرى خاصة الإنجليزية؛ وذلك لأن قلة من المثقفين والباحثين اليابانيين كان لديه إلمام باللغة العربية.
أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم من اللغة العربية إلى اللغة اليابانية كان إيزوتسو توشيهيكو، كان ذلك في عام 1957م، وهي الترجمة الخامسة تاريخياً، وقد اعتمد إيزوتسو على الطبعة التي قام بها جوستاف فلوجل في عام 1834م.
وفي عام 1964م، نشر نسخة منقحة أعاد فيها ترجمة النص بالكامل كتب في مقدمتها: «إن ترجمة القرآن أمر صعب، أو بالأحرى، هو ببساطة مستحيل، ويزداد هذا الشعور عمقًا، لا سيما وأن الجلالة الفريدة للنص الأصلي تقريبًا تختفي ضمن حدود اللغة العامية اليابانية الحديثة»؛ وفي النسخة المنقحة، استخدم الوزن الشعري سبعة خمسة.
ولكن أول ترجمة للقرآن الكريم وفقاً للتسلسل التاريخي طبعت في عام 1920م، هذه الترجمة قام بها كينئيتشي ساكاموتو، وهي ترجمة كاملة لجميع سور القرآن ضمن سلسلة «الأعمال الكاملة للكتب المقدسة العالمية»، اعتمد بشكل أساسي على 3 ترجمات لمعاني القرآن الكريم إلى الإنجليزية.
الترجمة الثانية لمعاني القرآن الكريم قام بها غورو تاكاهاشي، وبون هاتشيرو أحمد أريغا، عام 1938م، تاكاهاشي كان عالماً في الآداب ومشهوراً بترجمة الإنجيل إلى اليابانية، وأحمد أريغا هو من أوائل المسلمين في اليابان.
الترجمة الثالثة كانت من قبل كووجي أوكوبو، وجن كوباياشي، حيث عملا على الترجمة بين عامي 1938 و1941م، ولكن الترجمة لم تكتمل، اعتمدا فيها على النص العربي للقرآن المنشور في تركيا، وكذلك على الترجمة التركية والإنجليزية وعلى النص القرآني المكتوب بالأحرف اللاتينية.
ومن النقاط المهمة في هذه الترجمة هي أن لفظ الجلالة «الله» ظهر لأول مرة بلفظه كما هو في العربية، بينما في الترجمات السابقة كان يترجم لفظ الجلالة إلى كلمات مثل «الإله» أو «الإله العظيم».
الترجمة الرابعة كانت من قبل شووميه أوكاوا، الذي اعتمد في ترجمته على العديد من الترجمات كالصينية والإنجليزية والفرنسية والألمانية.
وكان شووميه زعيماً قومياً، وهو المدني الوحيد الذي سمي كمجرم حرب من الدرجة الأولى، ولكنه لم يحكم عليه لاعتباره مجنوناً؛ وأكمل ترجمة القرآن داخل المشفى، يقول شووميه عن سبب متابعته ترجمة القرآن الكريم: «في أحلام اليقظة خلال جنوني، كثيراً ما التقيت بمحمد صلى الله عليه وسلم، وهذا ما دفعني لإحياء فكرة ترجمة القرآن وإكمالها»!
الترجمة السادسة قام بها كل من كاتسوجي فوجيموتو، وياسويا بان، وأوسامو إيكيدا في عام 1970م، وفوجيموتو كان عالماً في التاريخ الإسلامي، وبان كان عالماً في اللغة العربية، وإيكيدا كان عالماً في الأدب العربي، واعتمد المترجمون على النسخة المصرية للقرآن الكريم المطبوعة عام 1923م، وقاموا بتضمين رسوم توضيحية ومنمنمات مبنية على آيات من القرآن.
الترجمة السابعة تاريخياً هي ترجمة ريوئيتشي ميتا عمر، المطبوعة عام 1972م، وعمر هو أول رئيس لجمعية مسلمي اليابان عام 1960م، وتعتبر أول ترجمة قام بها ياباني مسلم، على اعتبار أن البعض يعتبر أن إيزوتسو لم يكن مسلماً.
اعتمد عمر في ترجمة النص القرآني الأساسي على الترجمة الإنجليزية للشيخ عبدالماجد دريبادي، واعتمد من أجل الحواشي والتفسيرات على ترجمة عبدالله يوسف علي.
وفي عام 1982م، نشر شوبو تانيزاوا ترجمة غير كاملة للقرآن الكريم، وتانيزاوا هذا هو مؤسس «الجمعية الإسلامية في اليابان»، وهي جماعة دينية لها أفكار خاصة تأسست عام 1975م، واختفت عام 1990م، والذي قام بالترجمة هو هارو أبيه، واقتصرت الترجمة المنشورة على سورة «الفاتحة» ثم جزء «عم» من سورة «النبأ» إلى آخر القرآن.
الترجمة التاسعة كانت في عام 1988م من عمل أتسوشي محمد أويس كوباياشي، ونشرتها دار النشر التابعة للطائفة الأحمدية (القاديانية) في اليابان.
ثم جاءت الترجمة العاشرة عام 2014م، أنجز الترجمة فريق من مسلمين يابانيين هم البروفسور كو حسن ناكاتا، وكاوري ناكاتا، وكاشوكي شيمومورا، ويوهي ماتسوياما، وهذه الترجمة كاملة، وفي آخرها شرح باللغة اليابانية عن القراءات العشر.
وفي عام 2017م نشر تاتسوئيتشي إبراهيم ساوادا ترجمة لمعاني القرآن الكريم، وهو أول ياباني درس في قم في إيران وأصبح عالماً شيعياً، واعتمد في ترجمته على تفسير ناصر مكارم الشيرازي، وعلى تفسير محمد حسين الطباطبائي.
تلى ذلك في عام 2018م ترجمة جديدة معاصرة طبعها مجمع الملك فهد، وهذه الترجمة أنجزها الشيخ يوئتشي سعيد ساتو، وهو من أوائل حفاظ القرآن في اليابان، وأحد أئمة جمعية مسلمي اليابان، اعتمد المترجم على طبعة مجمع الملك فهد للمصحف الشريف كمرجع للنص القرآني برواية حفص عن عاصم.
ثم في عام 2019م، صدرت ترجمة أخرى لمعاني القرآن الكريم، أنجزها ماكوتو أمين ميزوتاني، وهو دبلوماسي سابق، وله الكثير من المؤلفات عن الإسلام، وكيوإيتشيرو سلمان سوغيموتو، وهو من الدعاة الشباب درس في كلية التربية في الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا، وهو يرأس الآن مركز تشيبا الإسلامي الثقافي.
اعتمد المترجمان على طبعة مجمع الملك فهد للمصحف الشريف كمرجع للنص القرآني، ونسخة أوكسفورد الإنجليزية لترجمة معاني القرآن الكريم.
الترجمة الأحدث لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة اليابانية هي التي طبعتها وأشرفت عليها رئاسة الشؤون الدينية في الجمهورية التركية عام 2021م، الترجمة الأولية قامت بها السيدة كيوكو نيشيدا معتمدة على الترجمة الإنجليزية لنور الدين أوزون أوغلو، بعد ذلك شكلت لجنة لمراجعة وتدقيق الترجمة ومقابلتها مع النص القرآني، تألفت اللجنة من هيروفومي عادل أوكي، وأحمد المنصور وهو أستاذ جامعي، وناؤوكي أحمد مائينو وهو مسلم ياباني أحد أئمة جمعية مسلمي اليابان درس العلوم الشرعية في دمشق، وهاني عبدالهادي وهو أستاذ جامعي، وميغومي مها كنجو وهي مسلمة يابانية أستاذة جامعية، وشيغيرو عبدالكريم شيموياما وهو مسلم ياباني ذو باع طويل في الدعوة والعمل الإسلامي.
وحرصت اللجنة على اتباع عقيدة أهل السُّنة والجماعة فيما يتعلق بالآيات المتشابهات المتعلقة بالذات الإلهية وعصمة الأنبياء.