في إطار جرائم الحرب التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني بحق قطاع غزة، طالت كل مقومات التعليم من اغتيال وقتل لعلماء وأكاديميين ورؤساء جامعات ومحاضرين ومدرسين، وتدمير للجامعات والكليات والمدارس، وبالتالي حرمان أكثر من مليون طالب وطالبة من الدراسة، بل إن التعليم، وفق خبراء التربية في غزة، سيحتاج لسنوات طويلة للتعافي، في ظل ما أحدثه الاحتلال الصهيوني من تدمير هائل في كل المنظومة التعليمية.
«المجتمع» تسلط الضوء على واقع التعليم في ظل حرب الإبادة في قطاع غزة، ومستقبل الجامعات والمدارس.
دمرت قوات الاحتلال الصهيوني كافة الجامعات الكبرى في قطاع غزة، وهي، الجامعة الإسلامية، وجامعة الأزهر، وجامعة الأقصى، وجامعة الإسراء، وجامعة فلسطين، وجامعة القدس المفتوحة، وسوَّت مبانيها بالأرض، وهذا يعني كما أكدت تلك الجامعات في بيانات منفصلة لها تدمير المسيرة التعليمية لنحو ربع مليون طالب جامعي بعد أن حول الصهاينة جامعاتهم ومختبراتهم العلمية لكومة من الركام.
ولم يكتف الاحتلال بذلك، فقد أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أن الصهاينة اغتالوا نحو 100 من العلماء والأكاديميين وأساتذة الجامعات والباحثين، في جريمة هدفها قتل العقول المفكرة والعلماء.
الاحتلال دمر 6 جامعات وقتل 100 عالم وأكاديمي بغزة خلال الحرب
ويؤكد البروفيسور شادي قاسم، أستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، أن المنظومة الجامعية في قطاع غزة دمرها الاحتلال الصهيوني بالكامل، فلا توجد جامعة إلا ترجم الصهاينة حقدهم فيها بتفجير أبنيتها ومرافقها، وما شيد طيلة 50 عاماً الماضية حوّله المحتل الغاشم لكومة من الركام.
وأوضح قاسم لـ«المجتمع» أن الصهاينة يعتبرون الجامعات والمدارس العدو الأول، فهي تخرّج العقول والأجيال المتعاقبة، لافتاً إلى أن أكثر من 6500 طالب استشهدوا منذ بدء العدوان على قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي.
تجهيل الأجيال القادمة
وحذر قاسم من خطورة ما فعله الاحتلال بحق الجامعات على الأجيال الفلسطينية القادمة التي لن تجد لها أي مكان للدراسة، مشيراً إلى أنه من الممكن أن يكون تدمير الجامعات إحدى أدوات تشجيع الشباب على الهجرة لخارج غزة تحت بند التعليم، بعد أن كانت جامعات غزة تدرس كافة التخصصات مثل الطب والهندسة والزراعة والإعلام، بل باتت مثل الجامعة الإسلامية تمنح شهادات الدكتوراة في العديد من العلوم.
ولا تغيب عن أذهان الفلسطينيين والعالم مشاهد سخرية الصهاينة وهم يفجرون المدارس ويضحكون في استخفاف سافر بكل القوانين والأعراف الدولية، وقد تسبب العدوان الغاشم، وفق معطيات وزارة التربية والتعليم الفلسطينية بحرمان نحو مليون طالب فلسطيني من الدراسة، وتحولت مدارسهم إلى مراكز إيواء لنحو مليوني نازح، بل إن مقاعد الدراسة تحولت لوقود لطهي الطعام في ظل نفاد غاز الطهي نتيجة الحصار الصهيوني الظالم المتواصل على قطاع غزة منذ بدء العدوان.
وتؤكد وزارة التعليم الفلسطينية أنه لأول مرة منذ النكبة الفلسطينية لم يتمكن طلبة غزة من الالتحاق بمدارسهم، وذلك بسبب العدوان وتدمير الاحتلال نحو 400 مدرسة ما بين ابتدائي وإعدادي وثانوي بشكل كلي وجزئي، في أكبر مجزرة ترتكب بحق البشرية منذ فجر التاريخ.
وتشير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، في بيان لها، إلى أن الاحتلال قتل نحو 500 فلسطيني داخل مدارسها أثناء عملية النزوح، ونفذ نحو 300 اعتداء على تلك المدارس، التي بات معظمها غير صالح للدراسة بسبب حجم التدمير الكبير فيها.
أكثر من 6 آلاف طالب فلسطيني استشهدوا منذ بدء العدوان على القطاع
ويقول المدرس إسماعيل عودة، لـ«المجتمع»: إن التعليم في قطاع غزة يحتاج لسنوات للتعافي، فقد ضاع عام دراسي كامل على الطلاب، مضيفاً أنه لم يعد بإمكان طلبة الثانوية بعد 8 أشهر من الحرب التقدم للامتحانات الشهر المقبل أسوة بالضفة الغربية.
وأكد المدرس عودة أن الاحتلال الصهيوني تعمد تدمير التعليم في غزة لهدفين؛ الأول: تدمير الأجيال الفلسطينية بالكامل وتجهيلهم، والثاني دفع أهالي هؤلاء الطلبة للهجرة للبحث عن ظروف مناسبة لأبنائهم لاستكمال مسيرتهم التعليمية.
من جانبه، يوضح رئيس مؤسسة الإبداع التعليمية في غزة محمد الكفارنة، أن المسيرة التعليمية بغزة دخلت منعطفاً خطيراً، ستحتاج لسنوات للتعافي، خاصة في ظل الفاقد التعليمي الكبير في المناهج الدراسية، مؤكداً أن 90% من المدارس على سبيل المثال في شمال قطاع غزة دمرت بالكامل، وهذا يعني أن أكثر من نصف مليون طالب لن يجلسوا على مقاعد الدراسة خلال عقد من الزمن.
وأشار، في الوقت ذاته، إلى أن الجانب النفسي له دور كبير في العملية التعليمية، فهناك وفق إحصاءات لوزارة الصحة الفلسطينية أكثر من 20 ألف طفل بدون أحد الأبوين، ونحو 16 ألف طفل فقدتهم المدارس خلال العدوان، يضاف لذلك أن 80% من الطلبة أصبحوا بلا مأوى.
وأضاف الكفارنة أن كل هذه العوامل سيكون لها نتائج كارثية على تحصيل الطلبة الدراسي؛ مما سيشكل انتكاسة في المسيرة التعليمية، مبيناً أن عملية التعويض للطلبة حال توقف العدوان الصهيوني ستحتاج الكثير من الوقت.
في سياق متصل، أكد الباحث في مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة حسين حماد أن الاحتلال الغاشم تعمد تدمير كل مرافق الحياة في غزة، وفي المقدمة منها الجامعات والمدارس، وذلك بهدف تنفيذ سياسة خطيرة؛ وهي أن تصبح غزة غير قابلة للحياة، ودفع الأهالي للهجرة الطوعية خارج قطاع غزة.
95 % من مدارس وجامعات غزة باتت مهدمة وغير صالحة للتدريس
وكشف حماد، لـ«المجتمع»، أن 95% من مدارس وجامعات غزة، التي كانت تدرس أكثر من مليون طالب وطالبة باتت مهدمة وغير صالحة للتدريس؛ ما يعني سنوات من الحرمان من الدراسة، وحتى إن وجدت ستكون في خيام.
إجراءات لتعويض الطلبة
وتؤكد وزارة التربية والتعليم الفلسطينية أن واقع التعليم في غزة كارثي، وأنها تدرس كيفية تعويض الطلبة عن عام دراسي كامل، لافتة، في بيان لها، أنها تمكنت من حث الجامعات الفلسطينية في الضفة الغربية على استيعاب طلبة جامعات غزة عبر التعليم الإلكتروني، ودراسة المقررات الدراسية عن بُعد، مبينة أن أكثر من 20 جامعة حول العالم أفرزت مئات المحاضرين، هم يساعدون الآن طلبة غزة على دراسة مساقات علمية جديدة، لمنع انهيار المنظومة التعليمية.
وقالت: إن أكثر الخطط صعوبة هي تلك المتعلقة بطلبة الثانوية العامة، وأن وضع الخطط منوط بنهاية العدوان «الإسرائيلي» على غزة.
ويبقى مصير التعليم في غزة معلقاً إلى أجل غير مسمى ليطيح الاحتلال الغاشم بهذه الجريمة بأحلام الطلبة وطموحاتهم.