في السنوات الأخيرة، أصبحت بعض المصطلحات المرتبطة بالجهاد محور جدل ونقاشات حادة في الهند، حيث تتجاوز المعاني التقليدية للجهاد في الإسلام، وتُستخدم مصطلحات «جهاد الحب»، و«جهاد الأرض»، و«جهاد التعليم» (UPSC)، و«جهاد بوليوود»، و«جهاد البصاق»، و«جهاد التصويت» و«جهاد السكان» كأدوات للتحريض ضد المسلمين.
ونظراً للتأثير السلبي في المجتمع الهندي، تتطلب هذه الظاهرة فهماً دقيقاً وتحليلاً عميقاً لهذه المفاهيم بعيدة عن التعصب، ليمكن معالجة هذه الظواهر السلبية بموضوعية،
مفهوم الجهاد في الإسلام
قبل تناول الأنواع المزعومة للجهاد في الهند، يجب توضيح ما يعنيه الجهاد في الإسلام؛ حيث يُعتبر الجهاد في الإسلام واجبًا دينيًا، يُفهم غالبًا على أنه جهد أو نضال في سبيل الله، ويشمل عدة أشكال، بما في ذلك الجهاد الأكبر، الذي يُشير إلى الجهاد النفسي الداخلي ضد الخطايا والرذائل، والجهاد الأصغر، الذي يُشير إلى القتال في سبيل الله للدفاع عن الدين والنفس أو الأمة.
ويُمكن تشبيه الجهاد بدور وزارة الدفاع في الأنظمة الجمهورية الحديثة، حيث تُمثل هذه الوزارة الهيكل المنظم الذي يتولى مسؤوليات الدفاع عن الدولة ضد التهديدات الداخلية والخارجية.
عندما تتعرض الأمة الإسلامية للاعتداء، يُصبح الجهاد واجبًا على جميع المسلمين القادرين، ويتطلب هذا النوع من الجهاد تنسيقًا وتعاونًا بين الأفراد والجهات المعنية، مثل الحكومات والجيوش، لضمان الحفاظ على الأمن والاستقرار.
أنواع الجهاد المزعومة في الهند
– جهاد الحب:
هو أحد أبرز المصطلحات التي استخدمت في الخطاب السياسي والإعلامي في الهند، يُروج هذا المفهوم الذي يدَّعي أن الرجال المسلمين يستهدفون النساء الهندوسيات بغرض تحويلهن إلى الإسلام، من قبل جماعات اليمين الهندوسي، ويُزعم أن هذه العمليات تتم من خلال الخداع، والزواج، والتلاعب العاطفي؛ مما يخلق صورة نمطية سلبية للمسلمين.
على الرغم من عدم وجود أدلة موثوقة تدعم هذه الادعاءات، فإن «جهاد الحب» أصبح رمزًا لحملة كبيرة من التحريض والكراهية، ويُعتبر هذا المصطلح بمثابة وسيلة لتقوية الفجوة بين المجتمعات، وزيادة شعور الخوف لدى الهندوس، وبالتالي تعزيز الأجندات السياسية الضيقة.
وقد تحولت هذه النظرية إلى سياسة حكومية مع تولي ناريندرا مودي السلطة، فأصدرت بعض الولايات الخاضعة لحكم الحزب تشريعات تقيد الزواج بين الأديان، مثل ولاية أتر برديش، حيث تم استخدام هذه القوانين للتضييق على المسلمين وقمع الزيجات بين الأديان، وساهمت قنوات مثل «Times Now» و«Republic TV» في ترويج هذه الفكرة، إلى جانب حملات التضليل على وسائل التواصل الاجتماعي.
– جهاد الأرض:
يُستخدم لاتهام المسلمين بالاستيلاء على الأراضي والممتلكات عبر الوقف (نظام الوقف الإسلامي الذي يخصص موارد للأعمال الخيرية)، وتُشير بعض الجماعات إلى أن المسلمين يستخدمون هذا النظام للاستحواذ على أراضٍ تُعزى إلى المعابد الهندوسية، ويُعتبر هذا الادعاء جزءًا من جهد سياسي أوسع لتشويه صورة المسلمين وتصويرهم كغزاة.
وتستند هذه المزاعم إلى الخلط بين نظام الوقف الإسلامي والتاريخ الطويل من التوترات الدينية والسياسية في الهند، ومع ذلك، فإن الوقف في الإسلام يهدف إلى دعم المجتمعات الفقيرة، وليس له أي علاقة بالاستيلاء على الأراضي.
وقد صرّح كبير الوزراء بولاية أسام هيمانتا بيسوا شارما بأن الحكومة تدرس أيضًا تشريعًا ضد ما يسمى بـ«جهاد الحب»، وقال: حكومة آسام ستسنّ قانونين لمنع «جهاد الأرض» و«جهاد الحب»، إذا أراد مسلم شراء ممتلكات هندوسي أو أراد هندوسي شراء ممتلكات مسلم، سيتعيّن عليهما الحصول على إذن من الحكومة، أما الذين يمارسون «جهاد الحب»، فسيتم معاقبتهم بالسجن مدى الحياة.
– جهاد التعليم (UPSC):
يُشير إلى الجهود التي يبذلها المسلمون للتفوق في الامتحانات التنافسية، مثل امتحان خدمات الجمهور (UPSC)، ويُعتبر هذا المصطلح مُتلازماً مع فكرة أن المسلمين يستخدمون اللغة الأردية لتحقيق مزايا غير عادلة في هذه الامتحانات؛ ما يؤدي إلى انضمامهم إلى الخدمات الحكومية بشكل أكبر.
هذا الادعاء يُعتبر غير دقيق، حيث إن عدد المسلمين في هذه الخدمات الحكومية ضئيل مقارنة بالإجمالي، كما أن التركيز على اللغة الأردية يُستخدم كأداة لإثارة المشاعر الطائفية بدلاً من معالجة القضايا الحقيقية المتعلقة بالتمثيل العادل في المجتمع الهندي.
تم نشر مصطلح «جهاد التعليم» لأول مرة على برنامج «بنداس بول»، في 19 نوفمبر 2020م، الذي يعرض على قناة «سودرشان»، وفي هذا الأمر صدر عن وزارة الإعلام والبث بيان تم تقديمه أمام المحكمة العليا ذكرت الوزارة أن برنامج «بنداس بول» على قناة «سودرشان TV» غير لائق، ومهين، ومن المحتمل أن يعزز المواقف الطائفية، ومع ذلك، لم يمنع القرار القناة بشكل صريح من مواصلة بث الحلقات القادمة.
– جهاد بوليوود:
هو مصطلح يُستخدم لوصف الانزعاج الذي يشعر به بعض القطاعات من المجتمع الهندي تجاه تصوير الثقافة الإسلامية في الأفلام الهندية، ويُزعم أن صناع الأفلام يُروجون للإسلام والثقافة الإسلامية من خلال أعمالهم؛ ما يُعتبر هجومًا على الهوية الهندوسية.
رغم أن بعض الأعمال السينمائية قد تعكس الثقافة الإسلامية بشكل إيجابي، فإن الانتقادات غالبًا ما تأتي من جماعات تطرفية تسعى إلى تعزيز الانقسام الاجتماعي، ويُستخدم هذا المصطلح كوسيلة لتعزيز الخوف من الهيمنة الثقافية الإسلامية، ويُعد جزءًا من حملة أكبر لتعزيز الانقسامات بين الأديان.
– جهاد البصاق:
يُعتبر من أكثر المفاهيم غرابة وعبثية، تروج بعض الجماعات لشائعات مفادها أن الباعة والطهاة المسلمين يبصقون على الطعام لتلويثه، وبالتالي تحويل زبائنهم إلى الإسلام، هذه الشائعات ليست مجرد معلومات مضللة، بل هي حملات مُنظمة تهدف إلى تشويه سمعة المسلمين وزيادة التوترات الاجتماعية.
– جهاد التصويت:
مؤخراً، ظهر هذا المصطلح الذي يشير إلى مزاعم بأن المسلمين يتعاونون مع الأحزاب السياسية المعارضة لأغراض انتخابية، يُعتبر هذا الاتهام وسيلة لإثارة المخاوف من أن المسلمين يحاولون التأثير على العملية الانتخابية؛ ما يعزز الاستقطاب الديني والسياسي.
حتى شنّ رئيس الوزراء ناريندرا مودي في خطاب ألقاه في منطقة خارغون بولاية ماديا براديش هجومًا على حزب المعارضة (الكونغرس)، قائلاً: إن نواياه خطيرة للغاية، وإنه يدعو إلى «جهاد التصويت» ضده.
وأضاف مودي، في 7 مايو الماضي: لقد وصل البلد إلى نقطة تحول تاريخية، وعلى الشعب أن يقرر ما إذا كان سيتم إدارته من خلال «جهاد التصويت» أم من خلال رام راجيا (حكم رام).
تأثير هذه المفاهيم على المجتمع
تُساهم هذه الأنواع المزعومة من الجهاد في توسيع الهوة بين المجتمعات المختلفة في الهند؛ ما يؤدي إلى تفشي الكراهية والعنف، ويُظهر التاريخ أن استخدام هذه المصطلحات غالبًا ما يرافقه أعمال عنف، مثل الاعتداءات على المسلمين، وظهور مليشيات تطرفية، وحوادث شغب.
وتعتمد هذه المفاهيم على معلومات مضللة، وتُظهر مدى ضعف الأساس العلمي الذي يستند إليه أولئك الذين يروجون لها، الغرض منها تأجيج نيران الحرب بين المسلمين والهندوس وتعزيز التفريق وزيادة الاستقطاب.
الحاجة إلى نشر التعليم الإسلامي
من المهم أن يدرك المجتمع الهندي، بغض النظر عن الدين أو الخلفية، أن هذه المفاهيم ليست من تعاليم الإسلام ولا تعكس القيم الحقيقية للدين، ومن الواجب أن تُعزز برامج التعليم والمبادرات المجتمعية التي تهدف إلى تعزيز التسامح وتفكيك الصور النمطية السلبية، في الوقت الذي يتم فيه تقديم هذه الأنواع من الجهاد على أنها حقيقة، يجب أن تكون هناك جهود متوازية لتوعية الناس بأن هذه الأدوات تستخدم لأغراض سياسية لا تتماشى مع روح الأديان.
إن أنواع الجهاد التي تُروج في الهند ليست سوى انعكاس للخطاب السياسي المتطرف الذي يسعى إلى تعزيز الانقسام بين المجتمعات، يتطلب الأمر جهداً جماعياً من جميع فئات المجتمع من أنحاء العالم لمواجهة هذه الادعاءات والعمل على تعزيز التعايش السلمي والتسامح بين فئة وأخرى في الهند.