في كلمته أمام الأمم المتحدة عرض نتنياهو خارطة لأجزاء من المنطقة العربية الإسلامية قال: إنها للشرق الأوسط الجديد، تظهر الكيان الصهيوني وقد هضم كل فلسطين من البحر إلى النهر، وهذا أول حلم للكيان الصهيوني، أن يبتلع كل فلسطين التاريخية، حلم قديم بدأ قبل تأسيس الكيان في عام 1948، ولكنه لم يتحقق حتى اللحظة.
مصطلح مضلل
يرى البعض أن مصطلح «الشرق الأوسط» تم صكه من أجل تغيير طبيعة المنطقة العربية الإسلامية، والحق أن تاريخ استخدام مصطلح «الشرق الأوسط» قديم يعود لأكثر من مائة عام مضت، فالإستراتيجي العسكري الإنجليزي ألفريد ثاير ماهان(1) هو أول من استخدم مصطلح «الشرق الأوسط» عام 1902م ليشير إلى المنطقة الواقعة بين شبه الجزيرة العربية والهند.
ولكن مصطلح «الشرق الأوسط» (Middle East) يشير الآن، حسب أطلس العالم (World Atlas)، إلى مصر والشام والعراق والجزيرة العربية إضافة لتركيا وإيران، وهناك مصطلح آخر أوسع هو «الشرق الأوسط الكبير» (Greater Middle East) يضم مناطق أوسع تشمل معظم قارة أفريقيا وأجزاء من وسط آسيا.
المصطلح بعد زرع الكيان الصهيوني
بعد الحرب العالمية الثانية، اكتسب مصطلح «الشرق الأوسط» مكانة أبرز بسبب تأسيس الكيان الصهيوني في عام 1948م، وقد تدخلت أصابع خفيه لتطبيع التعامل مع المصطلح، بل ونشره وترويجه على أوسع نطاق، رغم ما تعرض له من نقد بسبب أصله الاستعماري ولكونه يسمي منطقة عريقة هي أصل ومهد الحضارات بحسب موقعها من أوروبا، معتبراً أوروبا مركز العالم.
فقد تسمت إذاعات وتلفزيونات ومؤسسات وجامعات ومراكز أبحاث باسم «الشرق الأوسط»؛ ولذلك تعودت الأذن العربية على تكرار المصطلح مرتبطاً بـ«إذاعة الشرق الأوسط» من القاهرة، و«طيران الشرق الأوسط»، ومركز «تلفزيون الشرق الأوسط»، و«جريدة الشرق الأوسط»، و«وكالة أنباء الشرق الأوسط»، و«جامعة الشرق الأوسط»..
شهادة ميلاد الشرق الأوسط
لم يكن لمعظم دول الشرق الأوسط وجود قبل الحرب العالمية الأولى، الحرب التي أنهت فعلياً الكيان السياسي الإسلامي بهزيمة دولة الخلافة الإسلامية العثمانية، ليعلن مصطفى كمال نهايتها الرسمية في عام 1924م، وبعدها تم تقسيم العراق والشام بين إنجلترا وفرنسا.
حلم فرنسا بلبنان مسيحي كبير
في عشرينيات القرن الماضي، حاولت فرنسا إنشاء دولة واحدة في كامل بلاد الشام ما عدا فلسطين هي لبنان الكبير، تضم لبنان الحالي وسورية وأجزاء من تركيا، وقد كان الهدف إنشاء دولة تضم عدداً كبيراً من السكان المسيحيين تكون أكثر انسجامًا مع المصالح الفرنسية في المنطقة، هكذا خططوا لإنشاء دولة مسيحية كبرى في الشام، ولكن المشروع فشل لأسباب ديموجرافية واضطر الجنرال الفرنسي هنري جورو إلى الاقتصار على إعلان إنشاء دولة لبنان بحدودها الحالية.
لويس.. التغريب والتفكيك
يرى المؤرخ اليهودي برنارد لويس أن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون لا يمكن تحضرهم، وإن تُركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقوض المجتمعات؛ ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور، فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار هذه المنطقة لتجنب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان(2)، وهذا ما صرح به لـ«وكالة الإعلام الأمريكية».
ويضيف، في مقابلة أجراها مع «وكالة الإعلام الأمريكية» عام 2005م: إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الفعل عندهم!
خارطة تمزيق العالم الإسلامي
ويرسم لويس خريطة جديدة لشرق أوسط جديد ممزق، يتم فيها تقسيم المنطقة إلى دول عرقية أو دينية أو طائفية، تتضمن الخطة تقسيم مصر إلى 3 دول: سُنية، وقبطية، ونوبية، مع تسليم سيناء إلى الكيان الصهيوني، وتقسيم السودان إلى 4 دول، وتمزيق منطقة المغرب العربي لإنشاء دول منفصلة للأمازيغ ولجبهة البوليساريو.
وتتضمن المقترحات تقسيم سورية والجزيرة العربية إلى دول طائفية وعرقية مناطق منفصلة، وتقسيم العراق إلى 3 دول، ولبنان إلى 8 كانتونات، وتتضمن الخطة أيضًا ابتلاع فلسطين بالكامل، وتهجير سكانها، وإعادة تحديد حدود إيران وأفغانستان وباكستان وتركيا.
حدود الدم
اقترح الضابط الأمريكي رالف بيترز خريطة جديدة للشرق الأوسط أسماها «خريطة حدود الدم»، تقترح حدوداً ودولاً جديدة، فقد اقترح إنشاء دولة تسمى «كردستان الحرة» تضم أجزاء من تركيا والعراق وإيران وسورية، واقترح توسيع لبنان ليشمل أجزاء من سورية؛ مما يؤدي إلى إنشاء «لبنان الكبير»، وتوسيع الأردن ليصبح «الأردن الكبير»، كما تقترح الخريطة تقسيم بقية العراق إلى عراق سُني، وعراق شيعي، واقترح تمزيق الجزيرة العربية على أساس طائفي، وتدعو الخريطة أيضاً إلى إنشاء «بلوشستان حرة» في أجزاء من إيران وباكستان.
ممر نتنياهو ومشروع بيريز
قبل «طوفان الأقصى» بأيام، في 22 سبتمبر 2023م، حمل نتنياهو نفس الخارطة التي حملها بعدها بعام كامل، ووقف يتفاخر باتفاقيات التطبيع، ويطالب الفلسطينيين أن يرفعوا الراية البيضاء ويتخلوا تماماً عن حلم العودة إلى وطنهم، ثم قال في خطبه في الأمم المتحدة منذ عام: اليوم أحمل قلم التوضيح لإظهار نعمة عظيمة، نعمة الشرق الأوسط الجديد!
وفي 22 سبتمبر، كرر نتنياهو نفس الخطاب بصيغة لا تختلف كثيراً عن الصيغة السابقة؛ فقد رسم ممراً يبدأ من بحر العرب جنوباً ليصل إلى البحر المتوسط شمالاً ماراً بعُمان والسعودية والأردن، وأسمى ما يحلم به «ممر السلام»! مشروع لا يصب إلا في صالح الكيان الصهيوني، وعرضاً يمر بالسعودية والأردن.
والمشروع يقتل قناة السويس التابعة لمصر والمرتبطة مع الكيان بأول اتفاقية سلام، والملتزمة رسمياً بأول تطبيع مع الصهاينة، ولكن نتنياهو الذي يضرب بمشروعه أكبر دولة عربية في مقتل يقول عن مشروعه: إنه ممر للسلام والازدهار، نتنياهو يريد شرق أوسط على هواه!
وأمام الأمم المتحدة أيضاً، ولكن في 28 سبتمبر 1993م، حاول شيمون بيريز، رئيس الوزراء الصهيوني الهالك، الذي ألَّف كتاباً بعنوان «الشرق الأوسط الجديد»، عرض فيه إقامة شرق أوسط مسالم ومزدهر، يتحول من مقاومة الكيان الصهيوني إلى مقاومة الأصولية الإسلامية بمعاونة ومشاركة الكيان، وزعم أن التعاون مع الدول العربية سينتج تشاركاً أفضل من دول الاتحاد الأوروبي حيث لا توجد حواجز طبيعية بينهم، ومات بيريز ولم يتحقق الحلم.
شرق أوسط بوش الابن
وبعد هجمات 11 سبتمبر 2001م، أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش رؤيته لشرق أوسط جديد يعيش فيه «الإسرائيليون» في أمان، بلا إرهاب! ويعيش فيه الفلسطينيون بلا احتلال، وقررت أمريكا تنفيذ خطتها بالأساطيل والجيوش، إضافة للنفوذ والأموال الطائلة، ولكنها خرجت بخفي حنين خائبة مهزومة من العراق وأفغانستان، دون أن تحقق شرق أوسط جديد أو تحافظ على الشرق الأوسط القديم.
_________________________
1- https://www.britannica.com/biography/Alfred-Thayer-Mahan
2- https://alkashif.org/html/center/22/3.pdf
3- https://raqeeb.ps/2934.html