كانت القضايا ذات الصلة بالأسرة تعد من الشؤون الداخلية للكيانات السياسية سواء كانت دولاً مستقلة أو إمبراطوريات متمددة، فالقانون الحاكم هو الذي ينظم العلاقة بين أفراد الأسرة، وبين الأسرة والمجتمع، ويبين مهامهم وحقوقهم.
إدخال قضايا الأسرة في القانون الدولي تسببت فيه الحركات النسوية التي تكاثرت ونشطت في هذا اتجاه تغيير المجتمعات الغربية عن طريق القانون منذ منتصف القرن التاسع عشر، لا سيما في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، ولما فشلت في ذلك سعت لاستغلال المؤسسات الدولية، وقد جاء ذلك في عشرينيات القرن الماضي على لسان فيرا بريتن، رئيسة منظمة «Six Point Group» البريطانية، قالت في مذكراتها: «لقد حان الوقت للانتقال من المجال الوطني إلى المجال الدولي والسعي في الوصول إلى اتفاق دولي فيما فشلت التشريعات الوطنية في تحقيقه».
كان للمنظمات النسوية إسهام كبير في تشكيل عصبة الأمم، وأول اقتراح لتأسيسها كان في مؤتمر السلام النسائي في لاهاي الذي حضره الرئيس ويلسون وذلك في عام 1915م.
قالت بريتن، في مذكراتها: «اعتبرت النساء العصبة الأداة الوحيدة المناسبة التي يمكن من خلالها تحقيق العدالة بشكل كامل وإلى الأبد»، وجاء في المادة السابعة من الوثيقة التأسيسية للعصبة: «تكون جميع المناصب في إطار عصبة الأمم أو ما يتصل بها، بما في ذلك الأمانة العامة مفتوحة بالتساوي للنساء والرجال»، لكن ذلك لم يحدث، وشغلت النساء مناصب ثانوية في العصبة، وكن في عداد الموظفات المحليات ما عدا 3% فقط طوال سني العصبة الثماني عشرة شغلن مناصب مهنية واستفدن من الميزات المخصصة للموظفين الدوليين.
وبعد انهيار العصبة بسبب الحرب العالمية الثانية، وتشكل الأمم المتحدة بعد نهاية الحرب، شاركت منظمات نسوية وكنسية ويهودية في تقديم مسودات للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وضمت اللجنة عدداً من النسويات وترأستها إليانور روزفلت.
حسب ميثاق الأمم المتحدة، فإن الركائز الأربع التي تقوم عليها الأمم المتحدة، هي: السلم والأمن، وحقوق الإنسان، وسيادة القانون، والتنمية؛ أما الحفاظ على السلم فيتعلق بحسم النزاعات الدولية والنزاعات المسلحة داخل الدول، وأما حقوق الإنسان فمرجعيتها القانونية القانون الدولي لحقوق الإنسان المكون من الشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي تشمل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين الخاصين بكل من الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعلى أساسها صيغت 9 معاهدات دولية تفصيلية مانعة للتمييز، فيما جاء فيهما على أساس الجنس أو العرق مثل اتفاقية القضاء على الفصل العنصري واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، أو مخصصة لما جاء فيهما لفئات محددة مثل اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية حقوق المهاجرين.
وأما سيادة القانون فيقصد بها خضوع الأفراد والمؤسسات والدول للمساءلة، ففيما يتعلق بحقوق الإنسان وفقاً لما جاء في القانون الدولي لحقوق الإنسان، وأما التنمية فتتعلق وفقاً لإعلان التنمية الصادر عن الأمم المتحدة بالصحة والتعليم والحرية.
وتحقيق كل ركيزة من هذه الركائز تقوم عليه شبكة من الهيئات المكونة للأمم المتحدة، سواء مكوناتها الرئيسة المنشأة بموجب الميثاق، أو المكونات الملحقة بها مثل الوكالات المتخصصة، مثل مجموعة البنك الدولي، واليونسكو، واليونيسف، وكذلك البرامج الصناديق مثل صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بالإضافة إلى الشراكات التي تعقدها مع المنظمات غير الحكومية العابرة للدول مثل الصليب الأحمر، وأطباء بلا حدود، وأوكسفام، وغيرها، أو الكيانات المدنية داخل الدول.
بالنسبة للركيزة الأولى، فإن المعني بتثبيتها هو مجلس الأمن، لم يكن لمجلس الأمن أي ارتباط بحقوق المرأة إلى أكتوبر 2000م الذي أصدر فيه القرار (1325)، ثم تلته مجموعة قرارات تتعلق بإشراك النساء في مستويات صنع القرار المختلفة في مجال حل الصراعات، وفي التدريب في مجال عمليات قوات حفظ السلام، وإدماج مفهوم النوع الاجتماعي في البحوث والتقارير في المجالات ذات الصلة، وحماية النساء من العنف القائم على الجنس في أوقات النزاعات.
يستعين مجلس الأمن في تنفيذ القرار بصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة الذي أدمج في عام 2010م في هيئة الأمم المتحدة للمرأة؛ وهي الجهة المعنية بتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في العالم، وهي شريك فني فيما يعرف بالآليات الوطنية، ويقصد بها الهيئة التي تعينها كل دولة لتكون منسقة بين الجهات الحكومية وهيئات الأمم المتحدة في اختصاص محدد من اختصاصات الأمم المتحدة، مثل الآلية الوطنية للمرأة مثلاً التي تعنى بالتنسيق بين الوزارات المختلفة في الجوانب ذات الصلة بالمرأة أو الأسرة والأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية.
وينسق مجلس الأمن كذلك مع مجموعة العمل الخاصة بالمرأة والسلم والأمن؛ وهي مجموعة تتكون من 18 منظمة غير حكومية، منها التحالف المعني بأمن النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان، ومركز الحقوق الإنجابية، ومنظمة أوكسفام، والشبكة النسائية لصانعات السلام، وغيرها.
أما الركيزة الثانية فتتعلق بعمل الأمم المتحدة المتعلق بالأسرة والموجه لها خصيصاً، ويشمل المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، وما يتعلق بما يعرف بحزمة الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية، والعنف الأسري والحماية الأسرية، الذي يعنى بمتابعتها هو المجلس الاقتصادي والاجتماعي عن طريق لجنة وضع المرأة، ولجنة السكان والتنمية، ولجنة الأمم المتحدة الاجتماعية، والبرامج والصناديق ذات الصلة التي يشرف عليها وهي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وصندوق الأمم المتحدة للسكان وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية واليونيسف، والوكالات المتخصصة ذات الصلة التي ينسق معها، وهي البنك الدولي للإنشاء والتعمير، ومنظمة العمل الدولية، واليونسكو، ومنظمة الصحة العالمية، بالإضافة لما يعرف بمؤسسات المجتمع المدني التي ينسق معها عن طريق ما يعرف بالعضوية الخاصة، وكذلك الأمانة العامة عبر وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والجمعية العامة عن طريق اللجنة الثالثة المعنية بالقضايا الاجتماعية والإنسانية والثقافية، واللجنة السادسة المعنية بالقانون.
أما الركيزة الثالثة فيتابع تنفيذ الشرعة الدولية هيئات المعاهدات، وكل منها أنشئ وفقاً لما جاء في كل اتفاقية من اتفاقيات حقوق الإنسان، فمثلاً أنشئت لجنة منع التمييز ضد المرأة بموجب المادة (17) من اتفاقية سيداو، وهكذا في كل اتفاقية، وكل هذه اللجان تتبع للمفوضية السامية لحقوق الإنسان.
أما الركيزة الرابعة فهي التنمية، وركزت الأمم المتحدة في العقدين الماضيين على أهداف الألفية التنموية ثم فصلتها في أهداف التنمية المستدامة، وهي تحويل لاتفاقيات حقوق الإنسان وخلاصات مؤتمرات الأمم المتحدة المتعلقة بالسكان والتنمية مصوغة على هيئة أهداف، لكل هدف مجموعة من الغايات، ولها مؤشرات تقيس درجة تطبيقها.
تعرف مجموعة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة باعتبارها منتدى رفيع المستوى لتشكيل السياسات المشتركة وصنع القرار، وتوجه وتشرف على التنفيذ في 162 دولة، تتكون المجموعة من 37 هيئة من هيئات الأمم المتحدة، ذات الصلة بالأسرة، منها: هيئة الأمم المتحدة للمرأة، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، وبرنامج الأمم المتحدة للإيدز، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، واليونيسف، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، وإدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية.
تتميز الأمم المتحدة في عملها بالبراعة في التشبيك والتنسيق وربط القضايا المختلفة بعضها بعضاً، وتصميم المبادرات المناسبة للفئات العمرية المختلفة التي تسهم في الترويج لما ترغب في الترويج له، غير أنها تقوم على إرث فكري ومرجعية تشريعية فيها كثير من الخلل والخطل، لذا لا تزداد أحوال النساء والأسر والمجتمعات إلا سوءاً على سوء كلما انقضى عقد من عقودها التي جاوزت السبعة.
ولعل أفضل ما يلخص الحال كلمة الرئيس الكوبي السابق كاسترو التي قوبلت بتصفيق حار في الاحتفال بالذكرى الخمسين لإنشاء الأمم المتحدة التي جاء فيها: «تأسست الأمم المتحدة قبل نصف قرن بعد حرب وحشية أودت بحياة ما معدله 10 ملايين شخص كل عام، واليوم يموت سنوياً 20 مليوناً من الرجال والنساء والأطفال بسبب الجوع والأمراض التي يمكن مداواتها، إلى متى ينبغي أن ننتظر لتتوقف هذه المذابح؟! حق النقض ينطوي على مفارقة تاريخية، وسوء استخدام مجلس الأمن من قبل الأقوياء يمثل احتلالاً جديداً داخل الأمم المتحدة نفسها!
ليس لأمريكا اللاتينية وأفريقيا ممثل واحد في مجلس الأمن! الهند -في آسيا- التي يقطنها مليار شخص ليس لها تمثيل فيه! إلى متى ينبغي أن ننتظر لنرى الديمقراطية، والاستقلال، والسيادة، والمساواة بين الدول، والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية قد غدت حقيقة ماثلة في الأمم المتحدة؟
العلوم والتقنية تخطو خطوات كبيرة كل يوم، لكن فوائدها لا تصل إلى أغلبية كبيرة، بل هما في خدمة أصحاب النزعة الاستهلاكية التي تهدر الموارد المحدودة، وتهدد الحياة على هذا الكوكب بشدة، إلى متى ينبغي أن ننتظر لنرى العقلانية، والمساواة والعدالة تسود هذا الكوكب؟
هل سترى الأجيال القادمة ما وعدنا به قبل نصف قرن؟!».