لو اكتشفنا سراً لأحد أبنائنا أو بناتنا فكيف نتصرف معه؟ وخاصة لو كان هذا الخطأ الذي اكتشفناه كبيراً؛ كمحادثة ابنتنا لشاب، أو رؤية ابننا لأفلام إباحية أو التدخين، ففي مثل هذه الحالات هناك خمس خطوات لابد من فعلها لنحسن إدارة الموقف وعلاجه:
الأولى: الالتزام بالهدوء والوضوء والصلاة حتى لا نندفع كثيراً في مواجهة الحدث، ونفسد العلاقة التربوية بسبب رد الفعل العنيف.
ثانياً: نتأكد من صحة الخبر الذي وصلنا ومن مصداقية مصدره حتى لا نبني أفعالنا على تخمينات أو أوهام.
ثالثاً: ألا نوجه كل أصابع الاتهام لابننا ونحن نتحدث معه حتى نعطيه فرصة للتراجع عن خطئه.
رابعاً: لو أقر بالخطأ أن نعتمد مبدأ المسامحة عند المصارحة حتى نعطيه فرصة لتصحيح خطئه.
خامساً: التعامل معه بمرونة بين شد وجذب في حالة تكراره للخطأ واستمراره فيه من غير أن نستخدم أسلوب الهجر الدائم أو المقاطعة الطويلة أو الطرد من البيت مهما كان الخطأ الذي ارتكبه، فهذه خمس قواعد مهمة عند اكتشاف سر لأولادنا.
ولكن السؤال الأهم هو: ما الأسرار التي يخفيها أولادنا علينا؟ وحتى نجيب عن هذا السؤال لا بد أن نفرق بين الأسباب التي يكون أساسُها الوالدين، والأسباب التي يكون أساسها الأولاد، فالولد لا يصارح والديه بأسراره لعدة أسباب، منها كثرة انشغال الوالدين وبعدهما عنه وعدم الاهتمام بتفاصيل حياته، أو قلة محاورة الوالدين للأولاد والصمت عند اللقاء بهما والاجتماع معهم على الطعام أو في السيارة، أو أن يكون الولد قد مر بتجربة سابقة مع والديه عندما كشف لهما عن سر خاص به، ثم علم أنه افتضح أمره عند أهله أو في بيت جدته أو بين أصحابه وأحبابه، والسبب الرابع كثرة عصبية الوالدين واعتماد أسلوب التربية بالصوت العالي، ففي هذه الحالة لا يشعر الأولاد بالأمن والأمان؛ فينعكس ذلك على شفافية العلاقة مع الوالدين، وأحياناً يكون السبب عدم ثقة الأولاد بنضج والديهم، وقد مرت عليَّ حالات كثيرة صارحني فيها الأولاد بعدم كشف أسرارهم لوالديهم لهذا السبب.
أما عدم كشفهم للأسرار بسببهم، فأول هذه الأسباب هي المحافظة على السمعة والصورة الموجودة لدى الوالدين عن الولد، فإذا ارتكب الولد خطأ كبيراً فلا يكشف سره لوالديه حتى يحافظ على صورته، أو قد يكون ارتكب ذنباً ويريد أن يستر على نفسه ولا يريد والديه أن يكشفا ستر الله عليه، أو أحياناً يكون الأولاد لديهم الرغبة في مصارحة والديهم، ولكن لا يعرفون كيف يبدؤون بالموضوع، أو يخافون من رد فعل والديهم القوية فيتعرضون للحرمان أو الضرب أو العقوبات الشديدة.
وفي حالة لو كشف الوالدان سراً لولدهما فإن عليهما الستر عليه ومحاولة إصلاح الأمر، وقد قرأت قصة جميلة حصلت في زمن عمر الفاروق رضي الله عنه تفيد هذا المعنى، فقد أتى رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إن ابنة لي كانت وئدت في الجاهلية، فاستخرجتها قبل أن تموت، فأدركت الإسلام، فلما أسلمت أصابت حداً من حدود الله، فعمدت إلى الشفرة لتذبح بها نفسها! فأدركتها وقد قطعت بعض أوداجها فداويتها حتى برئت، ثم إنها أقبلت بتوبة حسنة، فهي تخطب إليَّ يا أمير المؤمنين فأخبر مَن بشأنها بالذي كان؟ فقال عمر: أتخبر بشأنها؟! تعمد إلى ما ستره الله فتبديه! والله لئن أخبرت بشأنها أحداً من الناس لأجعلنك نكالاً لأهل الأمصار، بل أنكحها نكاح العفيفة المسلمة، فهذا هو المنهج العمري في ستر عيوب وذنوب وأسرار البنات قبل الزواج، وكذلك هذا المبدأ ينطبق على الشباب، ولكن الجميل في القصة تفهم الوالدين السر الذي اكتشفوه في ابنتهم ومحاولة استيعابه وقت حدوثه وهذا أهم ما في الموضوع.
فكتمان الأسرار تربية نعلمها لأولادنا منذ الصغر، فنهمس بأذنهم قائلين: سنقول لكم سراً لا تخبروا به أحداً، وبهذه الطريقة يعرفون وهم صغار ما معنى السر، وقد قالها يعقوب عليه السلام لابنه يوسف: (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً) (يوسف:5)، ومع كل هذه الاحتياطات كادوا له، ولكن يوسف عليه السلام تعلم من تربية أبيه، ومن هذا الدرس، فكان يخفي ما في نفسه من معلومات وقت الحاجة، وهذا ما حصل له بعد سنوات طويلة عندما جاء إخوته فقالوا له: (إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ) (يوسف:77)؛ فقد تعلم متى يخفي السر ومتى يبديه للمصلحة.
المصدر: جريدة “الأنباء”.