قالت صحيفة “الفاينانشال تايمز” البريطانية الصادرة اليوم أن روسيا وإيران تبحثان بشكل جاد عن حل سياسي في سوريا، مشيرة إلى صعوبة استمرار الوضع الراهن في ظل استنزاف عسكري واقتصادي كبير للدولتين.
تحت عنوان “روسيا وإيران تبحثان عن حل سياسي من أجل سوريا” كتب ديفيد جاردنر يقول: “فى الوقت الذى تتواصل فيه دوامة القتال المتعدد الجوانب فى سوريا بإغراق الآمال التى يعقدها الشعب السورى الذى يعانى بشدة من هذا القتال تلوح فى الأفق بوادر تشير إلى أن إيران التى حافظ دعمها لنظام الرئيس السورى بشار الأسد خلال الخمسة أعوام الماضية على بقاء النظام تبحث بحثا جادا عن حل سياسى للصراع“.
وأضافت الصحيفة أن محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيرانية الذى تفاوض على اتفاق النووى الذى تم التوصل إليه فى العام الماضى بين إيران والقوى الدولية اجتمع مع “جون كيرى” وزير الخارجية الأمريكية على هامش منتدى سنوى لمفاوضى السلام تم عقده فى “أوسلو” فى الأسبوع الماضى، على ما يبدو فى إشارة لاستعداد طهران لتبنى موقفا أكثر مرونة حيال التوصل إلى حلول إنهاء الحرب فى سوريا.
وذكرت أن هذا يتزامن مع حدوث تعديل فى بعض المناصب فى طهران حيث استبدل ظريف نائبه بشخصية تتمتع بالقدرة على الدخول فى حوار فقد تم تعيين على شمخانى رئيس المجلس الأعلى للأمن القومى مسئولا عن الملف السورى.
وترى أنه على الرغم من أنه من الصعب على الدوام تفسير التعديلات الوزارية داخل نظام مبهم يحكمه فى نهاية المطاف أية الله على خامنئى المرشد الأعلى لإيران فإن هذه التطورات تشير إلى تضاؤل نفوذ حرس الثورة الإيرانية الذى يتولى الملف السورى.
ونوهت إلى أن شمخانى هو قائد سابق للبحرية وحرس الثورة الإسلامية ومواطن إيرانى من عرق عربى وعلى صلة بالمركز السياسى فى إيران وكان يشغل منصب وزير الدفاع فى فترتى ولاية الرئيس الإصلاحى محمد خاتمى خلال الفترة من 1997 إلى 2005 وتم تعيينه رئيسا للأمن من قبل حسن روحانى الرئيسى الوسطى الذى وقف وراء الاتفاق النووى.
وتابعت تقول إنه فى ضوء المهارة والصبر الاستراتيجى الذى تفاوضت إيران من خلالهما على الاتفاق النووى فإن الإشارات التى تصدر الآن عن إيران ربما تتجاوز سوريا، مشيرة إلى أن إيران قبلت فرض قيود على برنامجها النووى فى مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها لكنها وجدت أن العقوبات الثانوية التى تستهدف بصورة أساسية حرس الثورة الإسلامية وقوات التدخل السريع التابعة له فى كافة أنحاء المنطقة لا تزال تمنع الاستثمار فى إيران وحصولها على الإئتمان لذا من المستبعد أن تركز إيران على سوريا فى الوقت الذى لا يزال فيه اقتصادها مستبعدا من النظام المصرفى الأمريكى وكذلك من البنوك الدولية التى تخشى من عزلها إذا ما دخلت فى معاملات مع إيران.
وأضافت “الفاينانشيال تايمز” أنه مع استمرار القتال فى سوريا فإن كل من روسيا وإيران الراعيين الخارجيين لنظام الأسد تفكران على ما يبدو فى مستقبل البلاد بيد أن إصرار الغرب على وجوب رحيل الأسد والطائفة العلوية المتعطشة للدماء يعيق المباحثات فى هذا الصدد لاسيما وأن موسكو وطهران يصران على أن الأسد لا يزال يتمتع بالشرعية، ويخشى الجانبان أن يؤدى رحيله إلى فراغ يملؤه متطرفو تنظيم الدولة والقاعدة.
ولفتت إلى أن المسئولين الروس ألمحوا إلى أنهم يبحثون عن دستور جديد لسوريا فى الوقت الذى تشير فيه إيران إلى أن استبدال المركزية الشديدة التى يمارسها نظام يمثل أقلية بنموذج فيدرالى فضفاض ربما كان الحل، بيد أن لهذه التلميحات وقع أجوف طالما أن نظام الأسد يواصل قصف مواقع الثوار بيد أن ما يجعلها قابلة للتصديق هو التكلفة المتزايدة التى تدفعها إيران وروسيا لدعم الأسد.
وترى الصحيفة أن المشروع السورى يعد مكلفا لكلا البلدين اللذين تأثرا بالفعل جراء انخفاض أسعار البترول والعقوبات الاقتصادية، ناهيك عن أن هذا المستوى لدعم نظام الأسد ضد الأغلبية السنية فى سوريا يحمل بين طياته المخاطرة باستثارة عداء السنة لأجيال لاسيما وأن لدى روسيا حوالى 25 مليون مواطن سنى داخل حدودها وأن تنظيم الدولة يؤسس موطئا فى القوقاز، ومن ناحية أخرى فإن النفوذ الإيرانى الذى يعتمد على المحور الشيعى الذى أقامته طهران من بغداد لبيروت لا يمكن له أن يستمر بمستواه الحالى سوى على حساب استمرار الحرب وهذا من شأنه عرقلة أنشطة حرس الثورة على الصعيد الداخلى ومنع إيران من اكتساب الشرعية فى المنطقة ومن دخول الأسواق والمؤسسات العالمية من جديد.
وترى أن هذين العاملين قد لا يكونا كافيين لإثناء بوتين عما يفعله فى سوريا لاسيما وأنه يطمح لاستعادة روسيا لوضعها كقوة عظمى على الصعيد الدولى تستطيع تحدى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا أو لإثناء بعض الأطراف داخل إيران عن رغبتهم فى قيادة الشيعة فى العالم وتحدى السنة بيد أن هناك سبب أخر قد يدفع موسكو وإيران لإعادة التفكير فى موقفهما.
وأضافت أن جيش الأسد المنهك لم يعد له وجود سوى على الورق فى حين يتكبد حرس الثورة وحزب الله اللبنانى حليفه والميليشيات الشيعية العراقية وحلفاؤهم من الهزار الشيعة فى أفغانستان خسائر فادحة ومتزايدة
وذكرت أن الأسد تعهد باستعادة كل شبر من الأراضى السورية لكن بأى جيش سيفعل ذلك. وحتى الآن لم يتمكن النظام من الاستفادة الكاملة من قوة السلاح الجوى الروسى مع إحرازه لعمليات تقدم مترددة على الأرض.