أعادت عملية اغتيال مهندس الطيران التونسي، محمد الزواري (49 عاما)، إلى الواجهة التساؤل بشأن غياب الملاحقة القضائية في عمليات الاغتيال المتهم جهاز “الموساد” الإسرائيلي بتنفيذها على أرض أجنبية، منتهكا سيادة تلك الدول.
ولم تحصر إسرائيل مسرح تصفية بعض خصومها داخل الأراضي الفلسطينية، وإنما امتدت ذراعها إلى دول أخرى، مستغلة إفلاتها من العقاب الدولي، بفضل “الفيتو” الأمريكي في مجلس الامن الدولي، وفق خبيرين في القانون الدولي تحدثا لوكالة الأناضول.
دون تأكيد ولا نفي صريح، كثيرا ما ألمحت إسرائيل إلى ضلوعها في تنفيذ اغتيالات وغارات جوية في دول أخرى.
في أحدث هذه الحالات، وفي أول تعليق رسمي إسرائيلي على اغتيال التونسي الزواري، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيجدور ليبرمان، إن “إسرائيل تفعل ما يجب القيام به للدفاع عن مصالحها”.
الزواري اغتيل، الخميس الماضي، أمام منزله في محافظة صفاقس (جنوب)، بطلقات نارية استقرت في رأسه وصدره، عبر عملية قالت وزارة الداخلية التونسية إن التخطيط لها جرى منذ يونيو/حزيران الماضي في بلدين أوروبيين (لم تحددهما)، من قبل شخصين أجنبيين، مضيفة أن لديها “تخمينات” بشأن إمكانية تورط جهاز أجنبي (لم تحدده) فيها.
على عكس الداخلية التونسية، وبشكل مباشر وصريح، اتهمت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) إسرائيل باغتيال المهندس التونسي، كافشة عن أنه كان ينتمي، ومنذ 10 سنوات، إلى جناحها المسلح، “كتائب عز الدين القسام”، وكان العقل المدبر لتصنيع طائرات بلا طيار استخدمتها الحركة في مواجهة إسرائيل.
إسرائيل تعتبر “حماس” جماعة إرهابية تستهدف المصالح الإسرائيلية، بينما تؤكد “حماس” أنها حركة مقاومة تواجه الاحتلال الإسرائيلي لأراض فلسطينية، وترد على الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الشعب الفلسطيني.
“الفيتو” الأمريكي
عن الاغتيالات المتهم “الموساد” الإسرائيلي بتنفيذها في دول أخرى، قال الخبير المصري في القانون الدولي، إبراهيم أحمد، إن “الحكومات الإسرائيلية تتابع عن كثب العقول والعلماء العرب في محاولة لاحتوائهم بأسلوب أو بآخر”.
أحمد، وهو الرئيس الأسبق لقسم القانون الدولي في جامعة عين شمس المصرية، مضى قائلا للأناضول إن “إسرائيل تبذل مساعٍ حثيثة لجلب هؤلاء العلماء إلى إسرائيل، وإن فشلت تنتقل إلى الخطوة التالية، وهي التصفية الجسدية”.
ووفق الأكاديمي المصري، “هناك وسائل في إطار القانون الدولي يمكن اللجوء إليها لردع إسرائيل عن جرائمها، وللمطالبة بحقوق المتضررين، سواء كانوا دولا أو أفرادا، إذ يمكن للدول المعنية (المتضررة) اللجوء إلى المنظمات الدولية، انطلاقا من حقها في حماية سيادتها على أراضيها (في حال وقعت الجريمة في إقليمها)، وحقها في الدفاع عن مواطنيها ورعاياها في الخارج (إذا كانت الضحية تنتمي إليها)”.
وبالنسبة لتفسيره بشأن غياب المطالبة الرسمية بمحاسبة إسرائيل قضائيا على سلسلة من الاغتيالات متهم فيها “الموساد:”، قال أحمد إن “هناك سببين يحولان دون إقدام الدول المتضررة على رفع دعوى قضائية أمام المحاكم الدولية، أولهما يتمثل في غياب الثقة بالمجتمع الدولي، والاعتقاد بأنه لن يدعم أي خطوة من شأنها أن تؤول إلى إدانة الدولة العبرية أمام المحافل الدولية”.
أما السبب الأخير، وفق الخبير القانوني المصري، فهو “قناعة تلك الدول (المتضررة) بأن أي مشروع قرار في منظمة الأمم المتحدة لإدانة إسرائيل، سيتم عرقلته في مجلس الأمن الدولي، لوجود الفيتو الأمريكي (حق النقض)، وقدرة الولايات المتحدة الأمريكية (حليفة إسرائيل) على إيقاف أي محاكمة دولية”.
غياب الرادع الدولي
سبب عدم ملاحقة إسرائيل قضائيا بشأن الاغتيالات المتهم فيها “الموساد” وغيرها من الممارسات، أرجعه أستاذ القانون الدولي في جامعة بيرزيت برام الله في الضفة الغربية، حنا عيسى، إلى “عدم وجود الرادع الدولي لإسرائيل”.
عيسى، وفي حديث للأناضول، اعتبر أن “هذا الغياب القضائي الدولي تجاه السلوك الإسرائيلي يمثل تغطية على جرائم، خاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، ودول أخرى لا تتحرك باتجاه الملاحقة”.
الخبير القانوني الفلسطيني تابع بقوله إن “إسرائيل اغتالت شخصيات عربية وفلسطينية، ووجهت ضربات (غارات جوية) للعديد من الدول العربية، خاصة السودان وليبيا ومصر والأردن وسوريا، في ظل صمت تجاه تلك الانتهاكات”.
وعن السبيل لوقف ما وصفه بـ”الجرائم الإسرائيلية”، شدد على “ضرورة ملاحقة إسرائيل في إطار المحكمة الجنائية الدولية (التابعة للأمم المتحدة)”.
لكن عيسى استدرك قائلا إن “اتفاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية هو اتفاق جوهره سياسيّ، وشكله قانوني. في حال ملاحقة إسرائيل قضائيا، فإن فرص إدانتها بارتكاب الجرائم ستكون حاضرة، خاصة إذا وجدت البيانات الدامغة التي تؤكد ضلوعها في تلك الجرائم.. لا يمكن إثبات ارتكابها للجريمة، إلا بتوفر الدلائل والبيانات الكافية، وهذا يحتاج آلية للعمل في هذا الاتجاه”.
والمحكمة الجنائية الدولية تأسست بصفة قانونية مطلع يوليو/تموز 2002، بموجب ميثاق روما، الذي دخل حيز التنفيذ في 11 أبريل/نيسان من العام نفسه، وبإمكان أي دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي (الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، بريطانيا، روسيا والصين) وقف تحركات المحكمة عبر استخدام “الفيتو”.
وبشأن العقوبات المحتملة في حال إدانة إسرائيل، أجاب الخبير القانوني الفلسطيني بأنها “ستكون العقوبات المترتبة داخل نظام روما الأساسي للمحكمة، فإذا كانت الجريمة مرتكبة بحق أفراد، فإن الإدانة توّجه فقط إلى الضالعين في تنفيذ تلك الجريمة، وليس إلى دولة إسرائيل”.
موضحًا، تابع أن “العقوبات تُنفذ على هؤلاء المتورطين، أما إسرائيل فقد تتحمل عقوبة التعويض المادي؛ لأنها هي من وجّهت التعليمات لرعاياها بتنفيذ عملياتهم.. لا يمكن فرض عقوبة على دولة كاملة بسبب ارتكاب أحد رعاياها جريمة بحق شخصية ما”.
لكن الخبير الفلسطيني لفت إلى أنه “يمكن إدانة دولة ما، وفرض عقوبات دولية عليها، في حال شكّلت سياستها المتبّعة إزاء طرف آخر، انتهاكًا وجريمة واضحة، مثل سياسة الاستيطان (الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة)، فيما تدخل هذه العقوبات في إطار العقوبات المالية والمدنية”، مشددا على “ضرورة وجود قانون جنائي دولي تشترك فيه كل الدول حتّى لا يفلت أحد من العقاب، ولا يرتكب أحد جرائم متكررة”.