شهدت الساحة السورية، الأحد التاسع عشر من مارس، مفاجآت يمكن أن توصف بأنها من “العيار الثقيل”؛ حيث فوجئ الجميع بأن الثوار على مشارف مدينة دمشق، مع انهيارات وتراجع ملحوظ لقوات بشار الأسد وميليشياته أمام جحافل الثوار الذين كان شعارهم ونداؤهم “يا عباد الله اثبتوا”.
وقد بدأت المعركة بإعلان فيلق الرحمن -الفصيل الرئيس المشارك بالمعركة- في بيان مستقل عن بدء المعركة في التاسع عشر من مارس، ثم تبعه هيئة تحرير الشام ببيان آخر مشابه؛ ليشاركه في المعركة.
في المقابل حشدت قوات النظام والميليشيا الداعمة له، من لواء “فاطميون” الأفغاني وغيرهم، كما ذكرت بعض الأنباء أن النظام استقدم شباب “قدسيا” و”الهامة” الذين ضمهم مؤخرا لميليشيا الدفاع الوطني للمشاركة بالتصدي لهجوم الثوار.
وتعود أسباب المعركة إلى سعي النظام المستمر لتغيير ديموغرافية حزام دمشق ودمشق عبر التهجير، وتحضير النظام القوي للهجوم على أحياء جوبرو القابون وبرزة وتشرين.
أما أهداف المعركة فهي أن يتم وصل أحياء القابون وبرزة وتشرين المحاصرتين بحي جوبر المتصل بالغوطة الشرقية المحاصرة لمنع النظام من السيطرة على هذه الأحياء، ومن ثم التقدم وسط العاصمة، وبعثرة قوات النظام بمفاجأتها بالهجوم عليها.
المعركة ونتائجها
كانت بداية المعركة بعمليتين تفجيريتين لهيئة تحرير الشام استهدفتا حاجزين للنظام قرب معمل كراش؛ وهو ما مهد الطريق للثوار للدخول واقتحام نقاط النظام، ومن ثم التقدم وتحرير العديد من النقاط، وتم إعلان المرحلة الثانية للعملية لتحرير شركة السيروكس ومحيطها.
أما أبرز النتائج التي تحققت من المعركة فكانت: تعطيل كراج العباسيين، وتحرير المنطقة الصناعية، ومعامل الغزل والنسيج والحلو، والسادكوب، والكهرباء، ورحبة المرسيدس، ومعمل كراش، وكذلك قطع الأوستراد الرئيسي المؤدي الى دمشق. وقد تضاربت الأنباء حول وصل أحياء القابون وبرزة بحي جوبر بالغوطة.
وقد تمثلت خسائر النظام في 150 قتيلا معظمهم من الميليشيات العراقية واللبنانية، بالإضافة إلى أكثر من 50 أسيرا بينهم ضابط، وتدمير غرفة عمليات النظام في جوبر، ومن بين القتلى بعض الضباط الكبار منهم العقيد شريف طاهر رسلان والرائد ملهم الحوراني والنقيب محمد وسوف والنقيب نديم سليمان من الحرس الجمهوري، وتدمير 6 دبابات وعربتي فوذليكا وعربة بي أم بي ومدفعين عيار 57.
وفي اليوم التالي للمعركة شن النظام هجوما عنيفا مصحوبا بقصف روسي بالطائرات، مع قصف بالمدفعية لقوات النظام؛ وهو ما مكنه من استرجاع بعض النقاط المحررة، حيث استعاد السيطرة على الشركة الخماسية، مع استقدام الميليشيات الشيعية من حزب الله ولواء أبي الفضل العباس الذين استهزؤوا بقوات النظام وعدم قدرتها على حسم المعركة، كذلك قام النظام بسحب ما يسمى بـ”فوج الجولان – القوة الخاصة” من مدينة تدمر الأثرية الواقعة في شرق حمص وأرسلها إلى العاصمة دمشق.
من جهة أخرى تعرضت بلدات الغوطة المحررة لقصف عنيف جدا بالطائرات الروسية والمدفعية والصواريخ كعمل انتقامي بعد تقدم الثوار بالمعركة. وهو ما أدى إلى نزوح واسع من الأحياء التابعة للنظام القريبة من حي جوبر مع توقف للحياة قرب كراج العباسيين، كما انسحب وفد من البرلمانيين الفرنسيين كان في زيارة لدمشق نتيجة المعارك، كما أدت إلى تخوف واسع لدى حاضنة النظام التي بدت مرتبكة، ولا تصدق إعلام النظام حسب بعض الصفحات والحسابات الموالية.
هشاشة نظام الأسد
حتى لو لم تحقق المعركة أهدافها الميدانية بشكل كامل فإنها أظهرت مدى هشاشة قوة النظام وضعف دفاعاته في أهم المناطق له، مع تمكن الثوار من البدء بالهجوم، بعد أن سادت حالة من اليأس نتيجة تهجير الثوار من العديد من المناطق، وأظهرت أن الثوار لهم القدرة على خلط الأوراق.
كذلك تمكن الثوار من استعادة النقاط التي سيطر عليها النظام بالمرحلة الثانية من العملية، وسيطروا على نقاط جديدة، حيث ابتدأت المرحلة الثانية بعمليتيين تفجيريتيين أيضا مكنتهما من استعادة السيطرة على النقاط التي استولى عليها النظام والوصول إلى كراج العباسيين والتثبيت فيه؛ حيث إن المرحلة الثانية ستكون لتثبيت نقاط الرباط والجبهة، على محور كراجات العباسيين وأوتستراد العدوي، لكن المعركة لم تحقق هدفها إلى الآن بوصل حي القابون بجوبر.
من جهته أعلن جيش الإسلام عن استعداده للدخول بالمعركة، وأنه لو علم بها قبل إعلانها لكان مشاركا فيها الآن، وذكرت أنباء عن استعدادات عالية لجيش الإسلام لدخول المعركة .
“سرجنا الجياد” و”طرد البغاة”
هذا وقد واصل الثوار أمس الأربعاء تقدمهم في القلمون الشرقي بريف دمشق، على حساب تنظيم “الدولة” بهدف طرد تنظيم الدولة من جبال القلمون والبادية الشامية في معركتين أطلق عليهما “سرجنا الجياد” و”طرد البغاة”.
وقد اشترك في هذه المعركة كل من جيش الإسلام، وأحرار الشام، وفيلق الرحمن، وجيش أسود الشرقية، وقوات الشهيد أحمد العبدو، وجيش العشائر، ومغاوير الثورة وغيرهم.
وقد تمكنت الفصائل من الاستيلاء على مستودع ذخيرة لتنظيم الدولة، بالإضافة إلى تمكنهم من تحرير مساحات واسعة من الجبال بعد انهيار سريع لتنظيم الدولة؛ ففي القلمون تمكن الثوار من تحرير جبال البتراء، وبئر الأفاعي، وتلة الضبع، والضبعة، وبئر زبيدي، ومكاسر المنقورة، وأجزاء واسعة من جب المحسا، وسلسلة جبال البتراء، وتلال رجم الصوان، وتقدر مساحة المناطق المسيطر عليها بـ12 كم مربعا.
أما بادية الشام فقد تحرر منها تيس، جبل وحاجز سيس، وسرية البحوث العلمية، وجبل مكحول، وحاجز مكحول، ومنطقة السبع بيار، ومنطقة ظاظا، وتقدر المساحة المسيطر عليها بـ24 كم مربعا.
وبقيت كيلومترات قليلة على فك الحصار عن القلمون الشرقي وربطه بالبادية الشامية.
معركة حماة
وفي حماة قامت كل من فصائل هيئة تحرير الشام بشكل رئيسي، والحزب التركستاني، والقوقاز، وجيش العزة، وجيش النصر، وجيش إدلب الحر، وأبناء الشام، بمحاولة السيطرة على شمال مدينة حماة بشكل أساسي والشمال الغربي منها، في مواجهة قوات النظام والميليشيات التابعة لها.
وقد افتتحت المعركة في محورين، محور هيئة تحرير الشام وقد أطلق على معركته “وقل اعملوا” وهو المحور الشمالي، ومحور جيش العزة وأبناء الشام وأطلقوا على المعركة “في سبيل الله نمضي” وهو محور الريف الغربي.
وقد بدأت المعركة بعمليتين تفجيريتين لهيئة تحرير الشام بعد استهداف الحواجز على مشارف صوران لفتح الطريق لدخول الثوار لتحرير عدة مدن وبلدات، وفي اليوم التالي كذلك بدأت بعمليتين تفجيريتين في معردس ليتمكن الثوار من تحريرها. وقد أعلنت كل من أحرار الشام وهيئة تحرير الشام قطع طريق الإمداد على النظام، وطريق سلمية حمص في ريف حمص الشمالي.
وقد نتج عن المعركة تحرير صوران وتلة خطاب، وقرية خطاب، وبلحسين، وتلة الشيحة، وخربة حجامة، ومعردس على يد هيئة تحرير الشام، وتكذلك تحرير الشير، والمجدل، ومعرزاف، وكفرعمين، وسوبين وكفرعميم، وأرزة، وضهرة بيجو على يد جيش العزة وأبناء الشام.
أما خسائر النظام فكانت 4 دبابات والعديد من القتلى. واستولى الثوار 6 دبابات وعدد من الرشاشات الثقيلة والذخائر.
يذكر أن “أحرار الشام” لم تدخل المعركة لرفض هيئة تحرير الشام دخولها في أي عمل مشترك مع الأحرار بغية الضغط عليهم لإجبارهم على الاندماج، ولكن هناك استعدادات لانطلاق معركة في محور مستقل في حماة بالاشتراك مع فيلق الشام وأجناد الشام.
ونظرة تحليليى للمعركة تؤشر على سرعة تقدم الثوار والانهيار السريع لقوات النظام في ريف حماة، وهو ما يدل على أن النظام غير قادر على الحفاظ على مناطقه لقلة قوات النخبة لديه التي تستطيع القتال بشكل قوي بالمعارك، وهذا ما يجعله غير قادر على خوض أكثر من معركة في وقت واحد، وهو ما يدفعه الى الاعتماد على الميليشيات المحلية ضعيفة التدريب، ما يسرع انهيارها في أي هجوم، وكذلك قد يكون النظام يعتمد على مبدأ امتصاص زخم الهجوم فيسنسحب من المناطق الضعيف فيها ليعود في ظل قصف عنيف وقوات النخبة لديه ليسيطر عليها من جديد.