جاء في الحديث الصحيح عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نِعمتان مَغبونٌ فيهما كثيرٌ مِن الناسِ: الصحةُ والفَراغُ” (رواه البخاري).
من غَبْن الإنسان لنفسه أن يتركَها نهبًا للفراغ بدون هدف أو خطَّة، أو برنامج أو عمل، خاصة لو توافرت لها الصحة والفُتوة والحيوية، فإنها لا تُصبِح طاقةً مُهدرةً فحسب؛ بل تتحوَّل إلى طاقة سلبية إن لم تكن مُدمِّرةً لها وللمجتمع، وصَدَقَ المثَلُ الإنجليزي: “المعسكر الذي تسُودُه البطالةُ يُجيدُ الشَّغَبَ”.
إن عنصري الفراغ والصحة بمكوناتهما يتوافران أكثر ما يتوافران في مرحلة الشباب، ويَبرُزان أكثر ما يَبرُزان في أوقات الإجازات، فبِقَدْر إدارة مرحلة الشباب بوجه عام، وفترة الإجازات بوجه خاص، يتحقق نجاحنا في توفير السعادة والنجاح والإنجاز، ولا تتحوَّل فترةُ الشباب إلى مضيعةٍ للأوقات، وتلمُّسٍ للتجارب الخاطئة والمهلكة في أحيان كثيرة، أو هروب من الملل والرتابة إلى ما لا يحمد عُقْباه.
إن الهيئات التربوية والتعليمية ومؤسسة الأسرة – الآباء والأمهات – بل الشباب أنفسهم مَدْعوُّون لتنظيم خطط وبرامج وفعاليات ذات أهداف تملأ الأوقات بالمفيد النافع، وبما يستثمر الفراغ، وفترات الإجازات.
برامج مقترحة:
توجد العديد من الخطط والبرامج والفعاليات التي يمكن أن ينتظم فيها الشبابُ، وتُحقِّق أبعادًا مختلفةً في شخصياتهم؛ مثل: الترويح، والترفيه، والممارسة الرياضية الصحية، والتدريب المهني أو التقني، وتنمية الذات، وإتقان المهارات والاستكشاف، ومطالعة أحوال الشعوب والأقطار، والتعرُّف على المهن، فضلًا عن التواصل الاجتماعي مع الآخرين، وعلى رأسه صلة الأرحام:
1- السفر والتنزُّه:
يمكن تنظيم رحلات ذات اليوم الواحد أو عدة أيام، لزيارة مدن جديدة والاطِّلاع على تقاليدهم وعاداتهم وأنماط معيشتهم، ومطالعة أهمِّ ما يُميِّزها من معالم وآثار، وكم في بلادنا العربية والإسلامية من مدن ومعالم وآثار لا يعلم حتى ساكنوها عنها شيئًا، جميلٌ أن تتعرَّفَ على معالم بلادك؛ سواء كانت ساحليةً أو صحراويةً، زراعيةً أو صناعيةً، تحيط بها بحارٌ أم تشقُّها أنهارٌ، يحتاج شبابُنا لتقصِّي الآفاق والعوالم.
2- الكشافة والمخيَّمات:
الانضمام إلى فرق الكشَّافة، خاصة مخيماتها ذات الأهداف، سواء المحددة، أو المتعددة، فمنها الترويحي أو التدريبي، أو لتقديم خدمة عامة في حي أو قرية.
ويمكن لجهات متعددة تربوية وتعليمية أن تُنظِّم مخيَّمات للشباب داخل مبانيها ومرافقها، أو خارجية على الشاطئ وفي البر، تُحقِّق العديد من الأهداف، وتتضمَّن برامجُها أنشطةً رياضيةً واجتماعيةً وثقافيةً وفنيةً ترويحية، يمكن أن تشتمل على فقرات تُزوِّد المشاركين بمعلومات مبسَّطة عن الأمور: الاقتصادية، والصناعية، والاجتماعية للبلد.
3- تنمية المهارات:
الإجازة فترةٌ ممتازةٌ للالتحاق بالدورات التدريبية لتنمية مهارة من المهارات؛ سواء كانت لغة أجنبية، أو حتى اللغة الأم، فالكثير منا يحتاج إلى معرفة وتأصيل لغتنا الجميلة في لسانه، وهجائه، وكتابته، وقراءته، ونحوه وإعرابه.
ويمكن الالتحاق بدورات البرمجة وتطبيقات الأجهزة اللوحية والجوَّال التي أصبحت مجالَ الأعمال والاستثمار والتسويق، وبإتقانها تستطيع أن تضمنَ تذكرةً في قطار العمل، وتَدَع محطات البطالة بلا رجعة.
وهناك دورات المهارات الحياتية والهوايات؛ مثل: قيادة السيارات، والتصوير، وهناك دورات تنمية الذات؛ مثل: الحوار، والتفاوض، والإلقاء، والتفكير الإبداعي، والتفكير الناقد، والخريطة الذهنية … إلخ، إلى قائمة طويلة من الدورات المهنية والتقنية، تستطيع أن تلتحِقَ بها، وتُنهِي ما تستطيع منها، فتضيفه إلى مهاراتك الشخصية وسيرتك الذاتية، فتكون عَوْنًا لك وفَتْحًا لطريق نجاحك ومستقبلك، ولا يستطيع أن يتحجَّج أحدٌ بالتكلفة المالية لهذه الدورات؛ فهناك العديد مِن منصَّات التدريب والتعليم المفتوح المجانية على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت).
ممارسة الرياضة:
الرياضة هي السبيل للياقة البدنية والسلامة الصحية، لا غنى للإنسان الناجح عنها، ولا بُدَّ أن يكون له برنامج رياضي يومي، والموفَّق هو الذي يتَّبِع نصيحة الأطباء بممارسة المشي لمدة 30 دقيقة يوميًّا على الأقل، فالرياضة ذات فوائد متعددة على المستوى البدني والعقلي والنفسي والاجتماعي والأخلاقي، فعلي سبيل المثال لا الحصر:
تُحسِّن من مظهر أجسامنا، وتُضْفِي جمالًا عليها.
تزيد الثقة بالنفس.
تُشعِر بالمتعة والإثارة والسعادة.
تمنح قدرة أكبر على الانضباط والتحكُّم في الضغوط والتوتُّر في حياتنا.
تساعدنا على النوم، وتُعالج الأرَقَ، والتفكير السلبي والسرحان.
الفوائد كثيرة ومتعددة، ويكفي فوائدها على الجانبي النفسي؛ فإن هذا يدعوك لسرعة الالتحاق بأحد النوادي الرياضية، أو مراكز الشباب، أو بيوت اللياقة البدنية، وتنتظم في برنامج رياضي، فإن لم تستطع فكوِّنْ فريق مشي من أصدقائك، وتَبارَوْا يوميًّا في قطع المسافات.
4- المشاركة في الأعمال التطوعيَّة:
العمل التطوُّعي والمبادرات المجتمعية فرصةٌ للشباب للإحساس بمشكلات المجتمع، ومشاركتهم في رفع الآلام والأحزان عن الناس، وبقَدْر ما في التطوُّع من سلوك إنساني وأخلاقيات تُحتِّمُها بيئة التطوُّع، بقدر ما فيه مِن تعلُّم وتدريب، وإتقان لمهاراتٍ، وإثبات للذات، وبرُوزٍ لقيادات ومواهب.
الشباب مدعوٌّ أولًا للبحث عن الجمعيَّات والمؤسسات الخيرية التي تُتيح هذه الفُرَصَ التطوعيَّة، وهي موجودةٌ بكثرة بفضل الله في جميع الأقطار، بل إن بعض الهيئات التنفيذية والوزارات تدعو الشباب للتطوُّع فترات محددة؛ مثل: المشاركة في تنظيم المرور في فصل الصيف، أو تنظيم الحضور في أحد المنتديات والمؤتمرات، أو تقديم خدمات إغاثية لقرية أو حي، أو المشاركة في بحث ميداني، وتوزيع استطلاع أو استبانة، وغير ذلك من المبادرات المجتمعية كثيرٌ.
ثم إن الشباب مَدعوٌّ ثانيًا للتفكير والإبداع في تقديم مبادرات يحتاج إليها المجتمع، بدايةً من مجتمعك المحلي: (العمارة – الشارع – الحي – المدرسة – الجامعة – مكان العمل) إلى المستوى الوطني؛ لمعالجة ظواهر، أو القضاء على سلبيات، أو ابتكار وسائل تنموية، وطريق الإبداع لا ينتهي.
5- القراءة والمطالعة:
ربما لا نلجأ للقراءة إلا عند احتياجنا إلى الوصول إلى معلومة، أو إلى ضرورة الدراسة الأكاديمية، ونحن مجبرون على ذلك لإتمام دراستنا والحصول على شهادتنا! ولا يمكن أن يكون هذا شأن أمَّة “اقرأ” أبدًا.
إن فوائد القراءة هائلة؛ مثل: تعزيز التركيز، وتطوير القدرات الإبداعية، وتنشيط الذاكرة، ومقاومة الاكتئاب والملَل، وتحفيز الذهن، وغيرها.
اجعل لك وِرْدًا يوميًّا -أي: عددًا معينًا من الصفحات- للقراءة في كتاب من اختيارك، وَفْق ميولك وطبيعة شخصيتك، ويُنصَح في البداية بالاستعانة بكُتب القصص والرواية والسِّيَر، والكتب المتسلسلة أو السلسة في قراءتها، ومن المناسب القراءة في كتب تنمية الذات ذات الأسلوب المبسَّط.
لقد نجحَتْ بعضُ المراكز المهتمَّة بالقراءة في تنظيم تحديات للقراءة بمستويات مُتعدِّدة؛ مثل: الالتزام اليومي بقراءة عشر أو عشرين أو خمسين أو مائة صفحة، وتخصيص وَسْم على وسائل التواصل الاجتماعي، وتقديم المتسابق أو مُتحدِّي القراءة لاقتباسات وملخَّصات لقراءته اليومية، واختيار الفائز في نهاية فترة محددة.
وفي الختام نقول: إن البرامج والأنشطة التي يمكن أن نستثمر الإجازةَ فيها متعددة ومتنوعة، وذات فوائد في مجالات مختلفة، ولا بُدَّ أن نشيد بنوادي ومراكز وحلقات تحفيظ القرآن التي تُقدِّم باقةً متنوِّعةً وهائلةً من أفكار استثمار الإجازة، وتوظيف الفراغ فيما ينفع الشباب في حاضره ومستقبله، وهذا المقال يُمثِّل دعوةً للمختصِّين والمهتمِّين بالشباب أن يُسَخِّروا إبداعَهم في شَغْلِ أوقات وطاقات الشباب، وتلبية طموحاتهم؛ فَهُمْ عُدَّةُ اليوم وأمَلُ المستقبل.
المصدر: “الألوكة”.