تتعرض ميانمار لانتقادات كثيرة في الفترات الأخيرة، من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وذلك نتيجة اعتداءاتها ضد مسلمي آراكان، ما يظهر تزايد الضغوط الدولية عليها في هذا الخصوص.
وتأتي هذه الانتقادات والضغوط تجاه ميانمار بعد فترة صمت طويلة من قبل المجتمع الدولي، إزاء انتهاكات جيشها بحق أقلية الروهنجيا المسلمة.
وعادت قضية الانتهاكات بحق مسلمي آراكان لتتصدر المشهد الدولي، بعد إقرار مجلس النواب الأمريكي بأغلبية ساحقة، مشروع قرار يعتبر أعمال العنف التي ارتكبتها وحدات الجيش وقوات الأمن في ميانمار بحقّ مسلمي الروهنجيا “إبادة جماعية”.
ودعا المجلس من جهة ثانية سلطات هذا البلد لإطلاق سراح السجناء السياسيين، والصحفيين، وعلى رأسهم صحفيا وكالة “رويترز”.
ومن المتوقع أن تساهم هذه الخطوة من قبل الإدارة الأمريكية التي واجهت انتقادات فيما مضى، نتيجة صمتها تجاه ممارسات جيش ميانمار، في زيادة الضغوط الدولية أكثر على وزير خارجية ميانمار، ورئيسة البلاد أونغ سان سوتشي.
وفي هذا الإطار، نشرت مجموعة القانون الدولي والسياسات العامة (PILPG) المعنية بحقوق الإنسان، تقريراً أولياً مطلع الشهر الجاري، يضم نتائج من أرض الواقع وتحليلات قانونية حول الظلم الذي يمارسه جيش ميانمار ضد مسلمي آراكان.
وقالت المؤسسة التي تتخذ من الولايات المتحدة، مقراً لها: إنه تم التوصل إلى أدلة معقولة تظهر بأن مسلمي آراكان كانوا ضحايا إبادة جماعية.
واستندت نتائج التقرير الذي قامت به “PILPG” المكلفة من قبل الخارجية الأمريكية، إلى لقاءات أجريت مع أكثر من ألف لاجئ فروا من مقاطعة آراكان بميانمار.
وأفاد اللاجئون بتعرضهم لانتهاكات تمثلت في حظر التجول، وفرض قيود عائلية، وضغوط دينية، وتوجيه التهديدات، وتعرضهم للعنف الممنهج وللاغتصاب، فضلاً عن الإجبار على العمل، وارتكاب الجرائم بحقهم.
وأشار التقرير إلى أن الظلم الممارس ضد مسلمي آراكان ممنهج ومخطط له بعناية، ويهدف إلى جعل سكان آراكان عزّل لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، وبالتالي إجبارهم على ترك أراضيهم.
ونص التقرير أيضاً على أن جيش ميانمار حرق العديد من الجثث، ودفن العديد منها في مقابر جماعية، إضافة إلى رمي بعضها في الآبار والمياه.
وكان بيان مجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قد طالب مؤخراً بفرض عقوبات إضافية على المسؤولين العسكريين والأمنيين رفيعي المستوى في ميانمار، ممن تورطوا في ممارسات ترقى إلى انتهاكات حقوق الإنسان، تجاه مسلمي آراكان.
وذكّر البيان الصادر عن الاتحاد الأوروبي عقب اجتماع لوزراء خارجيته مطلع ديسمبر الجاري، بأن الاتحاد دعا مرات عدة قبل هذا، إلى معاقبة المتورطين في هذه الجرائم.
وتشمل عقوبات الاتحاد الأوروبي الحالية على مسؤولي ميانمار، بفرض حظر بيع السلاح، وتجميد أموال مسؤولين عسكريين رفيعي المستوى، فضلاً عن فرض حظر دخولهم أراضي الاتحاد.
بدورها، أشارت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في مقال لها بعنوان “ممارسات ميانمار بحق مسلمي آراكان لا مبرر لها، إلى تواصل الظلم ضد أقلية الروهنجيا.
ودعت الصحيفة إلى إجبار عسكريي ميانمار ومتعاونيهم من المدنيين، للتراجع عما يقومون به من ممارسات ظالمة ضد مسلمي آراكان.
أما تركيا التي تواصل مساعيها لوقف الظلم الذي يتعرض له مسلمو آراكان عبر العمل على إيصال أصواتهم في جميع المحافل الدولية، فقد تكللت جهودها الحثيثة بالنجاح، إثر اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بأغلبية ساحقة، يدين بشدة انتهاكات حقوق الإنسان ضد مسلمي الروهنجيا، ويطالب بضمان محاسبة مرتكبيها وعلى رأسهم قادة عسكريون في جيش البلاد.
وكانت تركيا قد أشرفت بصفتها الرئيس الدوري لمنظمة التعاون الإسلامي على رعاية القرار الذي تم اعتماده، في اللجنة الثالثة للجمعية العامة وصوّت لصالحه 142 دولة، مقابل اعتراض 10 دول في مقدمتها الصين، وامتناع 26 دولة عن التصويت، وحظي بدعم من الاتحاد الأوروبي.
ومنذ أغسطس 2017، أسفرت جرائم تستهدف الأقلية المسلمة في آراكان، من قبل جيش ميانمار ومليشيات بوذية متطرفة، عن مقتل آلاف الروهنجيا، حسب مصادر محلية ودولية متطابقة، فضلاً عن لجوء مئات الآلاف إلى الجارة بنجلاديش، وفق الأمم المتحدة.