مشاعر متناقضة تعيشها السلطات المصرية وقوى المعارضة بعد أن وضعت معركة الاستفتاء على تعديل الدستور أوزارها، مساء أمس الإثنين، في انتظار إعلان نتائج حظرت “الوطنية للانتخابات” على وسائل الإعلام إعلان مؤشراتها.
ولكن الفرحة سيدة الموقف لدى الحكوميين بالتزامن مع زيادة جرعة الأمل لدى المعارضين والمقاطعين في بدء نضال جديد، لتمرر السلطات المصرية ما أرادت، وتبدأ المعارضة البناء على ما كان، وفق مراقبين.
استمرار النضال
وبحسب مصادر في الكتل المعارضة، فقد أكدت أن هناك أملاً جديداً تولد مع مواجهة الاستفتاء على تعديل الدستور، حيث اقتربت المسافات بشكل مميز بين كل قوى المعارضة في الداخل والخارج، وباتت المقاطعة والتصويت بـ”لا” يشكلان طريقاً واحداً يؤكد مواجهة السلطات الحالية.
وتوقعت المصادر التي تحدثت لـ”المجتمع” أن تشهد الفترة المقبلة توافقاً أكبر ومساحات عمل مشترك في ظل التوافق على وصف ما حدث بالبطلان، وهو ما يتطلب مواجهة موحدة، خاصة أن تركيبة القوى التي واجهت التعديلات هي نفس تركيبة الثورة في 25 يناير 2011؛ ما يعيد عقارب الساعة إلى أواخر عام 2010 بمصر.
وكشف الكاتب الصحفي وعضو “الجبهة الوطنية المصرية” قطب العربي عن أن النقاش حالياً بين قوى المعارضة في الخارج حول تحويل حملة “باطل” –المعارضة لتعديل الدستور- إلى منصة دائمة للحوار بين الفرقاء السياسيين، بهدف الوصول إلى مبادئ مشتركة ومشروعات عمل مشتركة تعزز التقارب بينهم، وصولاً إلى مشروع سياسي وطني جامع للتخلص من حكم العسكر واستعادة المسار الديمقراطي الذي أنتجته ثورة 25 يناير.
وأضاف في حديث لـ”المجتمع” أنه قبل الاستفتاء، ظهر شرخ كبير بين دعاة المقاطعة ودعاة التصويت بالرفض، ولكن ظهرت حملة “باطل” بمثابة نقطة التقاء (ولو مؤقتاً) للطرفين، حيث اعتبرت الحملة كلا الخيارين اجتهاداً وطنياً، وأن المساحة التي تجمع الجميع هي رفض هذه التعديات واعتبارها باطلة، ونجحت الحملة في استقطاب أصوات متنوعة بمئات الألوف، وهو أمر له ما بعده.
وشدد على أن الانتصار الذي حققه النظام من التعديلات على الدستور هو انتصار وهمي سيزيد من ثقة المناهضين له وصمودهم، فقد واجهوا قمع السلطة حين تخاذل أو صمت غيرهم، وقد دفعوا الثمن من أنفسهم وأموالهم وحريتهم، ولم يثنهم كل ذلك عن مواصلة مقاومتهم بطرق سلمية متنوعة، ستؤتي ثمارها بعد حين.
وأكد أستاذ العلوم السياسية البارز بجامعة القاهرة د. سيف عبدالفتاح هذا الشعور العام، معلناً من منفاه الاختياري في الخارج، استمرار النضال بناء على ما تأسس في معركة بطلان ما وصفها بـ”التعديات” على الدستور.
وقال عبدالفتاح على صحفته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: لا يقولن أحد أن التعديلات “التعديات” الدستورية ستمر أياً كانت الأمور، ولكن التعبير عن إرادة الشعب بقولة “باطل” لا يرتبط بتعديات دستورية ولا بموعد استفتاء.
وأضاف أن الحملة ستظل شاملة مستمرة دائمة تعبر عن معركة نفس طويل مع هذا النظام، وعن بطلان تأسيسه ابتداء وعدم شرعيته انقلاباً، وبطلان سياساته بيعاً وتفريطاً، فهي سياسات استبداد فاشي تتعلق بالترويع والتفزيع والإفقار والتجويع، مضيفاً أن حملة باطل مستمرة ما استمر هذا النظام الباطل، بحسب تأكيده.
وأكد القيادي الناصري بحزب تيار الكرامة تامر هنداوي، على صحفته بموقع التواصل الاجتماعي” فيسبوك”، أنه مهما كانت نتيجة الاستفتاء، فقد عرفت السلطات أن حجم الرفض كبير وسيكبر، وأن النتيجة التي سيعلنونها حتى لو لم تكن معبرة عن الواقع تعتبر بداية لبناء كتلة وطنية تدافع عن الحرية والعدل مهما كانت نتيجة الاستفتاء.
ويرى وكيل نقابة الصحفيين الأسبق خالد البلشي، في السياق نفسه، أن “صور “لا” التي ملأت “فيسبوك” وصفحات مواقع التواصل رسالة مهمة تعطي أملاً مهماً.. رسالة تقول: إننا نحتاج أن نبذل المزيد من الجهد بعد أن منح البعض الأمل.
من جانبها، قالت حملة “باطل” في بيان لها اطلعت عليه “المجتمع”: من اليوم أمست مصر بلا دستور، والشعب المصري لم يعد يعتبر هذا الدستور معبراً عنه، بعد أن أصبح دستوراً للفرد المتمثل في عبدالفتاح السيسي، ودستوراً للمؤسسة العسكرية التي أصبحت فوق الدولة وفوق إرادة عموم المصريين، بحسب ما قالت، وهو ما نفته المؤسسة العسكرية ورئاسة الجمهورية عادة في مواقف أخرى.
فرحة حكومية
في المعسكر الآخر، سادت فرحة عارمة في أوساط السلطة وأحزابها الموالية لها، واعتبرت وسائل الإعلام المملوكة للدولة والمقربة من النظام ما حدث انتصاراً كبيراً للنظام على خصومه في الداخل والخارج.
وأكد حزب الحرية المصري، برئاسة المتحدث باسم مجلس النواب د. صلاح حسب الله، أن نجاح استحقاق الاستفتاء على التعديلات الدستورية وخروجها بشكل ديمقراطي رائع يليق بمصر وشعبها منذ بداية الاقتراع وحتى نهايته.
وثمن حزب المؤتمر، برئاسة الربان عمر المختار صميدة، خروج الاستفتاء بشكل مشرف للدولة، موجهاً التحية للشعب والشرطة والجيش على ما بذلوه من جهد.
وأعرب المستشار محمود الشريف، نائب رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات، عن سعادته بالإقبال الكثيف من المواطنين على لجان الاستفتاء.
وهاجم من أسماهم “الحاقدين” دون أن يوضح من هم قائلاً، خلال مداخلة تلفزيونية، أمس الإثنين: “الاستفتاء يتم بمنتهى الشفافية والنظام والدقة، وبقول للكارهين والحاقدين على الوطن: موتوا بغيظكم اليوم”.
وثمنت رئيسة المجلس القومي للمرأة مايا مرسي مشاركة المرأة الحاشدة بحسب وصفها في الاستفتاء، لافتًة إلى أن هذا أظهر وجه مصر الحضاري المشرف أمام العالم، غير أن معارضين كانوا انتقدوا التركيز على الرقص النسائي أمام لجان الاقتراع.