يذكر أحد المشايخ الفضلاء أنه دعي مرة لتكريمه في أحد المراكز الإسلامية، وبعد أن خطب الجمعة وأدى الصلاة، قام رئيس المركز الإسلامي وأثنى على مناقب الشيخ الكريم الذي سيتم تكريمه اليوم، وكان بين الحضور وجهاء ونواب وغيرهم من علية القوم، وقال: سيكون التكريم اليوم جديداً من نوعه للشيخ الكريم، فلن يسلم الهدية له اليوم نائب في البرلمان، ولا وجيه من الوجهاء، بل سيسلمها رجل آخر، لا نعرفه لكن الله يعلمه.
فنظر الناس بذهول.. من سيكون ذلك الرجل؟!
ثم نادى وقال: فليقم أول من دخل المسجد.
تلفت الناس كلهم يمنة ويسرة يبحثون عنه، فناداه رئيس المركز باسمه ليرفع عنه الحرج، ففوجئوا برجل مغمور يقوم من بين الناس يسير خجلاً ويمشي على استحياء نحو رئيس المركز الذي طلب منه أن يسلم الشيخ هدية التكريم.
وبالفعل سلم الرجل الشيخ هديته، ثم عاد إلى مكانه تتبعته الأبصار والقلوب على السواء.
يقول الشيخ: وقفت أتفكر في هذا الموقف العجيب، فهذا الحدث البسيط يختزل مشهد الآخرة بامتياز، رجل مغمور لا يعرفه أحد، ومشاهير يجلسون في الصفوف الأولى يعرفهم كل واحد، لكن لما كان الاختيار وفق مطالب الآخرة لا الدنيا، قام المغمورون وقعد المشهورون.
ففي ميزان الله يسبق المغمور الصالح، ويتأخر المشهور الأقل منه صلاحاً، ففي الحديث: «إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة، اقرؤوا: (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا)» (متفق عليه).
يستطرد الشيخ معلقاً: من يومها وأنا أوقن أن الشرف الحقيقي هناك لا هنا، وأن الوجاهة وجاهة الآخرة قبل الدنيا، وأن يوم القيامة يوم المفاجآت، وأن الأسماء اللامعة في الدنيا ليس شرطاً أن تلمع في الآخرة، وأن كثيراً من الذين نظنهم منسيين أو خاملي الذكر اليوم، ستشنف أسماؤهم سمع أهل المحشر يوم يعاد ترتيب الأسماء، فانشغل بتسجيل اسمك في سجل الشهرة الخالدة، لا الشهرة الزائفة. انتهى.
رواية حقيقية ذكرها ذلك الشيخ ونشرها، ليؤكد للناس ما غفل عنه وهو العالم وحافظ القرآن، أن الخلاصة التعبدية في التقوى والإخلاص والتواضع وسلامة الصدر، فقد روى ابن ماجة عن عبدالله بن عمرو قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: «كل مخموم القلب صدوق اللسان».
قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: «هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد».
فمن أي القلوب نحن يا ترى؟!
***
كتب د. خالد أحمد الطراح مقالاً في جريدة «القبس» يصحح معلومة كتبتها في مقال سابق بعنوان «كواليس مؤتمر جدة الشعبي.. أحداث لا تنسى»، أن رئيس مؤتمر جدة هو العم عبدالعزيز الصقر فقط، ولم يكن هناك رئيس ثان.
أشكره على هذه الملاحظة، وما كتبته نقلاً من عدة رواة، ولعله التبس على البعض المعلومات بسبب بعد فترة المؤتمر لأكثر من ربع قرن، ويبقى العم عبدالعزيز الصقر، رحمه الله، رائد العمل السياسي والاقتصادي في الكويت، وتاريخه يشهد له، وهو الرئيس الشعبي لمؤتمر جدة، ولا خلاف على اتفاق أهل الكويت عليه، ونسأل الله الشفاء للعم يوسف الحجي.
_______________________________
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “الأنباء” الكويتية.