يرى باحث مغربي أن سلوك الأفراد خلال أزمة فيروس كورونا يحدد مستقبل مجتمعاتهم، وأن شهر رمضان يمثل فرصة للتضامن بين الناس في مواجهة الجائحة.
وفي مقابلة مع الأناضول، دعا رئيس مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بمدينة وجدة شرقي المغرب، سمير بودينار، إلى “التضامن بين المواطنين لمواجهة الفيروس، والنظر إلى روح الدين ومقاصده المتعلقة بحفظ النفس”.
ويضيف أن “كل ما يمكن أن يؤثر على هذا المقصد، أو يهدد النفس الإنسانية، ينبغي أن يمنع ويحارب، حتى لو كان في إطار الشعائر الدينية اليومية، كما وقع بالنسبة إلى منع صلاة الجمعة والجماعات”.
ويشدد رئيس المركز (غير حكومي) على أن “منع التجمع في المساجد ومنع العمرة، ووقف الطواف في مكة، إلى غير ذلك، انتصار لقيمة حفظ النفس”.
** وضع غير مسبوق
يصف بودينار، الظروف الاستثنائية التي يعيشها الإنسان عامة في زمن كورونا، بـ”الوضعية غير المسبوقة”.
ويتابع أن “الناس لم يتعودوا طوال التاريخ المعاصر الذي تشهده الأجيال الحاضرة، على هذا النوع الواسع من الإلزام بالحجر المنزلي والبقاء آناء الليل والنهار في البيت”.
ويضيف بودينار: “هذا الوضع مختلف ومغاير للحياة العادية للإنسان، وبالتأكيد ستكون له انعكاسات على سلوكه، وهو فعلا ما مكن من ملاحظة نمط من الاحتجاج والانضباط غير التام، بسبب أنه أمر غير معتاد لدى فئات واسعة، فنصف الإنسانية اليوم أو أزيد يعيش حالة الحجر الصحي”.
ويستطرد: “سلوك الإنسان في هذه الحالات قد تطبعه ردود الفعل أو التشنج في الالتزام، من خلال ما شهدناه بداية من تشكيك في جدوى الحجر المنزلي، أو محاولة التمرد عليه، أو بعض السلوكيات الفردية غير المسؤولة أو غير الواعية، التي نقضت هذا الحجر”.
** لحظة مسؤولية وتدبر
يشدد الباحث المغربي على أن “هذه لحظة مسؤولية تسمح للإنسان بالتدبر، وأن وجود الناس في هذه الحالة توقيف لدوامة الجري وراء الالتزامات طوال الوقت.. من أعمال ودراسة وغير ذلك”.
ويردف: “هذه لحظة تسمح للإنسان أيضا بتنمية وتقوية قدرته على التفاعل والنظر في مثل هذه الحالات، فالإنسانية تواجه اليوم أسئلة كبرى ووجودية ومستقبلية.. بسبب التغييرات التي ستطرأ على مستوى المجتمع”.
ويتابع بودينار: “الحجر الصحي فرض على الأسرة المكوث طوال الوقت في البيوت، وهو أمر طرح إشكالات على صعيد التواصل الأسري، وتفهم كل طرف للآخر.. والقدرة على ممارسة الأنشطة الجماعية بشكل مشترك داخل الأسرة.. وهذه اللحظة تتطلب تقوية الصلات بين أفرادها”.
** كورونا.. ورمضان
يعتبر بودينار، أن “الحديث عن حالة العالم الآن المطبوعة بهذا الوباء في شهر رمضان، هو حديث عن مسألة أساسية، وهي علاقة الدين بمثل هذه الظروف والأوضاع التي تعيش فيها الإنسانية مخاطر مشتركة، ويعيش فيها الإنسان حالة استثنائية”.
ويتابع: ما طبع علاقة الدين بالسلوك العام خلال أزمة كورونا كان بالأساس مفارقة، أو “تحديا بين الدين، باعتباره طقوسا وشعائر وعبادات يمارسها الإنسان بشكل شكلي، وغالبا بشكل جماعي، والدين باعتباره قيما وروح الدين ومقاصده التي تُعلي من قيمة الإنسان، وحفظ روح الإنسان باعتباره مقصدا كليا وجوهريا وأساسيا لرسالة الأديان كلها، ورسالة الإسلام بطبيعة الحال”.
ويردف: “صحيح أنه في الإسلام لا تعارض بين الأمرين. العبادات والطقوس هي في النهاية سبل للوصول إلى غاية الدين وقيمه، وتزكية الإنسان وتغيير سلوكه وأخلاقه نحو الأفضل، ليتمثل ويدرك بشكل أفضل هذه القيم”.
ويستدرك بودينار: “هنالك مَن بسبب، ربما قصر رؤية ونظر بقيم الدين، تمركز حول الجانب الشكلي والطقوس واعتبرها هي الأساس، الذي ينبغي الحفاظ عليه ولا ينبغي أن يُضيع”.
ويوضح: “في رمضان هناك سلوكيات عامة معروفة، ونمط سلوكي عام جماعي يطبع السلوك الاجتماعي، من حيث خريطته الزمنية والسلوكات اليومية، خلال فترة الإفطار وما بعدها والاجتماع في المساجد لأداء صلاة التراويح، واللقاءات العائلية، إلى غير ذلك”.
ويزيد أن “هذه الحالة الاجتماعية تواجه تحديا، هل ينتصر فيها الناس للقيم الجوهرية للدين وحفظ الإنسان وروحه وحماية الأمن والسلامة العامة للناس، أم يصرون فيها على الانتصار للجانب الآخر؟”.
ويعتبر أن “المستقبل يُصنع الآن.. الطريقة التي ستحيا عليها الإنسانية بعد كورونا تتحدد من خلال سلوك الإنسان الفرد في هذه اللحظة”.
ويختم بودينار، أن “شهر رمضان فرصة تبين انحياز الناس إلى التضامن ومساعدة بعضهم، والتركيز على هذه القيم التي تشتد الحاجة إليها في فترة كورونا، بدل التركيز على الخلافات وما هو شعائري وطقوسي”.
وحتى صباح الخميس، سجل المغرب 3446 إصابة بالفيروس، توفي منها 149، وتعافى 417.