شهدت الجزائر خلال الأيام الماضية حراكاً دبلوماسياً حثيثاً للوساطة في حل الأزمة الليبية، حيث تعاقبت وفود أطراف الصراع على العاصمة الجزائر؛ وفي هذا الإطار، استقبل الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، السبت الماضي، وفداً رفيع المستوى من حكومة الوفاق الوطني الشرعية التي يعترف بها المجتمع الدولي، على رأسه رئيس المجلس الرئاسي للحكومة فايز السراج.
وسبق زيارة السراج زيارة مماثلة قام بها رئيس مجلس برلمان طبرق عقيلة صالح، الذي قال عقب الزيارة في تصريح صحفي: إن الرئيس الجزائري سيبذل قصارى جهده للم شمل الليبيين، وجمعهم حول طاولة الحوار للوصول إلى حل طبقاً لمخرجات مؤتمر برلين.
وذكر التلفزيون الحكومي الجزائري أن زيارة السراج تأتي في إطار الجهود التي تبذلها الجزائر لإيجاد حل سلمي للأزمة الليبية، ونقل عن المتحدث باسم الرئاسة الجزائرية بلعيد محند أوسعيد، قوله: إن بلاده ترغب بممارسة دور الوسيط الذي يسعى للجمع بين الفرقاء في ليبيا، من دون أن ينحاز لطرف ضد آخر، أو أن ينتظر أموراً أخرى متعلقة بتطور الوضع العسكري في الميدان.
من جهتها، قالت الرئاسة الجزائرية، في بيان: إن الرئيس تبون جدد خلال المناسبتين موقف بلاده الثابت والداعي إلى الحوار بين الأشقاء الليبيين من أجل التوصل إلى حل سياسي، باعتباره السبيل الوحيد الكفيل بضمان سيادة الدولة الليبية ووحدتها الترابية بعيداً عن التدخلات العسكرية الأجنبية.
ومنذ مطلع العام الجاري، تجري الجزائر التي تتقاسم مع ليبيا نحو ألف كلم من الحدود، اتصالات مكثفة مع أطراف الصراع الليبي، في محاولة منها للمساهمة في الوصول لحل سياسي للنزاع الذي يهدد استقرار المنطقة، واستضافت اجتماعاً للدول المجاورة لليبيا مباشرة بعد مؤتمر دولي حول هذه القضية انعقد في العاصمة الألمانية برلين، تعهدت خلاله الدول المشاركة بدعم وقف لإطلاق النار، والالتزام بحظر تسليم الأسلحة لطرفي النزاع في ليبيا، وهو الاتفاق الذي لم ينفذه كل الأطراف.
تصريح حربي مصري
وفيما كانت الرئاسة الجزائرية تبحث مع رئيس الحكومة الشرعية سبل تحقيق السلام، أطلق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تصريحاً حربياً في خطاب ألقاه بقاعدة عسكرية قرب الحدود مع ليبيا، لوح فيه بإمكانية تدخل نظامه عسكرياً في ليبيا، مع إشارة إلى فتح الباب لتسليح القبائل وزجها في أتون الصراع السياسي.
وقال السيسي أثناء تفقده وحدات الجيش المصري بالمنطقة العسكرية الغربية في كلمة بثها “التلفزيون المصري”: إن أي تدخل مباشر من الدولة المصرية باتت تتوفر له الشرعية الدولية، سواء في إطار ميثاق الأمم المتحدة لجهة حق الدفاع عن النفس، أو بناء على السلطة الشرعية الوحيدة المنتخبة من الشعب الليبي، في إشارة إلى مجلس نواب طبرق الذي لا يعترف بسلطته المجتمع الدولي.
وأشار السيسي إلى أن أهداف هذا التدخل ستكون حماية وتأمين الحدود الغربية لمصر بعمقها الإستراتيجي، وسرعة استعادة الأمن والاستقرار على الساحة الليبية باعتباره جزءاً لا يتجزأ من أمن واستقرار مصر والأمن القومي العربي، على حد زعمه.
ويرى مراقبون أن تزامن تصريحات السيسي مع التحرك الجزائري لم يأت من باب المصادفة، بل جاء متعمداً بهدف التشويش على الوساطة الجزائرية.
وبهذا الصدد، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر وليد بودراع لـ”المجتمع”: في السياسة لا يوجد مصادفات، فمصر باتت على ما يشبه اليقين أنها بدأت تصبح خارج المعادلة الليبية، بعد أن سحق الدعم التركي قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وهي تنظر بعين الريبة إلى تحرك الجزائر، التي تحظى بثقة طرفي الصراع نظراً لحيادها الثابت في التعامل معه.
وأضاف بودراع: السيسي يدرك تماماً أن التحرك الجزائري جاء بتنسيق مع تركيا، حيث شهدت العلاقات التركية الجزائرية تطوراً كبيراً على كافة الأصعدة مؤخراً، وهناك توافق في الرؤى حول قضايا المنطقة خصوصاً دعم حكومة الوفاق الليبية، لذلك تنظر مصر إلى التحرك الجزائري على أنه استكمال للجهود التركية لوضع حد للصراع في ليبيا، وهذا ما يدفعها إلى العمل على إجهاض الوساطة الجزائرية.
وأشار إلى أن الجزائر تعمل على وقف الاقتتال الدائر في ليبيا، من خلال التنسيق مع أكثر من جهة دولية وإقليمية، ورغم أن الجهات الرسمية لم تعلن عن تفاصيل المبادرة الجزائرية، فإن المعلومات الخاصة تتحدث عن أنها تقوم على أربعة مبادئ رئيسة.
وتابع بودراع: المبدأ الأول: وقف دائم لإطلاق النار، يستند إلى آليات رقابة أممية، يمنع أي تصعيد جديد في المواجهات، والمبدأ الثاني: يدعو لعودة أطراف النزاع للتفاوض بدون شروط والتوصل لصيغة توافقية حول المسائل الخلافية.
واستدرك أستاذ العلوم السياسية: أما المبدأ الثالث: فيقر إجراء انتخابات عامة، يتم ترتيبها بالاتفاق دون أي إقصاء لأي طرف سياسي، وعدم الإقصاء هو المبدأ الرابع الذي يسعى لإشراك كل الليبيين في تحديد مستقبل بلادهم.
الرهان على الحصان الخاسر
ويتفق المحلل السياسي الليبي أحمد العمامي مع بودراع في أن تصريحات السيسي جاءت لتعطيل الوساطة الجزائرية.
وقال العمامي، لـ”المجتمع”: إن السيسي والأطراف الإقليمية الداعمة للواء المتقاعد خليفة حفتر اكتشفت في لحظة واحدة أنها راهنت على الحصان الخاسر، وأنها وضعت بيضها كله في سلة واحدة، لذلك وجدت نفسها أمام التحرك التركي في حالة ضياع كامل للاستثمار الذي وضعته في ليبيا.
وأضاف أن مصر ومعها الأطراف الإقليمية لا تريد التعامل مع حكومات منتخبة عبر صناديق الاقتراع، لآنها ستتعامل بندية في علاقاتها الدولية، وستعمل بمبدأ الكل رابح كما حصل في الاتفاق التركي مع حكومة السراج، لذلك دعمت وستضل تدعم أي شخصية عسكرية أو مدنية يمكن أن تكون دمية يسهل التلاعب بها.
وشكك العمامي في جدية تهديدات السيسي، وقال: مصر اليوم لا تمتلك القدرة على خوض حرب تقليدية في محيطها الإقليمي، بعد تراجع دور قواتها المسلحة من الذود عن الثغور إلى صناعة “الجمبري” (الروبيان)، فكيف ستخوض حرب استنزاف على شاكلة حرب اليمن، في ظل اقتصاد متهاوٍ، ونزيف مستمر في خاصرة سيناء الرخوة.
واعتبر تصريحات رئيس النظام المصري مناورة لإشغال الرأي العام المصري عن المشكلات الاقتصادية التي تنهك بلاده في ظل فشل في التعامل مع جائحة كورونا، وصرف نظر له عن أزمة سد النهضة التي تنذر بعطش قريب ينتظر مصر.
يذكر أن حكومة الوفاق الليبية اعتبرت تصريحات السيسي “إعلاناً للحرب”، وقالت في بيان أمس الأحد: إن التدخل في الشؤون الداخلية والتعدي على سيادة الدولة سواء كان من خلال التصريحات الإعلامية لبعض الدول كما حدث من قبل الرئيس المصري أو دعم الانقلابين والمليشيات والمرتزقة أمر مرفوض ومستهجن.
وأضافت أنها تذكّر الجميع بأنها الممثل الشرعي الوحيد للدولة الليبية، ولها وحدها حق تحديد شكل ونوع اتفاقياتها وتحالفاتها.
وتابع بيان الحكومة الشرعية الليبية: لقد كنا ومنذ سنوات ندعو للحل السياسي السلمي للأزمة، ومع بدء العدوان الغاشم كانت تقف عدة دول موقف المتفرج، وعندما انهزم مشروع الاستبداد نجد تلك الدول تتحدث عن الحوار والحلول السياسية بل وتهدد علناً بالتدخل العسكري.