طغت مشاعر الزهو والافتخار والاعتزاز غمرت اليوم كل التونسيين ولا سيما رواد هندسة الفضاء التونسيين لنجاح أول تجاربهم في “غزو الفضاء”، حيث تعالت أصواتهم، وصفقوا بحرارة مهنئين أنفسهم بإنجازهم الأول في تونس في مجال تكنولوجيا الفضاء، فلقد تمكنوا وهم نحو 20 مهندساً تونسياً نشأة وانتماء وتكويناً، من إرسال القمر الصناعي التونسي تصميماً وإنجازاً الذي اشتغلوا عليه، دون هوادة، لنحو 5 سنوات متتالية.
عملية التطوير
وأفاد المستشار الأول في المشروع محمد الجعيدان، في حديث لوسائل الأعلام بعد نجاح تجربة إطلاق القمر الصناعي، وكان من بين أفراد الفريق الذين تنقلوا إلى روسيا، وبقوا هناك 7 أشهر لتجميع وتركيب القمر الصناعي، بأن عملية التطوير تواصلت على مدى سنتين ونصف سنة قبل المرور إلى مرحلة التصنيع التي تم فيها اللجوء إلى بعض المزودين المحليين، وإلى باحثين في الجامعات التونسية بهدف تنمية المعارف والقيام بالدراسات الضرورية في المجال، ومن ثمّ المرور إلى التطبيق حيث تم تصنيع المكونات والبطاقات الخاصة بالقمر الصناعي كلها في تونس ونقلها إلى روسيا لإنهاء عملية التركيب هناك، وأن عملية التحضير كانت جيدة واعتمدت على كفاءات كبيرة في مجالات تخصصها، كما تم التشاور مع عديد الكفاءات الأخرى.
ثمرة جهد جماعي
وقال المهندس نزار شعبان الذي اشتغل على الاتصال بين القمر الصناعي “تحدي واحد” والمحطة الأرضية وتبادل المعلومات والتفاعلات بينهما: نجاح إطلاق “تحدي واحد” هو ثمرة جهد وتعب متواصل لمجموعة من المهندسين والشباب والكفاءات التونسية طيلة عدة سنوات ممن آمنوا بهذا الحلم، ورفعوا تحدي صنع أول قمر صناعي تونسي، وبالتالي دخلوا مع تونس في نادي الدول المصنعة لتكنولوجيا الفضاء.
وأوضح أنه في لحظة إطلاق القمر ودخوله إلى الفضاء الخارجي اختلطت الأحاسيس بين الفخر بالنجاح وزخم من الذكريات حول المراحل التي مر بها تصنيع القمر مع شعور بالاعتزاز بما تم إنجازه، مضيفاً قوله: تمكنا من اجتياز جميع المراحل بنجاح، وهناك مراحل تمت إعادتها عدة مرات حتى حققناها بنجاح، وهناك عديد الصعوبات التي مررنا بها، وخاصة على مستوى تحقيق الانسجام بين فريق متعدد الاختصاصات، ولكنه يعمل على مشروع واحد.
وذكر المهندس نزار شعبان أن المشروع مكّن كامل الفريق من مزيد توسيع خبراته في مجال الفضاء والأقمار الصناعية، كما بعث برسالة إلى الشباب مفادها أنه قادر على تنفيذ مشاريع في مختلف المجالات إذا توافرت الكفاءة والإرادة.
حلم تحقق
كان إرسال القمر التونسي إلى الفضاء وإلى وقت قريب حلماً يصعب تصديقه، كان مجرد فكرة تطورت شيئاً فشيئاً، ثم أصبحت بمثابة التحدي الذي يتعين رفعه رغم الصعوبات والعراقيل، وقد تسلح الرواد في ذلك كمهندسين بالإصرار والرغبة في إيجاد حلول لكل المشكلات الطارئة.
وقالت المهندسة، مريم الخليفي، لوسائل الإعلام عقب إطلاق القمر الصناعي التونسي بنجاح: هذا الإنجاز فخر لشباب تونس ولشباب التعليم العمومي، فالفريق المشتغل على هذا المشروع بدأه، دون أي تجربة في المجال، وهو أول تحدٍّ واجههم ما دفع الجميع إلى العمل والمثابرة والتعلم.
وتابعت: عملنا بعقلية الفريق الواحد، ومنذ البداية تمسكنا بالنجاح، ومن خلال الاختبارات على طول مرحلة الإنجاز كنا نتأكد يوماً بعد يوم أن المشروع سينجح، وتزداد ثقتنا في كفاءاتنا، إنه حلم تحقق.
وأوضحت المهندسة الشابة أن العمل على مشروع “تحدي واحد” تم في شكل مجموعات تتكون من فريق إلكترونيك وفريق ميكانيك واتصالات، وكان إسهامنا في المشروع يتمثل في تصميم البطاقات الإلكترونية التي تم وضعها في القمر الصناعي.
كوكبة من الأقمار الصناعية
وقالت المهندسة هيفاء التريكي: لقد أصبح الحلم واقعاً بالنسبة لمجموعة الشباب المهندسين المساهمين فيه وولّد أحلاماً أخرى وأهدافاً أكبر من ضمنها إرسال كوكبة من الأقمار الصناعية، وهذا هو حلمنا منذ بدأت العمل في الشركة مع انطلاق تنفيذ المشروع عام 2018، ولم أصدق عندما تم إعلامي بأن العمل سيكون على مشروع قمر صناعي إلا بعد عقد أول اجتماع تم فيه تفسير تفاصيل العمل.
وأردفت: 3 سنوات من العمل مرت في لمح البصر، كالحلم الجميل، ورغم الصعوبات التي اعترضتنا، فإن الإصرار كان قوياً، وتوصل فريق المهندسين إلى إيجاد حلول لكل العقبات أولاً بأول، ومن بين هذه العقبات حداثة هذا الاختصاص في تونس، إذ انطلق العمل بمرحلة الاكتشاف فالتجربة ثم التصنيع، في سابقة أولى في البلاد.
وأضافت: لم نشعر يوماً بأننا لن ننجح، لأن عملنا كمهندسين يفرض علينا أن نجد حلولاً لأي مشكل مهما كانت درجة تعقيده، وكان طموحانا أن نواصل في ميدان الفضاء لأنه مجال مغر جداً وآفاقه رحبة، ونطمح كفريق إلى العمل في مشاريع كبيرة وأكثر تعقيداً.
وقد بلغ القمر الصناعي التونسي مداره على بعد 550 كلم، وذلك عند حدود الساعة الحادية عشر و25 دقيقة و52 ثانية بالتوقيت المحلي كما كان مبرمجاً له، حسب ما أكدته وكالة الفضاء الروسية للرئيس المدير العام لمجمع تلنات صاحب المشروع محمد فريخة، الذي كان نائباً بالبرلمان عن حركة النهضة.