تخليداً لذكراهن، واحتفاء بمساهمة النساء التونسيات في الحياة العامة؛ أعد مجموعة من الباحثين الأكاديميين التونسيين كتاباً يضم أكثر من 100 شخصية نسائية كانت لهن بصمات على المجتمع التونسي من مواقع مختلفة.
وقد صدر الكتاب الذي يضم أكثر من 400 صفحة عن مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة “الكريديف” في الأيام القليلة الماضية، تحت عنوان” موسوعة النساء التونسيات.. مائة امرأة وامرأة”.
وثيقة تاريخية
واعتبر د. مبروك المناعي، مدير مدرسة الدكتوراه للآداب والإنسانيات بجامعة منوبة، عضو المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون (بيت الحكمة)، الذي تولى مهمة الإشراف العلمي على إنجاز العمل ومراجعته والتقديم له؛ اعتبره “وثيقة تاريخية مهمة تؤكد الدور الريادي والفعال الذي اضطلعت به المرأة في بناء مجد تونس وحضارتها”.
وبيّن أن الهدف من الكتاب تخليد ذكر الرائدات من نساء تونس اللواتي تميزن في مختلف المجالات عبر التاريخ القديم والحديث.
ويعد الكتاب الثاني من نوعه بعد كتاب “شهيرات التونسيات” للعلامة حسن حسني عبدالوهاب، وتبع ذلك تسمية شوارع بأسمائهن تخليداً لمسارهن.
والكتاب الجديد يضم الأسماء التي تضمنها كتاب العلامة حسن حسني عبدالوهاب، مع إضافة أسماء أخرى لنساء من مجالات مختلفة ممن اكتملت مسيرتهن.
ورأى الباحثون أن كتاب حسن حسني عبدالوهاب أصبح في حاجة اليوم إلى ما يكمّل المشروع الذي بدأه صاحبه، وذلك باستدراك ما قبله وبإضافة ما بعده، وذلك بعد الاتفاق على أن تكون الأسماء التي تضمنتها الموسوعة متوفيات ليكون مسارهن اكتمل وإنجازهن دخل التاريخ.
مائة امرأة وامرأة
العنوان المضاف يذكر بكتاب “ألف ليلة وليلة” الذي يحتفي به الغرب، ويحاول صبغ رواياته على التاريخ العربي الإسلامي، وهو محاكاة لكتاب صدر منذ بضع سنوات في لندن رداً على ذلك الاختزال للتاريخ والثقافة والحضارة وحمل عنوان “ألف اختراع واختراع”، ضم أسماء العلماء المسلمين في القديم والحديث.
وكتاب “مائة امرأة وامرأة” جمع رمزي، لا يعني حقيقة رقميته وإنما يعني الكثرة المنفتحة بواسطة حلقات القلة، ويحمل دلالة مفادها أن التونسيات اللاتي يستأهلن الخلود في ذاكرة الشعب التونسي ووجدانه الجمعي كثير عديدهن.
كما أن حجم المشروع واتساع مداه وتشعب مادته بحكم تنوع المجالات التي برزت فيها ريادة المرأة في تونس، واقتضى توزيع مواد العمل (المداخل التعريفية) على نخبة من الجامعيات والجامعيين.
وقد بلغ عدد الأساتذة أعضاء اللجنة العلمية العشرة، وهم أم كلثوم بن حسين (منسقة محور العلوم التجريبية والطبية)، ومنجي بورقو، وزهية جويرو (منسقا محور الحضارة والتاريخ)، ونور الدين الدقي، ومنيرة شابوتو الرمادي، وسامية القصاب الشرفي (منسقو محور الالتزام والنضال في الحياة العامة)، وفاروق العمراني، وسنيا مبارك (منسقا محور الآداب والفنون)، ومحمد محجوب، وسلسبيل القليبي (منسقا محور العلوم الاجتماعية والقانونية)، وتولى تحرير النصوص الخاصة بكل هذه المحاور ومراجعتها ستون باحثاً وأستاذاً جامعياً من مختلف الاختصاصات.
كتابهن جميعاً
موسوعة “نساء تونس الخالدات” في الذاكرة الثقافية والسياسية والاجتماعية” لا تعني -كما ذكر معدو الكتاب- تلك الشخصيات المؤثرة، وإنما تعني كل النساء اللاتي يفتخرن ببنات جنسهن، عندما يدرسن آثارهن، واللواتي تجلت نجابتهن فيما أنجبن “جداتنا وأمهاتنا وعماتنا وخالاتنا وجاراتنا ومعلماتنا وسيداتنا.. اللواتي أنجبن شعبنا.. جميع النساء اللائي ينسى كثير من الرجال أنهم منه”.
وبالتالي هي موسوعة كل التونسيات “أي اللواتي عشن بها ولم يرضين بغيرها وطنا، والتونسيات اللواتي ولدن بها ثم أبعدن عنها وبقي فيهنّ شيء منها، بصرف النظر عن الأصل والعرق والدين واللون والطبقة وغيرها”.
مختلف التوجهات
ضم الكتاب أسماء كثير من النساء التونسيات، وميزة الكتاب أنهن نساء مختلفات جداً في الاتجاهات والخيارات والأهواء والرغبات ومتباينات في الحظوظ؛ فنجد منهن الملكة والأميرة والسيدة الوجيهة المرموقة، وفيهن عاملة المناجم، وكذلك العالمة والفنانة، وفيهن الأمية والمجاهدة التي عاشت بجسد امرأة وروح أسد.
ويجد المتصفح لهذه الموسوعة رسوماً للوحات فنية جميلة بريشة كل من الفنانتين أمينة بالطيب، ودرة البرجي، رافقت النصوص التي تعرّف بشهيرات التونسيات في هذا المؤلف الجديد على غرار آمنة أم الأمراء، وزكية باي من الدولة الحسينية، والجازية الهلالية، والكاهنة وأروى القيروانية، وعلياء ببو، وزبيدة بشير، ووحيدة بلحاج، وأسماء بلخوجة الرباعي، وهايدي شكيلي تمزالي، ومجيدة بوليلة، وآسيا غلاب، وبشيرة بن مراد، وتوحيدة بن الشيخ، وإيفات حداد، وفتحية مزالي، ومفيدة التلاتلي، وصليحة، وفضيلة ختمي، وعليّة، والزهرة فائزة، وزبيدة عميرة.
كما تضمنت الموسوعة عدداً من الأسماء التي فارقتنا في السنوات الأخيرة، من بينهن المحامية جيزال حليمي، ونقيبة الصحفيين نجيبة الحمروني، والناشطة الحقوقية لينا بن مهني، والرسامة والمصممة ليلى المنشاري، والقاضية نورة بن جراد.
وتضمنت كذلك أسماء لمختصات في الهندسة المعمارية على غرار هند مرابط، وهالة بوسمة.
ومن السياسيات الراحلات مؤخراً تضمنت الموسوعة اسم المناضلة السياسية محرزية العبيدي، وهي من أهم الشخصيات النسائية التونسية ذات المرجعية الإسلامية التي تبوأت مكانة مهمة في الحياة السياسية في تونس في السنوات الأخيرة منذ ما قبل الثورة إلى وفاتها، والعالمة هند شلبي، وكذلك مية الجريبي.
يقر معدو الكتاب أن المضمون رغم الحرص على الالتزام باتزان المواقف وموضوعية الرأي إلا أن ذلك يبقى أمراً نسبياً، بقطع النظر عن نية العمل، وهو تكريم للمرأة التونسية أياً كان انتماؤها الفكري أو غيره.
وفي النهاية، فالكتاب ليس نهاية المطاف، فهو يبقى قوساً مفتوحاً للرائدات ممن أسقطتهن الترجمة لهن في الكتاب أو اللاحقات في الحاضر والمستقبل، وهو قابل للإثراء في المستقبل بصلب الكتاب أو بشكل مواز له.