في مساء الخميس 21 أكتوبر الجاري، صعدت روحه إلى السماء في هدوء عن عمر ناهز 86 عاماً، تشيعها دعوات العارفين بقدرها، التي جمعت بين التيارات في مصر في لحظة نادرة، وفاء لحياة حافلة وصاخبة بعض الأحيان تفاعل معها بكل ما يملك صاحبها د. حسن حنفي، أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة.
والراحل مؤسس ما يعرف في التاريخ الثقافي المصري بـ”تيار اليسار الإسلامي”، وأحد المفكرين المعاصرين من أصحاب المشروعات الفكرية العربية القلائل الذين قدموا نقداً ذاتياً لأبرز أفكارهم، واشتغل، بحسب شهادات، على القرآن الكريم في أواخر أيامه، منحازاً للقيم وللناس.
وتصدر نعي الراحل مواقع التواصل الاجتماعي بمصر، والحسابات الرسمية للعديد من قيادات الرأي والثقافة والتيارات في مصر، سواء الإسلامية أو اليسارية أو الليبرالية، وفق رصد مراسل “المجتمع”.
– مؤسس “مدرسة اليسار الإسلامي” ومفكر بارز
مفكر ثقيل
شيخ الأزهر د. أحمد الطيب كان في مقدمة الناعين، حيث نعى الراحل على حسابه الرسمي وحساب مشيخة الأزهر على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.
وقال الطيب: رحم الله أ.د. حسن حنفي، أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة، الذي قضى عمره في محراب الفكر والفلسفة، وزخرت المكتبات العربية والعالمية بمؤلفاته وتحقيقاته، وأذكر له مطالبته الغربَ والمستشرقين بإنصاف الشرق والحضارة الشرقية والقيم الإنسانية النبيلة، رحم الله الفقيد، وتغمده بواسع رحمته ومغفرته، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان.
ووصف د. خالد فهمي، أستاذ الأدب والرئيس الأسبق لدار الكتب والوثائق القومية بمصر، وصف الراحل بأنه “مفكر كبير”، يبقى منه روحه الوطنية الوثابة التي كانت متعلقة باستعادة مصر لسابق مجدها ومحبته للقرآن الكريم واشتغاله عليه في آخر أيامه، فيما دعا له بالرحمة والمغفرة.
ونعى أستاذ العلوم السياسية د. خيري عمر، الراحل قائلاً: رحم الله سبحانه وتعالى الفيلسوف د. حسن حنفي، تعرفت عليه عبر أنشطة الجمعية الفلسفية ومشاريعه الفكرية، التي تمثل جزءاً مهماً في الفكر المعاصر.
ووصف الأكاديمي الإسلامي البارز د. كمال حبيب الراحل بأنه مجتهد كبير بلا ريب، وللمجتهد أجر إن أخطأ وأجران إن أصاب، والله حسيبه وهو وليه يتولاه بلطفه ورحمته وعفوه.
– نعاه شيخ الأزهر وإسلاميون ويسار وليبراليون
وقال، في تعليقه على رحيله: أدهشني جداً تأثير حسن حنفي على الفكر الديني في تركيا خاصة كليات أصول الدين التي تتبنى منهجاً فلسفياً وعقلانياً وكلامياً أكثر منه منهجاً نقلياً سلفياً، وكمهتم بالفلسفة تابعت حواراته مع محمد عابد الجابري، ثم حوارات جورج طرابيشي مع الجابري حول المشرق والمغرب، واقتنيت كثيراً مما كان يقابلني من كتبه فأقتنيه وأطالعه، ومنها مجلة “اليسار الإسلامي”، ودعوته لتيار تقدمي يجمع بين قيم العدالة والحرية وقيم الإسلام، وأظنها العدد الوحيد الذي خرج للتعبير عن هذه الفكرة ولم يقدر له النجاح.
وأضاف أنه باعتباره فيلسوفاً مشتغلاً بالفلسفة، فإنه دخل في دهاليزها وآفاقها حتى تاه في سراديبها، ومن ثم سيظل علامة من علاماتها، ولكنه سيظل أيضاً موضوعاً للاختلاف والتنازع وربما الشقاق مع الذين ينظرون للفلسفة على أنها عمل من أعمال الشقاق مع علوم الدين.
مثقف منحاز للناس
وقدم صحفيون بارزون بمصر شهادتهم بجانب نعيهم للراحل، مؤكدين بحكم تعاملهم واشتباكهم مع حياته أنه يشكل علامة فارقة في النقد والنزاهة وعدم التبرير للقهر أو الظلم.
وأكد مدير تحرير صحيفة “الأهرام” الأسبق الكاتب الصحفي كارم يحيي، أن مصر تودع مفكراً وأستاذ الفلسفة المرموق والمثقف المنحاز للناس، علَّم أجيالاً فضائل التفكير النقدي وإعلاء العقل والاستقلالية عن السلطة والاستقامة.
وأضاف أن مواقفه المحترمة في مواجهة السلطة الغشوم والعدوان على الحريات وحقوق المواطنين مضيئة ناصعة إلى آخر ما جاهر به وكتب ونشر، ويكفيه أنه لم يبرر يوماً لظلم أو قهر.
– طالب الغرب بإنصاف الشرق وحضارته والقيم النبيلة
واعتبر الكاتب الصحفي عبدالله الطحاوي موت د. حسن حنفي، وقبله المؤرخ د. قاسم عبده قاسم، والمفكر الكبير المستشار طارق البشري في عام واحد خسارة فادحة، مؤكداً أن هؤلاء من الذين احترموا أنفسهم ونأوا بروحهم وأقلامهم عن انحطاط النخبة وعتوها، وبذلك مصر تفقد أعظم عقولها وضمائرها.
وأضاف أنه طالع قبل أيام كتاباً للراحل بعنوان “من النقل إلى الإبداع”، فوجد في مقدمة الكتابة نقداً من قبله لمشروعه خصوصاً مجموعته من العقيدة إلى الثورة، حيث نقد الرجل منهجه وتطويلاته وغياب التحليل والتوازن والإطناب بلا داع، وتحدث عن عزوف القارئ عن الكتاب، بطريقة غير معتادة في الحياة الثقافية المصرية التي يسودها التعالم والتعالي والنفخة الكاذبة التي صرفت عنها المحيط العربي بشكل يؤكد أن د. حسن حنفي من أواخر العقول المصرية المحترمة التي يعرفها العالم العربي.
ووصف الكاتب الصحفي محمد فهيم الراحل بأنه فيلسوف كبير، ونموذج عملاق للفكر والفلسفة والعلم.
وحصلَ الراحل على عدة جوائز في مصر وخارجها، مثل: جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية 2009، وجائزة النيل فرع العلوم الاجتماعية 2015، وجائزة المفكر الحر من بولندا.