ربما تكون من المرات القليلة، إن لم تكن نادرة، التي لم يتفاعل معها الشارع المصري بحراك على الأرض مع قضية فلسطين والمسجد الأقصى، عقب ما جرى مؤخراً من اقتحامات واعتداءات متكررة، وهو ما أرجعه خبراء إلى القبضة الأمنية الشديدة والقمع الذي يستخدمه الأمن المصري تجاه أي فعاليات بالشارع، سواء فيما يخص قضايا داخلية أو خارجية ومن بينها القضية الفلسطينية.
وللتدليل على ما ذهبوا إليه أشاروا، في تصريحاتهم لـ”المجتمع”، إلى واقعة حبس الشاب المصري الذي رفع علم فلسطين بالمدرجات في إحدى مباريات كرة القدم وتم حبسه لفترة طويلة، كواقعة تدل على القمع والبطش لأي محاولة للتضامن مع هذه القضية، خاصة من جانب الأحزاب والنقابات التي كانت الحاضنة لهذه القضية، سواء بالتحرك الشعبي أو أعمال الإغاثة الإنسانية أو صدور قرارات بمنع التطبيع مع الكيان الصهيوني.
ومؤخراً، تم رصد غياب تام للمجتمع المدني وعلى رأسه الأحزاب والنقابات عن التفاعل مع القضية الفلسطينية، رغم أنها كانت الحاضنة لها والمنظمة للفعاليات التي تدعو للتضامن معها أو تسيير القوافل للتضامن مع غزة والفلسطينيين، إلا أنها غابت بشكل لافت مؤخراً عن قضية “الأقصى”، فلا بيانات أو فعاليات باستثناء حزب المحافظين الذي أصدر بياناً يستنكر فيه ما يجري.
القمع والتحالفات وراء غياب أي تحرك
في سياق تعليقه، قال الأمين العام المساعد للمجلس الأعلى للصحافة سابقاً قطب العربي: إن ما تشهده من فراغ الشارع من أي فعاليات للتضامن مع الشعب الفلسطيني سببه الرئيس هو ما ينتهجه النظام المصري من قمع شديد بالطبع، وهو ما يمنع أي نقابة أو نقابيين من تنظيم أي فعالية للتضامن مع يجرى بالأراضي الفلسطينية المحتلة وخاصة “الأقصى”؛ لأن هناك تهمة جاهزة سوف تلصق بهم وهي الإرهاب، فضلاً عن أن من يديرون النقابات الآن ليس لديهم أي حماس لأي تحرك وإن كان الأساس هو الخوف والترهيب.
ويضيف العربي، في حديثه لـ”المجتمع”: بالتأكيد كل ما سبق يمنع أي تضامن مع القضية الفلسطينية التي كانت قضية مركزية لكل النقابات، مشيراً إلى قرارات منع التطبيع بالنقابات المصرية، وهي سارية حتى الآن، لافتاً لبعض محاولات التدخل في هذه القرارات لتغييرها ولكن فشلت وإن كان هناك خروقات ولكن تبقى محدودة.
وأضاف: أما على مستوى الحراك في الشارع، فإن الوضع العام لا يسمح بذلك، خاصة في ظل تقارب كبير بين السلطة بمصر والكيان الصهيوني، حيث وصل الأمر لتحالفات بين مصر ودول عربية أخرى من ناحية، والكيان الغاصب من ناحية أخرى.
كلفة التحرك سبب خوف الناس
ومن جانبه، أكد أمين نقابة الصيادلة السابق أحمد الحوفي ما ذهب إليه العربي، وهو أن القمع والاستبداد وانعكاساتهما على النقابات سبب هذا الواقع، مذكراً بواقعة الشاب الذي قام برفع علم فلسطين في إحدى المباريات وتم القبض عليه وسجنه لمدة طويلة، فقط بسبب تعاطفه مع قضية عادلة لشعب شقيق محتل.
وأضاف الحوفي، في حديثه لـ”المجتمع: بالإضافة إلى أن كلفة هذه التحركات عالية حال خروج أي فعاليات من النقابات، مؤكداً أنه يمكن التماس العذر للناس في ظل الكلفة الكبيرة التي يمكن أن يدفعها سجناً وقمعاً إذا ما قاموا لأي تحرك.
وأشار في نهاية كلامه إلى الأجواء التي كانت تسود مصر في مثل هذه الأحداث قائلاً: كانت القاهرة تنتفض وتعج بالمؤتمرات والمظاهرات، فضلاً عن لجان الإغاثة، وكان هناك تحرك شبه رسمي وتحركات من النقابات لحث المسؤولين للقيام بواجبهم تجاه قضية فلسطين.
بديل الفضاء الإلكتروني
بدوره، قال رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام (تكامل مصر) مصطفى خضري: كانت التيارات الإسلامية هي أكبر الداعمين للقضية الفلسطينية، وقد استخدموا تواجدهم في النقابات والتكتلات السياسية لدعم القضية، ولكن هؤلاء الآن بين قتيل وسجين ومطارد، وفي الجهة المقابلة، سعت السلطة منذ استيلائها على الحكم إلى التقرب للكيان الصهيوني على حساب القضية الفلسطينية، ولم تألُ جهداً في محاولة إطفاء جذوتها في الشارع المصري وسلكت في ذلك كل السبل، فما بين ترهيب أبناء التيار الإسلامي بالقتل والسجن، أو ترغيب البعض خاصة العلمانيين واليساريين الذين كانوا يدعون تأييدهم للقضية.
وأضاف، في حديثه لـ”المجتمع”: لكن في المقابل، الأمر أصبح أكبر من تلك الكيانات الكرتونية الحالية من أحزاب ونقابات التي تم تفريغها من أصحاب القضية، فالفضاء الإلكتروني بات المتنفس الأقل تكلفة والأكثر تأثيراً من الشارع، خاصة أن المصريين يمثلون أكثر من ربع الناطقين بالعربية، وأي توجه يتخذونه في “السوشيال ميديا” يصبح توجهاً عالمياً، ويترك صداه المؤثر في كل الجبهات.
وأوضح: قديماً كانت فعاليات الشارع تأثيرها ضعيف على المستوى الدولي ولم تكن قادرة على حشد الرأي العام العالمي، أما الآن فكل حدث يمس القضية الفلسطينية يحوله المصريون لـ”تريند” له أثر مرعب على الكيان الصهيوني، خاصة وأنه أسرع انتشاراً وتأثيراً من الفعاليات التقليدية.