تواجه أوروبا أزمة في الطاقة حتى من قبل أن يتوقف خط أنابيب “نورد ستريم 1” الممتد من روسيا إلى ألمانيا من أجل الصيانة الدورية، وبينما كانت هناك إشارات على أنه من المحتمل أن يتدفق بعض الغاز على الأقل اليوم الخميس الماضي، إلا أن هذا لا يزال غير مؤكد وقد استعد المسؤولون الحكوميون لاحتمال عدم إعادة تشغيل خط الأنابيب الرئيس كما هو مقرر.
يقولون: إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستخدم الطاقة للضغط السياسي في صراعه مع الاتحاد الأوروبي بشأن أوكرانيا، وقد خفضت روسيا بالفعل تدفقات الغاز الطبيعي لأوروبا التي تستخدم في تشغيل المصانع وتوليد الكهرباء وتدفئة المنازل في الشتاء، ويحذر بوتين من أنها قد تستمر في التقلص.
وتم قطع عمليات التسليم عبر “نورد ستريم 1” بنسبة 60% قبل بدء الإصلاحات، حتى إذا أعيد تشغيل خط الأنابيب عند مستويات منخفضة، فستكافح أوروبا للحفاظ على دفء المنازل وتشغيل المصانع هذا الشتاء.
وفيما يلي معلومات أساسية يجب معرفتها حول أزمة الطاقة:
هل قطعت روسيا الغاز عن أوروبا؟
لقد خفضت الإمدادات، بالفعل، بشكل كبير، حتى قبل غزو أوكرانيا، ولم تكن روسيا تبيع الغاز في السوق الفورية قصيرة الأجل، وبعد أن فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات صارمة على البنوك والشركات الروسية وبدأ في إرسال أسلحة إلى أوكرانيا، قطعت روسيا الغاز عن 6 دول أعضاء وخفضت الإمدادات إلى 6 أخرى.
فتراجعت التدفقات إلى ألمانيا، أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، عبر “نورد ستريم 1” بمقدار الثلثين، حيث ألقت روسيا باللوم على الجزء الذي تم إرساله إلى كندا للصيانة ولم تتم إعادته بسبب العقوبات.
ورفض زعماء أوروبا هذا الادعاء قائلين: إنه مناورة سياسية انتقاما للعقوبات، وتركت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة تتدافع لملء مخزون الغاز قبل الشتاء، عندما يرتفع الطلب وتقلص شركات المرافق احتياطياتها للحفاظ على دفء المنازل وتشغيل محطات الطاقة.
هدف الاتحاد الأوروبي هو استخدام كميات أقل من الغاز الآن لبناء مخازن لفصل الشتاء، وقد امتلأت احتياطيات الغاز في أوروبا بنسبة 65% فقط، مقارنة بهدف 80% بحلول الأول من نوفمبر.
لماذا يعتبر الغاز الطبيعي الروسي مهمًا جدًا؟
كانت روسيا تزود أوروبا بنحو 40% من الغاز الطبيعي لأوروبا قبل الحرب، وقد انخفض ذلك إلى حوالي 15%، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار إلى مستويات عالية وتسبب في إجهاد الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة.
يُستخدم الغاز في مجموعة من العمليات التي لا يراها معظم الناس أبدًا؛ فيستخدم في تشكيل الفولاذ لصناعة السيارات، وصنع الزجاج، وبسترة الحليب والجبن.
وفي هذا الصدد، تحذر الشركات من أنها لا تستطيع في كثير من الأحيان التبديل بين عشية وضحاها إلى مصادر طاقة أخرى مثل البترول أو الكهرباء لإنتاج الحرارة، ففي بعض الحالات، تتلف المعدات التي تحتوي على معدن أو زجاج مصهور في حالة إطفاء الحرارة.
وتهدد أسعار الطاقة المرتفعة بالفعل بالتسبب في الركود في أوروبا من خلال تضخم قياسي، حيث يكون لدى المستهلكين القليل للإنفاق مع ارتفاع تكاليف الغذاء والوقود والمرافق.
ويمكن أن يوجه قطع كامل للغاز ضربة أقوى للاقتصاد المضطرب بالفعل.
ما هو خط أنابيب “نورد ستريم 1″؟
هو خط أنابيب الغاز الطبيعي الأوروبي الرئيس الذي يمتد تحت بحر البلطيق من روسيا إلى ألمانيا، وهو المصدر الرئيس للغاز الروسي في ألمانيا.
غرد رئيس منظم الشبكة في ألمانيا، كلاوس مولر أن شركة غازبروم الروسية المملوكة للدولة قد أخطرت بخطط تسليم ما قيمته 530 جيجاوات ساعة من الغاز عبر “نورد ستريم 1″، يوم الخميس الماضي، حوالي 30% من سعة خط الأنابيب، وانخفض من حوالي 800 جيجاوات ساعة حسب إخطارها قبل ساعات، وأشار إلى أنه “من الممكن إجراء المزيد من التغييرات”.
في الأيام التي سبقت الإغلاق لأغراض الصيانة، كانت إمدادات الغاز تعمل بحوالي 700 جيجاوات ساعة في اليوم.
وقال المحللون في “ريستاد إنرجي”: إنه إذا ظل خط “نورد ستريم 1” خامدًا، فإن أوروبا ستصل إلى حوالي 65% فقط من سعتها التخزينية، مما يخلق خطرًا حقيقيًا بأن الغاز قد ينفد خلال موسم التدفئة.
3 خطوط أنابيب أخرى تنقل الغاز الروسي إلى أوروبا، لكن تم إغلاق خط واحد يمر عبر بولندا وبيلاروسيا، وآخر، عبر أوكرانيا وسلوفاكيا، لا يزال يجلب كميات مخفضة من الغاز على الرغم من القتال، كما هو الحال للخط الذي يمر عبر تركيا إلى بلغاريا.
ما هي لعبة بوتين؟
على الرغم من أن مصدري النفط والغاز في روسيا يبيعون كميات أقل من الطاقة، فإن ارتفاع الأسعار يعني أن أرباح بوتين قد زادت بالفعل، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، وتقول وكالة الطاقة الدولية ومقرها باريس: إنه منذ الغزو تضاعفت عائدات روسيا من تصدير النفط والغاز إلى أوروبا مقارنة بالسنوات الأخيرة لتصل إلى 95 مليار دولار.
والزيادة في عائدات روسيا من الطاقة في الأشهر الخمسة الماضية فقط هي 3 أضعاف ما تحققه عادة من خلال تصدير الغاز إلى أوروبا خلال شتاء كامل.
لذا، فإن لدى بوتين سيولة نقدية وقد تعوض فواتير الخدمات المؤلمة وركود الطاقة يمكن أن يقوض الدعم العام لأوكرانيا في أوروبا ويزيد من الشعور بأهمية التوصل إلى تسوية تفاوضية لصالحه.
ويقول المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول: بناء على ما رأيناه خلال العام الماضي، سيكون من غير الحكمة استبعاد احتمال أن تقرر روسيا التخلي عن الإيرادات التي تحصل عليها من تصدير الغاز إلى أوروبا من أجل كسب النفوذ السياسي.
وقد صرح بوتين أن كمية الغاز التي يتم ضخها عبر “نورد ستريم 1” ستنخفض أكثر من 60 مليون متر مكعب لتصل إلى 30 مليون يوميًا، أو حوالي خُمس طاقتها، إذا لم يكن التوربين الذي تم إرساله إلى كندا للإصلاح سريعًا وقالت كندا: إنها أعادت الجزء قد تم استبداله، لكن ألمانيا رفضت الكشف عن مكانه.
وقال بوتين للصحفيين الروس، يوم الثلاثاء الماضي، خلال محادثات في طهران مع زعماء إيران وتركيا: يحاول شركاؤنا تحميل المسؤولية عن الأخطاء التي ارتكبوها لروسيا وغازبروم، لكن هذا لا أساس له على الإطلاق.
ما الذي يمكن أن تفعله أوروبا؟
تحول الاتحاد الأوروبي إلى غاز طبيعي مسال أعلى تكلفة، لأنه يأتي عن طريق السفن من أماكن مثل الولايات المتحدة وقطر، وتسارع ألمانيا في بناء محطات استيراد الغاز الطبيعي المسال على ساحل بحر الشمال، لكن ذلك سيستغرق سنوات، سيتم تشغيل أول محطة استقبال عائمة من بين أربع محطات استقبال عائمة في وقت لاحق من هذا العام.
لكن الغاز الطبيعي المسال وحده لا يمكنه سد الفجوة، حيث تعمل منشآت تصدير الغاز الطبيعي المسال في العالم بكامل طاقتها وسط أسواق طاقة ضيقة، ولا يوجد المزيد من الغاز الذي يمكن الحصول عليه، أدى انفجار في محطة أمريكية في فريبورت، تكساس، إلى إرسال معظم غازها إلى أوروبا، وتوقف 2.5% من إمدادات أوروبا بين عشية وضحاها.
الترشيد ومصادر الطاقة الأخرى هي المفتاح، فعلى سبيل المثال، تقوم ألمانيا بتشغيل محطات الفحم لفترة أطول، وإنشاء نظام غاز يهدف إلى تشجيع الترشيد، وإعادة ضبط منظمات الحرارة في المباني العامة.
اقترح الاتحاد الأوروبي، يوم الأربعاء الماضي، على الدول الأعضاء خفض استخدام الغاز طواعية بنسبة 15% خلال الأشهر المقبلة، وتسعى المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، إلى الحصول على سلطة فرض تخفيضات إلزامية إذا كان هناك خطر حدوث نقص حاد في الغاز أو ارتفاع الطلب بشكل استثنائي.
وستناقش الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الإجراءات في اجتماع طارئ لوزراء الطاقة، يوم الثلاثاء المقبل.
والدول تتدافع لتأمين إمدادات الطاقة البديلة، حيث أبرم قادة إيطاليا وفرنسا والاتحاد الأوروبي صفقات مع نظرائهم في الجزائر وأذربيجان والإمارات العربية المتحدة هذا الأسبوع.
هل يمكن للناس أن يتجمدوا في الشتاء القادم؟
من غير المحتمل أن تفقد المنازل والمدارس والمستشفيات الحرارة لأن الحكومات مطالبة بفرض التقنين أولاً على الشركات، يمكن للحكومة الألمانية أيضًا السماح لموردي الغاز بنقل الزيادات على الفور إلى العملاء.
يمكن أن تشمل الخيارات نسف الصناعة و/ أو إغراق المستهلكين بفواتير أعلى.
إذا تم استئناف “نورد ستريم 1” بمستويات منخفضة، فستحتاج أوروبا إلى توفير 12 مليار متر مكعب من الغاز، أي ما يعادل 120 ناقلة غاز طبيعي مسال، لملء مستويات التخزين بحلول الشتاء، توصي وكالة الطاقة الدولية الدول الأوروبية بتكثيف حملات الناس للحفاظ على الغاز في المنازل والتخطيط لمشاركة الغاز في حالات الطوارئ.
وسيعني القطع الكلي مزيدًا من الحاجة إلى الترشيد، والوقت يقصر.
يقول بيرول: يتعين على القادة الأوروبيين الاستعداد لهذا الاحتمال الآن لتجنب الضرر المحتمل الذي قد ينجم عن استجابة مفككة ومزعزعة للاستقرار، يمكن أن يصبح هذا الشتاء اختبارًا تاريخيًا للتضامن الأوروبي -اختبار لا يمكن أن يفشل- مع تداعيات تتجاوز بكثير قطاع الطاقة.
_______________________
المصدر: “أسوشيتد برس”.