على مدى يزيد عن 10 ساعات تخللتها بعض فترات الراحة للصلاة وجه الادعاء العام بمحكمة مكافحة الإرهاب بتونس العاصمة العديد من الأسئلة عن علاقات زعيم حركة النهضة ورئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي ببعض رجال الأعمال التونسيين في الخارج وبعض الأنظمة العربية ولا سيما دولة قطر وقد أجاب الغنوشي على تلك الأسئلة التي تضمنها ملف وشاية كاذبة من حزب يساري يطلق على نفسه ” الوطنيين الديمقراطيين ” وبعض من التيار القومي” التيار الشعبي” المؤيد لبشار الأسد والانقلاب في تونس، والذين زعموا أنهم تمكنوا بوسائلهم الخاصة غير المحددة من اختراق البريد الإلكتروني لأحد رجال الأعمال المصنف كإسلامي، نهضوي ومقيم في قطر..
جذور البلاء
ذكرت الوشاية أن تلك الوسائل مكنتهم من الاطلاع على كثير من كشوفات ومعاملات رجل الأعمال المعني البنكية ومراسلاته الشخصية وأن إحدى المعاملات المالية المنسوبة من الواشين للشخص الذي تم اختراق مراسلاته تفيد بأنه تم تحويل مبالغ مهمة من ديوان أمير قطر لحساب ذلك الشخص..
كما تم البحث في الجرائد القطرية فوجدوا أن نفس الشخص حضر مرة مع الشيخ راشد ومساعديه زيارة لجمعية خيرية في قطر وأن نفس الجريدة وصفته وقتها بأنه مستشار خاص للشيخ الغنوشي.
ولم يكن هناك أي ذكر لمعاملات أو شراكة مالية بين الشيخ راشد والشخص الذي تم اختراق مراسلاته الخاصة كما أنه ليس مسؤولاً في أي مستوى من مستويات النهضة.
جمعية نماء التونسية
في الملف حديث عن جمعية نماء وهي جمعية متخصصة في تنظيم لقاءات وندوات ذات طابع اقتصادي ومالي وتركز على المجالين العربي-الإسلامي والأفريقي..
ورغم أن أغلب مسؤولي هذه الجمعية نهضويين أو قريبين من النهضة دون أن يكونوا قياديين مركزيين أو جهويين في هياكلها المختلفة.. بمن فيهم عادل الدعداع الذي تم سماعه بمناسبة تتبعه في حق جمعية نماء حيث ذكر في التحقيق الثاني (المختلف كلياً عن استنطاقه الأول) أنه يعتقد بأن الشخص الذي تم اختراق مراسلاته الشخصية هو الواجهة المالية للشيخ راشد وبأن أمير قطر شخصياً هو من يمول الشيخ راشد عبر الشخص المذكور..
وقد استدل على ذلك بزيارة معلنة للشيخ راشد إلى أمير قطر سنة 2013 م (تبين لاحقاً أنها لتهنئته بتسلم إمارة قطر).
رد الشيخ راشد
أول رد فعل للشيخ عند سماعه هو إشارته إلى أن الشكاية مقدمة من حزب الوطنيين الديمقراطيين (وطد) وهو طرف أقل ما يقال فيه أنه منافس سياسي له ولحزبه وهو يستغرب من قبول الدولة توظيف أجهزتها في خصومة سياسية يعلمها الجميع.
وعندما سئل الشيخ راشد عن أملاكه وحسابه البنكي فذكرها مفصلة وقد ثبت بالوثائق المأذون فيها أنه لا يملك الثروات المعلن عنها من خصومه الواشين.
ولما سئل الشيخ راشد عن علاقته بأمير قطر فذكر أنه يعرف العائلة الحاكمة في قطر منذ التسعينات وعلاقته بها وبكثير من الحكام العرب بمختلف توجهاتهم جيدة..
ذكر مثلاً زياراته للرؤساء عبد العزيز بوتفليقة وصدام حسين والقذافي والأمير عبد الله عندما كان ولياً لعهد السعودية، وكذلك كثير من المسؤولين الأول في دول عديدة من الخليج إلى الصين إلى الهند وماليزيا وغيرها..
كما سئل الشيخ راشد عن الشخص الذي تم اختراق مراسلاته الشخصية فذكر أن ما يعرفه أنه رجل أعمال مقيم في قطر وأنه التقاه مع عديد من رجال الأعمال التونسيين لكنه ليس مستشاراً له ودقق أن مستشاريه معروفون في البلاد ولدى الإعلام.
ثم سئل الشيخ راشد عن علاقته بجمعية نماء فذكر أن لا علاقة خاصة له بها سوى موافقته على طلب لاستقبالها في البرلمان مثل أغلب من طلب مقابلته، كما أنه حضر ندوة أجرتها الجمعية مع جملة من الشخصيات الرسمية وممثلين لأحزاب، أو علمه بأن نشاطها متركز على الجانب الاقتصادي والمالي والندوات المجمعة لرجال الأعمال والتي يحضرها وزراء ومسؤولون اقتصاديون، مع معرفته العادية ببعض مسؤوليها وهم ليسوا قياديين في الحزب..
ولاحظ أن اللقاء بالمجتمع المدني يمر عبر إدارة البرلمان وأن برنامج مواعيد رئيس المجلس تنظمه الإدارة ويتم إعلامه به للاستعداد والاتصال بالإداريين والنواب المعنيين.
وقد حضر ذلك اللقاء موظفون بالمجلس ولم يكن سرياً كما حاول الطرف الواشي الترويج له من خلال تعمده تقديم جزء من صورة اقتطع منها عمداً ما يدل على حضور آخرين معه اللقاء..
أغرب الأسئلة
أغرب الأسئلة التي وجهت للشيخ راشد الغنوشي هي عن علاقته بقطر وبعض الشخصيات الإسلامية وهي ” ما علاقتك بقطر التي صنفتها مصر وبعض الدول الخليجية في فترة ما بأنها دولة إرهابية طبقاً لوثيقة مستخرجة من الانترنت”؟
كان جوابه أن علاقتنا بقطر هي علاقة دولة بدولة وهي لم تنقطع يوماً وكل رؤساء الدولة حتى قيس سعيد استقبلوا ممثلي الدولة القطرية.
ثم عن علاقته بالشيخ حارث الضاري” ما علاقتك بالزعيم الديني والقبلي العراقي السابق حارث الضاري (سبب السؤال وجود صورة مشتركة للشخص الذي تم اختراق مراسلاته مع حارث الضاري المتوفى سنة 2015م) وكان جواب الشيخ أن لا علاقة خاصة له به.
أما أكثر سؤال استفز الشيخ راشد فهو سؤاله عن موقفه من داعش؟ حيث أسهب بإصرار في الحديث عن دوره في تفكيك مقولات الإرهاب واعتبارها خروجاً عن الإسلام وجهده في التنظير للتوفيق بين الديمقراطية والإسلام في كل كتبه ومقالاته ومحاضراته المنشورة للعموم والمقدمة في ندوات عالمية مع تذكيره بأنه من الذين يتم تكفيرهم دوماً من تلك التيارات الإرهابية كما يعلم أبسط متابع للشأن العام.
الغنوشي والنهضة قاعدة للاستقرار
أشار الغنوشي في رده على أسئلة المحكمة إلى علاقاته الدولية وحضوره مناسبة مرور 100 يوم على سقوط نظام التمييز العنصري ولقائه بمانديلا، وإلى علاقته بأحفاد المهاتما غاندي، وأكد أنه ينتهج منهج التعاون مع كل قادة العالم بدون استثناء عدا الكيان الصهيوني، ولو تمت دعوته للإمارات لما تردد في قبول الدعوة.
وعندما سئل عن وضعه المالي ذكر أجره المقدم من الحزب باعتباره متفرغا له.. وقد عوضته منحة رئاسة مجلس النواب حتى توقفها، وهو ما أكده كشف حسابه البنكي الوحيد والموجود بالملف التحقيقي.
وفي رده على سؤال حول علاقته بالخاطر مدير شركة أوريدو أفاد بأنه لا يتذكر أنه التقى به، وأشار إلى أن قيس سعيد هو من التقاه بعد أيام من انقلابه وقد عرض الخبر في نشرة الأنباء، فإن كان في هذا الاتصال شبهة فقد كان أولى أن يسأل فيها قيس سعيد.
وقد أكد الغنوشي على أنه من أسباب الاستقرار في تونس خلال فترة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي كان وفاءه لمقولة إمكانية التوفيق بين المنطلقات الإسلامية ومقولاتها وبين قيم الديمقراطية وقيم الحداثة، وعبر عنها بأريحية لم تغب عن كثير من أجوبته أثناء مسار التحقيق، حيث ذكر أن الباجي يرحمه الله انطلق من مقولة “النهضة والنداء خطان متوازيان لا يلتقيان فإن التقيا فلا حول ولا قوة إلا بالله”.. لتعيش تونس الاستقرار والسلم الاجتماعي طيلة فترة “لاحول ولا قوة الا بالله”.