حذر محللون صوماليون من أن تمديد فترة الرئاسة للولاية من 4 إلى 5 سنوات قد يؤدي إلى خلافات سياسية خطيرة تعصف بنظام التداول السلمي الهش في البلاد.
ومؤخرا، مدد البرلمان المحلي لولاية جنوب غرب الصومال فترة الرئاسة للولاية إلى 5 أعوام، دون إحداث تعديلات على الدستور المحلي، ليلحقه برلمانات كل من ولاية هيرشبيلى وجوبا لاند وغلمدغ، في تصرف مخالف للدستور المؤقت في البلاد، بحسب المحللين.
وأثار قرار التمديد ضجة في الساحة السياسية في البلاد، فهناك من اعتبر القرار “بداية للديكتاتورية في الحكم”، بينما يخشى آخرون أن تحذو الحكومة المركزية حذو الولايات الفيدرالية، خصوصا في ظل التزامها الصمت تجاه القرار.
ورغم ان الدستور المؤقت في البلاد لا يحدد صلاحية الهيئات التشريعية للولايات المحلية بتمديد فترة الرئاسة للولاية من عدمها، إلا أن البند 12 من الدستور يوصي بـ”التوفيق بين الدستور المؤقت في البلاد ودساتير الولايات المحلية”، وهو ما يمنع ضمنيا أي تمديد في الولايات سواء من قبل الحكومة المركزية أو الحكومات الفيدرالية.
** صمت حكومي
ويشدد مراقبون على أن البقاء في السلطة من خلال “ليّ أعناق نصوص الدساتير المحلية طبقا لأهواء رؤساء الولايات الفيدرالية” قد يتسبب في تعريض استقرار البلاد لـ”هزات سياسية عنيفة”، في ظل صمت حكومي.
وقال المحل السياسي أحمد عينب، إن ما يجري في الظاهر يبدو وكأنه “مجازفة حقيقية” في بلد يعاني من هشاشة في البينة السياسية للنظام.
وأردف “هناك ما يطبخ على نار هادئة بالخفاء” بين الحكومة ورؤساء الولايات الفيدرالية لتمديد الفترة الرئاسية سواء في الحكومة المركزية أو في الولايات الفيدرالية”.
وأضاف أن التزام الحكومة بالصمت تجاه التمديد في الولايات المحلية “يعكس مدى وجود اتفاقية مبدئية بينها وبين الولايات”، لكن هذه الاتفاقية تبقى “غير مشروعة ومخالفة للدستور المؤقت في البلاد” الذي يحدد مدة الرئاسة في الحكومة المركزية بمدة 4 أعوام.
وأوضح عينب أن اللجان المعنية بمراجعة الدستور “أجرت تعديلات على بعض بنوده، وخاصة البند الذي يحدد مدة الفترة الرئاسية في الحكومة المركزية لتصبح 5 أعوام بدلا من 4″، لكن التعديلات ستصبح مشروعة وسارية المفعول بعد مصادقة البرلمان عليها في الأسابيع المقبلة.
وحول ما إذا كانت الحكومة المركزية ستحذو حذ الولايات الفيدرالية بشأن التمديد، أكد المحلل عينب أن “هذا الاحتمال وارد”، ويُفهم من خلال صمت الحكومة المركزية تجاه قرار التمديد، مشيرا أن الأمر “ليس بالهين” مقارنة بالوضع في الولايات الفيدرالية.
وحذر عينب من أن يتسبب التمديد في “فوضى سياسية تؤثر سلبا على عمل المؤسسات الحكومية”.
من جهته، حذر رئيس الوزراء الأسبق عمر عبدالرشيد، من خطورة التداعيات السياسية والأمنية التي قد تنجم عن قرار التمديد، مشيرا لاحتمالية أن يغذي التمديد فكرة “التسلط في الحكم”.
ودعا الحكومة الصومالية لاتخاذ قرارات ضد مساعي الولايات المحلية للتمديد في مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والرئاسية.
وبغض النظر عن التفاهمات بين الحكومة المركزية والولايات الفيدرالية بشأن قرار التمديد، إلا أن هناك عقدة قانونية تقليدية لا يمكن تجاوزها، تكمن في أن “التمديد حتى وإن كان قانونيا، فإنه لا ينطبق على الإدارة الحالية، بل ينطبق على الإدارة القادمة”، بحسب المحللين.
** بداية الديكتاتورية
ويحتج بعض نواب البرلمانات المحلية على أن لكل ولاية صلاحياتها بشأن إصلاح وإحداث تعديلات في بنود دساتيرها المحلية، وخاصة فيما لا يتعارض عن بنود الدستور الفيدرالي المؤقت في البلاد.
علي غاب، النائب في برلمان جنوب غرب الصومال، قال، إن قرار التمديد “لا يقتصر على فترة الرئاسة، وإنما يشمل جميع المؤسسات التشريعية والتنفيذية للولاية”، مضيفا أن التمديد “يهدف إلى مطابقة فترة المؤسسات التشريعية بالفترة الرئاسية”، حيث تزيد فترة برلمان الولاية بعام واحد عن فترة رئاسة الحكومة.
وأشار النائب أن التمديد سيكون “خطيرا” في حال اقتصر فقط على الفترة الرئاسية للولاية، ما يسمح لرئيس الولاية وحده بجعل ولايته مفتوحة وهو ما يتعارض مع دستور الولاية.
واتهم البرلماني المعارضين للتمديد بـ”تسييس القرار والمبالغة في تداعيات”.
واستشهد النائب بالوضع في ولاية “بونتلاند” المحلية التي تصل فترة مؤسساتها إلى 5 أعوام بدلا من 4، متسائلا: “لماذا يحدث القرار كل هذه الضجة؟ وما الخطر الذي قد ينجم عندنا ولا ينجم في ولاية بونتلاند؟، الامر يتعلق فقط بمطابقة فترات المؤسسات التشريعية والتنفيذية لجميع ولايات المحلية في البلاد”.
وتعد بونتلاند الولاية الوحيدة التي تصل مدة ولاية رئيسها إلى 5 أعوام، كونها أول ولاية تشكلت قبل تطبيق النظام الفيدرالي في عام 2012.
من جهته، قال علي طيري، العضو السابق بمجلس شيوخ العشائر، للأناضول، إن الدستور المؤقت في البلاد “لم يحدد صلاحية الهيئات التشريعية والتنفيذية في الولايات الفيدرالية”، مشيرا أن محاولات التمديد “ستستمر وستعرقل المسار الديمقراطي في البلاد، فيما يخص التداول السلمي للسلطة”.
وأضاف أن برلمانات الولايات المحلية صوتت على مقترح التمديد، دون إجراء أي تعديل في دستورها المحلي، وهو ما قد يمهد الطريق إلى مزيد من التعديلات، وما يسمح أيضا لرئيس الولاية بالاستمرار في القيادة لوقت أطول.
وأوضح طيري أن قرار التمديد “تزامن مع بقاء عام واحد فقط لولاية بعض رؤساء الولايات المحلية، مشيرا أن هذا “يعكس طمعهم السياسي للبقاء في السلطة بأي طريقة كانت”.
** مضاعفات سياسية
المحلل السياسي عبدالقادر محمد، قال، إن خطوة التمديد “لن تمر دون مضاعفات سياسية”، نظرا للنظام الفيدرالي، وهو نظام المحاصصة القبلية التي يتقاسم فيه الصوماليون المناصب السياسية في البلاد.
وأضاف المحلل أن بقاء رئيس الولاية في السلطة بداعي التمديد “يسهم في ظهور تحالفات سياسية معادية للولاية بدافع العامل القبلي السائد في البلاد”، مشيرا إلى احتمال إعلان كيانات قبلية موازية داخل الولاية.
وتابع : “الظرف الأمني والثورة العشائرية المسلحة ضد الشباب قد تشكل بيئة ساخنة قابلة للانفجار بين القبيلة الحاكمة التي ستحاول الدفاع عن كرسي الرئاسة، وبين القبائل الأخرى المناهضة للتمديد، ما قد يتسبب في تدهور الأوضاع الامنية والسياسية في البلاد، مالم يجد قرار التمديد قبولا شعبيا وسياسيا في الوقت الراهن”.
وفي تصريح سابق للإعلام المحلي، قال النائب في مجلس الشيوخ عبدالله شيخ اسماعيل، المنحدر من ولاية جوبالاند، إن سعي رؤساء الولايات لتمديد بقائهم في السلطة “أمر غير مقبول”، مؤكدا أن عليهم احترام دستور الولاية الذي يحدد ولايتهم بمدة 4 أعوام فقط.
وأضاف النائب أن التمديد “أمر مرفوض سياسيا وشعبيا”، لأن أي قرار يخالف الدستور قد يؤدي إلى “انتكاسة سياسية”، مؤكدا أن الوضع الأمني في البلاد “لا يحتمل الخلافات السياسية في الوقت الراهن”.
ودعا النائب الحكومة المركزية إلى الضغط على الولايات للتراجع عن قرارات التمديد.
ويعزوا المحللون تكرار اتخاذ قرارات أحادية الجانب لرؤساء الولايات إلى غياب بنود دستورية تحدد صلاحيات الهيئات التشريعية والتنفيذية للولايات، ما منحها صلاحيات مطلقة، وأوجد حالة من اللامعيارية السياسية، ما سيشكل تحديا أمام نظام التداول السلمي للسلطة.