«إنَّما الشُّؤمُ في ثَلاثةٍ: في المرأَةِ والدَّارِ والدَّابَّةِ»(1)، هكذا تكون النتائج عندما تُبْتَر النصوص من سياقها، فلقد استنتج المرجفون من المستشرقين وأذيالهم من العلمانيين من هذا الحديث أن الإسلام ظلم المرأة وجعلها رمزاً للشؤم والتشاؤم!
تفنيد هذه الشبهة وبيان بطلانها
بداية، يجب أن نقرر أن أعداء الإسلام ما فتئوا يثيرون الشبهات المغرضة حول الإسلام ونبي الإسلام وأحكام الإسلام، ولهم في ذلك أساليب وحِيل عجيبة، فإنهم تارة يبترون النصوص الشرعية من سياقها.
فمثلاً عندما تعاملوا مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن..»، تجاهلوا باقي الحديث الذي فيه: «قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها»(2)؛ وذلك للوصول إلى شبهة أن الإسلام ينتقص من عقل المرأة ويهضم حقوقها!
وتارة يلوون المعاني ويلبسون على العوام دينهم فيزعمون مثلاً أن القرآن الكريم فيه آية تقول: (وترى الملائكة «حافيين» حول العرش)، والصحيح أن نص الآية هو: (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الزمر: 75)، أي محيطين به، وليس «حافيين» أي غير منتعلين!
وقد تناسى هؤلاء المغرضون الحاقدون أن الله تعالى تعهد بحفظ القرآن الكريم فقال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9).
إن الشبهة التي أثارها هؤلاء حول حديث «إنما الشؤم في ثلاثة: في المرأة والدار والدابة» قد تنطلي على عوام المسلمين، والحديث ورد في صحيح البخاري كتاب «الجهاد والسير»، باب «ما يذكر من شؤم الفرس»، ورواه أيضاً مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما في باب «الطيرة والفأل وما يكون فيه من الشؤم»، كما رواه الإمام الترمذي في سننه عن سالم وحمزة ابني عبدالله بن عمر عن أبيهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في باب «ما جاء في الشؤم».
بتر النصوص من سياقها عمل امتهنه المستشرقون وأذيالهم
وإذا ضممنا هذه الرواية مع روايات أخرى وردت حول نفس المعنى سيتضح لنا مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم على النحو التالي:
– ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «إن كان الشؤم في شيء ففي الدار، والمرأة، والفرس»(3).
– وفي الحديث: «من سعادة ابن آدم ثلاثة ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة، من سعادة ابن آدم المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح، ومن شقاوة ابن آدم المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء»(4).
– وفي رواية للحاكم: «وثلاثة من الشقاء المرأة تراها فتسوؤك وتحمل لسانها عليك، والدابة تكون قطوفاً فإن ضربتها أتعبتك وإن تركتها لم تلحق أصحابك، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق»، وللطبراني من حديث أسماء: «أن من شقاء المرء في الدنيا سوء الدار والمرأة والدابة»، وفيه سوء الدار ضيق ساحتها وخبث جيرانها، وسوء الدابة منعها ظهرها وسوء طبعها، وسوء المرأة عُقم رحمها وسوء خُلقها»(5).
والناظر في طرق الحديث كما وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، يتضح له أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقصد بعض النساء سيئات الخُلق، وهذا ما أكده القرآن الكريم عندما قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (التغابن: 14)، فإن «مِنْ» في قوله تعالى: (مِنْ أَزْوَاجِكُمْ) تفيد التبعيض، وكأنه سبحانه وتعالى يربط العداوة والشقاوة والشؤم ببعض النساء وليس بكل النساء.
إلا أن أصحاب الهوى من المرجفين يقولون في دعاواهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل المرأة مصدراً للشؤم وسبباً له وقرينة له، متجاهلين الطرق المتعددة التي ورد بها الحديث.
ومجمل طرق الحديث تزيل اللبس عن القارئ المنصف اللبيب، والحديث وردت فيه كلمة «الشؤم»، وهي مصدر في اللغة العربية، ونفهم من الحديث أنّه إن كان يمكننا التشاؤم من شيء فمن المرأة أو الدابة أو الدار، ولا مجال لفهم الحديث على أنه اعتبار لحصول التشاؤم مطلقاً من المرأة والدابة والدار، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج النساء وعاش معهن وقال صلى الله عليه وسلم: «واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا»(6)، ورُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «حبب إلي من دنياكم ثلاث: الطيب، والنساء، وجُعلت قرة عيني في الصلاة»(7)، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه اتخذ داراً للسكنى وركب في سفره الدواب، وعليه فإنّ الادعاء بأن المراد من الحديث تأكيد حصول التشاؤم مطلقاً من المرأة والدار والدابة، ادعاء مردود لغة وشرعاً وعقلاً تبطله طرق الحديث المتعددة، كرواية أحمد وابن حبان والحاكم عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من سعادة ابن آدم ثلاثة ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة من سعادة ابن آدم المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح ومن شقاوة ابن آدم المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء»(8).
ولم يفهم أحد من علماء الإسلام الحديث الشريف «الشؤم في ثلاث..» إلا على أنه تخصيص لحصول التشاؤم من المرأة التي تحصل منها العداوة والفتنة، وإلا فالمرأة مُكرمة مصونة في الإسلام أماً وبنتاً وأختاً وزوجة؛ بل إن الإسلام يبشر من يعول جاريتين حتى تبلغا بالأجر العظيم والثواب الجزيل، ولنتمعن فيما أورده الإمام ابن حجر العسقلاني في كتابه «فتح الباري بشرح صحيح البخاري» في معرض شرحه لحديث «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء»، حيث كتب الإمام العسقلاني ما نصه: قال الشيخ تقي الدين السبكي: في إيراد البخاري هذا الحديث عقب حديثي ابن عمر وسهل بعد ذكر الآية في الترجمة إشارة إلى تخصيص الشؤم بمن تحصل منها العداوة والفتنة، لا كما يفهمه بعض الناس من التشاؤم بكعبها أو أن لها تأثيراً في ذلك، وهو شيء لا يقول به أحد من العلماء، ومن قال إنها سبب في ذلك فهو جاهل، وقد أطلق الشارع على من ينسب المطر إلى النوء الكُفر، فكيف بمن ينسب ما يقع من الشر إلى المرأة مما ليس لها فيه مدخل، وإنما يتفق موافقة «قضاء وقدر» فتنفر النفس من ذلك، فمن وقع له ذلك فلا يضره أن يتركها من غير أن يعتقد نسبة الفعل إليها(9).
بعد هذا البيان، هل يرتدع هؤلاء المرجفون ويتوقفون عن إثارة مثل هذه الشبهات؟ نرجو ذلك.
__________________________________
(1) الراوي: عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، أخرجه البخاري (2858)، ومسلم (2225).
(2) صحيح البخاري (304).
(3) أخرجه البخاري (5094)، ومسلم (2225) عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.
(4) المصدر: الترغيب والترهيب (3/ 91)، إسناده صحيح.
(5) فتح الباري، ابن حجر (9/ 138).
(6) جزء من حديث أخرجه البخاري (5185، 5186)، ومسلم (47، 1468).
(7) الفتح السماوي (275)، خلاصة حكم المحدث: روي مرفوعاً ومرسلاً، والمرسل أشبه بالصواب.
(8) شبهات حول المرأة في الإسلام، د. علي نايف الشحود (1/ 623).
(9) صحيح البخاري، كتاب «النكاح» باب «ما يتقى من شؤم المرأة» (5096).