اختص الله تعالى بعض الأيام وجعلها مواسم تعظُم فيها الطاعة والعبادة والقرب من الله تعالى، خصها الله لهذه الأمة المباركة، لرفع الدرجات، والفوز بأعلى الجنات، ومواسم الخيرات في السنة لا تنقض، يخرج المؤمن من عبادة ليستقبل أخرى، فمن لا يطيق فضيلة اجتهد في غيرها، ومن فاتته فرصة للخير اغتنم أخرى.
ومن أعظم المواسم الربانية والنفحات الإلهية شهر رمضان المبارك، فهو فرصة ذهبية لا يجوز إضاعتها أو التفريط بها، وهو ميدان للتسابق في الخيرات لنيل أعلى الدرجات، والفوز بجنة عرضها السماوات والأرض؛ لذا كان رسول صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان فيقول: «أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ»(1).
فضائل رمضان
1- أنه شهر نزول القرآن والكتب السماوية: قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة: 185)، وقال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر: 1)، وقال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) (الدخان: 3).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثماني عشر خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان»(2).
2- أنه شهر القيام والتهجد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»(3).
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان وقمته فممن أنا؟ قال: «من الصديقين والشهداء«(4).
3- أنه شهر تكفير الذنوب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»(5).
4- أنه شهر العتق من النيران: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة»(6).
وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لله عز وجل عند كل فطر عتقاء»(7).
فعلى كل مسلم ومسلمة أن يتعرض لهذه النفحات الربانية في هذا الشهر الكريم، عسى أن يمنَّ الله تعالى عليه بكرمه وجوده فيعتق رقبته من النار، فيكون من السعداء الفائزين بجنة الخلد عنده سبحانه وتعالى.
قال الإمام الخطابي: «إيمانا واحتساباً»؛ أي: نية وعزيمة، وهو أن يصوم على التصديق والرغبة في ثوابه، طيبة به نفسه غير كاره له، ولا مستثقل لأيامه، لكن يغتنم أيامه لعظم الثواب(8).
___________________________
(1) أخرجه النسائي (4/129) وصححه الألباني.
(2) أخرجه أحمد والطبراني في «الكبير» وحسن إسناده الألباني في «صحيح الجامع» (1509).
(3) متفق عليه، البخاري (2008)، ومسلم (759).
(4) أخرجه البزار، وابن خزيمة، وابن حبان في «صحيحها» واللفظ لابن حبان، وصححه الألباني في «صحيح الترغيب» (993).
(5) أخرجه البخاري (38)، مسلم (759).
(6) أخرجه الترمذي (682)، وابن ماجه (1642)، وابن خزيمة (1883)، وحسنه الألباني في «صحيح الترغيب» 1/585.
(7) أخرجه أحمد (5/256)، وقال الألباني في «صحيح الترغيب» 1/586 (1001): حسن صحيح.
(8) فتح الباري لابن حجر، 4/138-139.