لم يعد الزواج في العصر الحديث محتفظاً بالصورة النمطية التي كان عليها العرب في الماضي قبل عقود، سواء على مستوى الطقوس، أو العادات، أو المهور، أو طريقة التقدم للزواج من الأساس.
يعزز تلك التحولات ما أحدثته ثورة الاتصالات من تقارب كبير بين الشعوب والدول والثقافات المختلفة، نتج عنه تحولات وغرائب، تجاوزت الأديان والأعراف التقليدية، مع تنامي روح المحاكاة والرغبة في التقليد، وتفشي نمط مسايرة الموضة.
قديماً كانت الأفضلية في الزواج تصب لصالح ابن العم، وابنة الخال، وأبناء القبيلة، والعائلة؛ في تقوية لأواصر القرابة وروابط الدم، داخل العائلة الواحدة، لكن حديثاً بات التوجه نحو الزواج من عائلة جديدة، وربما جنسية أخرى، بل صار من العرب من يبحثون عن الزواج من آسيويات وأوروبيات وأمريكيات.
تحولات مفصلية
ربما يعد التحول الأكثر أهمية في العالم العربي إحجام الأسر عن تزويج بناتهن في سن مبكرة كما كانت الحال عند العرب في القرن الماضي، وفي دول كبيرة سكانياً مثل مصر، بل بات طبيعياً أن تتزوج البنت في سن 25 و30 عاماً، وقد تتأخر إلى سن الـ40 من عمرها.
رافق ذلك التحول سعي الفتيات لتحصيل العلم والحصول على أعلى الشهادات العلمية، والولوج إلى سوق العمل، ومنافسة الرجال على مختلف الوظائف، وأرقى المناصب، بل وتأسيس الشركات، وإدارة الأعمال، والمشروعات الخاصة، وما يستتبع ذلك من تغير في شروطها للارتباط بشريك الحياة.
الأخطر هو التغير الحاصل على النظرة الاجتماعية للزواج من رباط مقدس، وإكمال لنصف الدين، وسكن للعفاف، وبناء أسرة مستقرة، وإنجاب ذرية صالحة، إلى كونه عبئاً ومسؤولية ثقيلة، وربما قيداً وعائقاً أمام طموحات الشباب والفتيات، بل تصويره كموضة قديمة، مع ظهور صور مستحدثة من الزواج السري وعلاقات الشذوذ والحرام.
غرائب وتجاوزات
في الماضي، كانت الفتاة العربية تنتظر عريسها، وفق ما يرتضيه الأهل والوالدان، أو ما يعرف بـ«زواج الصالونات»، أو عن طريق «الخاطبة» التي كانت وسيطاً بين الطرفين، وكانت الجلسة الأولية التي يرى فيها العريس العروس، تسمى في الخليج ومصر «الرؤية الشرعية»، وفي فلسطين «الطلبة»، وفي ليبيا «يوم الشرط»، الذي يتم فيه تحديد المهر وموعد عقد القران.
تطور الأمر لاحقاً عبر إنشاء مكاتب الزواج المعنية بالتوفيق بين الطرفين مقابل مبلغ مالي، وقيام الجمعيات الخيرية والأهلية بدور اجتماعي في تزويج الفتيات كنشاط تطوعي دون مقابل.
لم يقف التطور عند ذلك، بل امتد إلى زواج الإنترنت، من خلال التعارف عبر مواقع التواصل، وتبادل الحديث والصور، وتكليف الشريكين من ينوب عنهما لعقد القران عن بُعد، والسفر له لاحقاً، لإتمام مراسم الزواج والدخول بها.
وتنتشر على نطاق واسع عبر القنوات الفضائية، ومواقع التواصل، برامج وصفحات متخصصة في تزويج الشباب، مع استعراض صورة ووزن وطول الفتاة، ولون بشرتها، والمواصفات التي تريدها في شريك حياتها المنتظر، وهو ما يساء استغلاله لاحقاً في ابتزاز إلكتروني وغيره من جرائم في العالم الافتراضي.
مهور ومجوهرات
من بلد إلى آخر، يختلف قدر المهور، وحجم وقيمة الهدايا المقدمة للعروس، ففي الماضي كان المهر بسيطاً كمبلغ مالي صغير، أو قطعة واحدة من الذهب، مقارنة بما يجري الآن من تفاخر ومغالاة في تحديد قيمة مهور بمئات الآلاف، وتقديم عدد من القطع الذهبية أو المجوهرات ضمن ما يعرف بـ«الشبكة».
كان العرب قديماً يقدمون المهر في صورة عدد من الإبل، وبعد الإسلام صار يُدفع لولي أمرها عبارة عن مبلغ مالي تحت مسمى «الصداق»، وفي بعض الدول مثل مصر صارت تكتب «قائمة منقولات» يوقع عليها العريس، وتتضمن ما اشتراه للعروس، كوسيلة من وسائل حفظ حقوقها.
في الكويت مثلاً، هناك «الدزة» التي تشمل ملابس العروس ومهرها، بينما في الإمارات هناك «الزهبة»، وهي عبارة عن احتياجات العروس من ملابس وعطور، و«المير»، وهي احتياجات البيت الضرورية من مواد التموين، بينما في مصر يعرف ذلك بـ«النفقة» و«خزين البيت».
لكن المهر تحول إلى عبء في بلدان الخليج خاصة، وصار سبباً من أسباب العنوسة وتأخر سن الزواج، بعدما ارتفع إلى أرقام كبيرة، إذ لا يقل مهر العروس في السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين وعُمان عما يتراوح بين 10 و50 ألف دولار، بينما تصل تكلفة حفل الزفاف إلى أرقام خيالية، قد تبلغ 100 ألف دولار.
حفلات ونقوط!
شكل العرس اختلف كذلك بين الماضي والحاضر، كان في السابق بسيطاً يقتصر على الأقارب، مع تنظيم وليمة للأهل والأصدقاء، وكانت تقام الأفراح في بيت الأهل من العريس والعروس، بداية من قراءة «الفاتحة»، إلى عقد القران، وليلة الحنة، وحفل الزفاف.
طرأت تغيرات جغرافية على مكان العرس، انتقل من بيت الأهل في الماضي إلى قاعات مكيفة مخصصة لحفلات الزفاف، أو فنادق من طراز خمس نجوم، أو سفن عائمة، مع جلسات تصوير على أعلى مستوى وبث مباشر على مواقع التواصل، مع توفير «أوبن بوفيه» للضيوف.
الفرحة هي القاسم المشترك بين جميع الدول العربية، والأجواء الاحتفالية كذلك، ورقص الرجال والنساء، كل في مجلسه، لكن الأمر تطور في بعض البلدان العربية إلى الاختلاط والرقص الجماعي، وربما استقدام مطربين لإحياء الحفل، الذي قد يستمر يوماً أو يومين أو أكثر من ذلك.
التحولات نالت أيضاً من شكل العروس، التي كانت تخفي ملامحها بالبرقع حتى لا يراها أحد سوى زوجها، وتزف إلى منزله عبر الهودج، مستعينة بـ«الماشطة»، إلى الذهاب إلى محال التجميل والمسماة بـ«الكوافير»؛ للتزين وإضافة المساحيق، مع الاستعانة بخبير في التجميل، وآخر في الأزياء، ومنظم للحفلات، وصولاً إلى ارتداء فستان عار، والسير في سيارة مكشوفة؛ لاستعراض مفاتنها.
زمانياً، أيضاً، كانت الزيجات تتم نهاراً، وتنتهي قبل غروب الشمس، أما الآن فهي تبدأ مساء وتنتهي قرب طلوع فجر اليوم التالي، مصحوبة ربما بشرب المحظورات، وفعل المنكرات بدعوى كونها «ليلة العمر».
وتختلف الهدايا المقدمة للعروسين بداية من المبالغ المالية أو ما يعرف بـ«النقوط»، أو تقديم القطع الذهبية، خاتم مثلاً، وصولاً إلى الماشية بأنواعها كالبقر والإبل، والسيارات الحديثة، وتذاكر السفر للسياحة والتنزه وقضاء شهر العسل، الذي يحمل المجهول للطرفين، إما بدوام الزيجة والسكن في مودة ورحمة، أو المعاناة من تبعات المغالاة في المهور وتكاليف الزواج وحفل الزفاف، فتأتي الرياح بما لا تشتهيه السفن.