- ما موقف الإسلام من الرياضات التي تتسم بالعنف والقوة، مثل لعبة الكاراتيه، والملاكمة، ورفع الأثقال والجودو.. وغيرها؟
– من ألعاب القوى ما هو مباح بوضوح، مثل لعبة “حمل الأثقال”، فهذه اللعبة لا يخشى منها الضرر عادة على من مارسها ولا على غيره، لأنه لا يواجه بها أحداً.
أما الألعاب التي تدخل في باب الاحتراب، مثل الملاكمة والمصارعة، التي قد يصل الأمر فيها إلى قتل أحد الخصمين لخصمه، أو إصابته بعاهة دائمة، ببصره أو سمعه، أو يصاب بداء مزمن يستمر معه طوال حياته، كما شاهدنا ذلك في سيرة الملاكم المسلم محمد علي كلاي الذي ربح السمعة العالمية ببطولة العالم لسنوات عدة كان فيها بطل العالم بلا نزاع، كما ربح كذلك كبيراً من وراء ذلك، ولكنه في النهاية خسر صحته وقوته، وإنه لخسران مبين، مثل هذه الألعاب التي قد يترتب عليها قتل النفس أو الغير، أو الإصابة بضرر جسيم، لا تجوز إلا من باب “الضروريات التي تبيح المحظورات”.
فهل هناك ضرورة تبيح هذه الألعاب الخطرة المؤذية؟ هل يجوز للإنسان أن يؤذي نفسه بلا حاجة، أو يؤذي غيره وهو ليس عدواً محارباً له؟
الأصل الشرعي المقرر: حظر أذى الغير بلا جناية منه يستحق عليها عقوبة شرعية كعقوبة الحدود المنصوصة، أو مفوضة لتقدير القاضي أو السلطة المسؤولة كالعقوبات التعزيرية.
فما لم تصدر من الشخص جناية، ولا هو حربي معتد، فلا يجوز مسه بأذى، فكيف يستبيح الملاكم أو المصارع ضرب خصمه، وإيصال الأذى إليه بكل قوة حتى يسقط أمامه عاجزاً عن الحركة؟
لا يقال: إن هذا مطلوب ليستخدم في الحرب ضد الأعداء، فهذا لم يعد من متطلبات الحروب، وهي تعتمد اليوم على أسلحة متطورة، لا على أجسام حديدية.
على أننا رأينا هؤلاء الرياضيين أبعد الناس عن المشاركة في الحروب.
ولقد اخترع إخواننا في الشرق الأقصى –اليابان وكوريا وغيرهما– ألعاباً يتدرب فيها الإنسان -رجلاً أو امرأة– على حركات تتسم بالمرونة والسرعة والقوة يدافع بها عن نفسه تجاه من يحاول إيذاءه، فيمكنه أن يرد هذا الإيذاء دون حاجة إلى استعمال السلاح.
وقد اشتهرت هذه الألعاب في القارات الست، ومبادئها التي تراعي بدقة وبصيرة، منها ما يسمى “الكاراتيه”، ومثله “الجودو”، وكذلك “التايكوندو”.
وتعلم هذه الألعاب وممارستها أمر مشروع لمن يقدر عليه، ولا حرج فيه، بل قد يصبح مندوباً لبعض الناس، وهذا أمر فوق المباح، بل ربما يصبح واجباً على بعض الناس إذا كان يخشى خشية راجحة أن يتعرض للتعدي الجسدي، وكان إتقان إحدى هذه اللعب وسيلة مناسبة لرد الاعتداء ودفع شر المعتدي، وفقاً للقاعدة الشرعية التي تقول: “ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب”.
وقد ترى بعض الجيوش إدخال هذا النوع من الرياضات إلى مجموعات منتقاة من أفرادها أمراً لازماً للقيام بمهام معينة لا يقوم بها غيرها، فيجب عليها أن تقوم بكل ما يقوّي جنودها ورجالها، ويساعدهم على أداء مهامهم العسكرية بسرعة وجدارة ولياقة، والله أعلم.
العدد (1668)، ص54 – 6/8/1426 – 10/9/2005.