لا يمكن بأي حال من الأحوال الفصل بين وعي الشعوب العربية والمسلمة، والمعارك الدائرة حول المقدسات، التي تتعرض للتطاول والانتهاك من أعداء الأمة في الداخل والخارج، برعاية حكومات متطرفة حول العالم، تدعم إهانة المقدسات الإسلامية بدعوى حرية التعبير.
ولا يمكن كذلك تنحية الشعوب جانباً عن معركة الهوية والمقدسات، والاتكاء على المنظمات الدولية؛ مثل الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وجامعة الدول العربية، وغيرها من منظمات تسير وفق أجندات لا يمكن الحيد عنها، ولا تنتصر للضعيف، في عالم تحكمه موازين القوى العسكرية والاقتصادية.
وليس مقبولاً أو مستساغاً ما يحدث من إلهاء متعمد للشعوب العربية من الخليج إلى المحيط بقضايا الجنس والكرة والفن، وافتعال معارك وهمية عبر «السوشيال ميديا» بدعوى «الترند»، مقابل تغييب واضح وخطير للقضايا الجادة، والملفات الساخنة على طاولة الأمتين العربية والإسلامية!
إن واجب الوقت يحتم هبة رسمية وشعبية نحو صياغة جادة لأولويات الشعوب، ورؤية عميقة للتحديات الراهنة، وتناول رصين للأخطار التي تمس كل ما هو مقدس لدى العرب والمسلمين، وسبل الرد على ذلك، عبر استنهاض الهمم والعقول لتحقيق النصر في معركة الوعي، قبل خوض معارك الدبلوماسية والقانون الدولي.
ليس مقصوداً هنا فقط دفع الشعوب إلى تنظيم المظاهرات والاحتجاج فقط على حرق القرآن الكريم في السويد، والرسوم المسيئة للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في فرنسا، واقتحام المسجد الأقصى في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والمساس بالمسجد الحرام في لعبة إلكترونية وضيعة، وإهانة الصحابة في وسائل الإعلام المختلفة، وغير ذلك من تطاول على الإسلام ومقدساته ورموزه.
الحراك الشعبي يجب أن يتجاوز ذلك إلى ترسيخ الوعي أولاً بكل ما هو مقدس لدى المسلمين، وصونه قولاً وعملاً، وامتلاك كل أسباب القوة من خُلُق وعلم ومعرفة ونهضة وتقدم، وقتها سيكون للأمة وزنها وثقلها على الساحة العالمية، وسيكون بإمكانها الرد سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً وثقافياً، وعسكرياً إذا تطلب الأمر، في حال تعرض مقدساتها لاعتداء آثم.
إن الرهان على الشعوب يعني استنهاض قواها الحية من جامعات ومدارس وأحزاب ونقابات وجمعيات واتحادات ومؤسسات، كل في مجاله يذود عن المقدسات بما يملك من عطاء وقوة، وفق خطط علمية، ومسار مدروس، يتجاوز الحناجر والتحشيد، إلى الفعل المؤثر والفاعل، مثل مقاطعة بضائع الدول المعتدية، وضربها اقتصادياً، وتكبيدها خسائر فادحة رداً على كل مساس بأي من مقدساتنا.
نخسر كثيراً حينما تكون المقاطعة حبراً على ورق، ونحن نستورد أكثر مما ننتج، ونحن نصلي على سجادة من إنتاج دول تهين إسلامنا، ونأكل من حصاد زرع بلدان تسيء إلى رسولنا، ونستخدم آلات ومعدات من دول تصر على تمزيق قرآننا، ونطبّع مع كيانات تغتصب حقوقنا وتدنس أقصانا.
لكن الرهان الرئيس هو صياغة أدوار فاعلة للشعوب محلياً وخارجياً، تبدأ بنشر الوعي، ثم التأثير السياسي والاقتصادي، ومواجهة الغزو الثقافي والفكري، وإعادة الاعتبار لحملات المقاطعة، وجعلها نهجاً مستمراً، ونسقاً متصاعداً، يكبد السويد وفرنسا و«إسرائيل» وغيرها من البلدان المسيئة لمقدساتنا وديننا، خسائر فادحة.
ومع تزامن ذكرى الهجرة النبوية الشريفة مع طرح هذه القضية، فإننا في حاجة ماسة للاقتداء بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وصناعة هجرة جديدة، من السلبية إلى الإيجابية، ومن رد الفعل إلى صناعة الفعل ذاته، ومن الاستكانة والضعف إلى امتلاك القوة والمبادرة.
يمكن للشعوب استلهام الدروس من حملات الإساءة الغربية المتواصلة للمقدسات، فتعيد الاعتبار لكل ما هو مقدس، وتُعلم الأجيال الجديدة قيمة ورمزية مقدساتها، وسبل الحفاظ عليها، مع تجديد الوعي بقضية فلسطين، وما يتعرض له المسجد الأقصى أولى القبلتين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، من حصار وتضييق، ومخططات للحرق والهدم.
وتمتلك الأمة التي وصفها الله تعالى في محكم كتابه بـ(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) (آل عمران: 110)، قدرات ومقومات، تحتم عليها أن تبلغ رسالة الإسلام من جديد، وأن تغزو العالم بفكرها وقيمها وأخلاقها، وأن تتصدى للشذوذ والمخدرات والإرهاب، وأن تردع الغرب عن المساس بمقدساتها، حينما تكون على رأس الأمم، لا في ذيلها.
أمة «اقرأ» لا بد أن تتسلح شعوبها بالعلم والمعرفة، بالإنتاج والتصدير، بالزراعة والصناعة، بالابتكار والاختراع، بكل ما هو نافع ومفيد لشعوب الأرض، هنا يبدأ تحرير الأرض والعرض، وهنا نقدس مقدساتنا، فيقدسها الآخرون، إعجاباً وافتتانا بها وبأهلها.
وعلى الشعوب أن تدرك واجبها في ذلك، لا أن تلقي بالتبعة فقط على المسؤولين، والحكومات، والمنظمات الدولية والأممية والحقوقية، بل يجب أن تمتلك زمام المبادرة، مصحوبة بروح من الأمل في نصر قريب، في جميع ميادين الحياة، يعلي من شأن الإسلام ومقدساته وأهله.
لا يجوز لمسلم أن يتلكأ في الذود عن مقدساته، ونصرة قضاياه العادلة، وقد بتنا في زمن وسائل التواصل التي جعلت العالم أشبه بقرية صغيرة، تستطيع أن تأتي من مشرقها إلى مغربها بضغطة «زر»، وتملك أن تخاطب شعوبها بلغاتهم، فتبلغهم رسالة الإسلام، فأنت سفير لدينك ووطنك، وعنوان لقيمك وأخلاقك.
الوعي بداية المواجهة، والهوية لبنة الصمود، والعلم طريق الإنجاز، والعمل مسار النهوض، والتقدم أفضل رد موجع على كل من يهين مقدساتنا، ويحرق قرآننا، ويسب رسولنا، ويدنس أقصانا، لا عذر لنا عند الله، فهبوا لحفظ كرامة أمتنا، وصون مقدساتنا.