كَثُر الحديث في الكيان الصهيوني عن قرب «حرب أهلية» طاحنة في البلاد، وسط تخوف كبير من حدوث انهيارات داخلية ووقوع صدامات مسلحة بين المستوطنين والمستعمرين أنفسهم داخل الكيان.
وانتشرت مقولة «حرب أهلية» مع بدء خروج مظاهرات صهيونية داخلية معارضة للتعديلات القضائية التي يحاول نتنياهو تمريرها لمصلحته الشخصية، وكذا في محاولة للاستيلاء على ما تبقى من أراضٍ بالضفة الغربية، وهي المظاهرات التي تتواصل للأسبوع الـ28 على التوالي.
والصدامات الداخلية تفشت داخل العائلة أو الأسرة الواحدة في الكيان الصهيوني، ما بين مؤيد للتعديلات القضائية ومعارض لها، فنرى الأب مؤيداً لتلك التعديلات والابن الأصغر معارضاً له، فيما يقف الآخرون من أبناء العائلة ما بين هذا وذاك، وهو ما أظهرته أغلب القنوات الفضائية في تحقيقات إخبارية مطولة، من أن الصراع السياسي الداخلي وصل إلى داخل كل أسرة وعائلة، سواء كانت في الجنوب أو الشمال الصهيونيين، ليزداد شق الصف داخل هذا الكيان.
فكان طبيعياً أن تخرج مظاهرات في ميدان ما بـ«تل أبيب» معارضة لحكومة نتنياهو، وأمامها مظاهرات أخرى مناهضة لها في ميدان آخر بالمدينة نفسها، وفي التوقيت ذاته، وبدا الأمر واضحاً أن نتنياهو قد وضع لبنة قوية لشق هذا الصف وهو «بوتقة الصهر» داخل المجتمع الصهيوني، ودشن جداراً كبيراً بين اليمينيين واليساريين في هذا الكيان.
قناة عبرية: 67% من الصهاينة يتخوفون من حرب أهلية في بلادهم
ومحتجون صهاينة يعتزمون الخروج في مظاهرات مؤيدة لنتنياهو، اليوم الأحد، قد دعا لها وزير العدل ياريف ليفين، وهو الصهيوني الذي شرع في سَنّ قوانين وتعديلات قضائية في الكيان، بهدف قضم ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، وتعيين شخصيات يمينية متطرفة تعمل على الحد من صلاحيات المحكمة العليا في البلاد، ليزداد الكيان تطرفاً ويمينية وعنصرية؛ رغم أن تلك المظاهرات ربما تواجه بمظاهرات مضادة، أيضاً، ما يشير إلى احتمالية وقوع صدامات جديدة، خاصة وأنه سبق أن حدثت مثل هذه المشاحنات خلال إحدى المظاهرات، فعلياً.
في 14 يوليو الجاري، نشرت قناة «12» العبرية استطلاعاً للرأي أظهر أن أكثر من 67% من الصهاينة يتخوفون من «حرب أهلية» في بلادهم، وذلك على خلفية محاولة تمرير تلك التعديلات، التي يحاول من خلالها نتنياهو وأعضاء حكومته اليمينية التصويت عليها، خلال أسابيع قليلة، وذلك وسط تلويح حركات الاحتجاج أو المتظاهرين بـ«شل أركان الدولة» حال أقدم على ذلك.
ومن الممكن أن يقوم نتنياهو بعملية عسكرية غاشمة خارجية لصرف الأنظار عن الحرب الداخلية في بلاده، سواء أمام إيران أو «حزب الله» أو الخاصرة الأضعف غزة.
رفض الخدمة العسكرية
نتنياهو نفسه يتعنت في قبول الآراء المعارضة لأفكاره وللتعديلات القضائية، ورغم إصراره على تمريرها، فإن الاحتجاجات الصهيونية وصلت إلى المؤسسة العسكرية بشكل واضح، لتمثل خطراً أساسياً على مستقبل الكيان، بعد تهديد المئات من ضباط سلاح الجو رفضهم الخدمة العسكرية، ما يضع الكيان في مفترق طرق ربما يعد الأول من نوعه في تاريخ التجمع الصهيوني.
الثابت أن هؤلاء الضباط المعارضين لنتنياهو، من وحدات عسكرية حساسة، الطيران والوحدة «8200» من سلاح الاستخبارات، وإعلانهم رفضهم الامتثال والانصياع لعملية الاستدعاء للجيش، والتلويح بذلك علانية، يمثل خطورة قصوى على المؤسسة العسكرية الصهيونية ككل، خاصة وأن سلاح الجو يقوم بمهام عملياتية بالغة الحساسية، خارج البلاد، كما أن عناصر تلك الوحدات محدودة للغاية ما بين ملاحين وطيارين ومراقبين، وهو الأمر الذي يفسر بأنه سيدخل الكيان في دوامة كبيرة.
4000 ضابط من الاحتياط يهددون بوقف الخدمة العسكرية بالجيش الصهيوني
نتنياهو ووزير الحرب غالانت، ومعهما قادة صهاينة كبار، اجتمعوا، على عجل لبحث كيف يمكنهم إعادة هؤلاء الطيارين إلى قرارهم، خاصة مع مطالبة البعض منهم بعدم إعفاء الآلاف من المتدينين من الخدمة العسكرية، ومحاولة المساواة بين العلمانيين والمتدينين داخل الكيان في أداء تلك الخدمة الإلزامية.
المساواة بين فئات التجمع الصهيوني يحاول بايدن من خلالها تمرير طلباته إلى نتنياهو، إذ يطالب بوقف تمرير الإجراءات القضائية، وهو قرار يرفضه نتنياهو، تماماً، رغم التوسلات الأمريكية المستمرة منذ عدة أشهر، والتهديد بقطيعة طويلة بين «تل أبيب» وواشنطن؛ حيث يرى نتنياهو أن تلك الإجراءات ستعمل على إعفائه من قضايا الفساد الأربع القابع فيها، ما يعني أنها طوق النجاة الوحيد للبقاء على رأس سدة الحكم في «تل أبيب».
الغريب أن أكثر من 4000 ضابط احتياط أعلنوا عزمهم التوقف عن التطوع في الخدمة العسكرية بالجيش الصهيوني، إذا ما استمرت «تل أبيب» في محاولتها تمرير تلك الإصلاحات، ليحذر معها نتنياهو من أن هذا الرفض يعرض مستوطنيه للخطر!
ومقولة وزير الحرب غالانت بأنه لا وجود لبلاده دون الجيش، يفتح الباب على مصراعيه أمام حرب أهلية واسعة النطاق في الكيان الصهيوني، خاصة مع إضافته أن إيران تدير «حرب استنزاف» ضد هذا الكيان، وبلاده تشهد فترة أمنية معقدة؛ لذا فإن تلك التصريحات تشي بـ«اقتتال داخلي» وشيك.