للمرة الأولى في تاريخ الكيان الصهيوني نشاهد حالة نزوح جماعي جراء مواجهة مع طرف عربي، رغم أنها منظمة صغيرة في العدة والعتاد، وهي حركة «حماس»، فرغم طرح الكيان فكرة نزوح الفلسطينيين نحو الجنوب من قطاع غزة، ولجوئهم إلى مصر، نرى واقعة نزوح جماعية لما يزيد على 60 ألف مستوطن إلى مدينة إيلات.
ومع إعلان الحكومة الصهيونية، في 22 أكتوبر، عن إقامة «مدينة خيام» قرب بلدة إيلات (أم الرشراش المصرية) على البحر الأحمر؛ لاستيعاب مستوطني غلاف غزة، فضلاً عن عدد سكانها الذين تخطوا 50 ألفاً، وذلك منذ بدء عملية «طوفان الأقصى»، فإننا أمام واقعة ربما تعد الأولى من نوعها في تاريخ الكيان، وهي حالة النزوح الإجباري، خاصة بعد إصابة الصهيونية بشرخ عميق جراء عملية «طوفان الأقصى» التي وقعت فجر الـ7 أكتوبر، ولم تفُق منها، حتى الآن.
النازحون الصهاينة
تلك الخطة الصهيونية التي جاءت بعد ضيق أفق الفنادق في مدينة إيلات البعيدة عن مرمى نيران المقاومة الفلسطينية، واستيعاب حجراتها بالمستوطنين، في تكلفة باهظة ستتحملها حكومة نتنياهو، خاصة أن رئيس بلدية مستوطنة عسقلان قد أكد وقف إجلاء المزيد من المستوطنين من المدينة، لعدم توفر غرف فارغة في الفنادق داخل الكيان، فيما يسري تفكير جدي في إخلاء المدارس لاستيعاب المزيد من النازحين الصهاينة.
تقديرات تصل إلى 400 مليون دولار يومياً خسائر الاقتصاد الصهيوني جراء عدوانه على غزة
والثابت أن الحكومة الصهيونية ستصبح ملزمة بتقديم تعويضات للمستوطنين الذين تم تدمير منازلهم، بل طلبهم أموالاً طائلة لتأمينهم، مستقبلاً، فضلاً عن دفع تعويضات للمصانع التي تضررت من صواريخ المقاومة، وللشركات التي أغلقت أيضاً، وهو سلاح ذو حدين؛ إما استمرار حكومة الحرب الصهيونية في تكبد الخسائر البشرية والمادية في الحرب الدائرة على غزة، أو التوقف والاكتفاء بما جرى من وقوع شهداء بالآلاف من الفلسطينيين وتدمير البنية التحتية للقطاع.
على الفور، وبزعم أنها في حرب «إبادة» أو «هولوكوست 2»، ناشدت «تل أبيب» الإدارة الأمريكية، في طلب 10 مليار دولار، بشكل عاجل، في صيغة مساعدات عسكرية، رغم أنها تحظى منذ وقت طويل بدعم أمريكي سنوي يقدر بـ3.3 مليار دولار، فضلاً عن 500 مليون دولار أخرى في شكل دعم للتكنولوجيا العسكرية المشتركة والمتعلقة بالصواريخ.
مدينة الخيام!
وفي الوقت الذي أطلقت حركات المقاومة الفلسطينية آلاف الصواريخ من داخل قطاع غزة، والصاروخ الواحد يقدر بـ600 دولار فقط، فإنه يلزمه صاروخ آخر مضاد له من المنظومة الدفاعية الصهيونية «القبة الحديدية»، وتكلفة الواحد منها تبلغ ما بين 40 – 50 ألف دولار؛ أي 100 ضعف تكلفة الصاروخ الفلسطيني؛ ليتبين مدى فداحة الخسائر العسكرية التي لم تقدر، حتى الآن.
ووسط عمليات الإجلاء للمستوطنين ونزوحهم وإقامتهم في الفنادق و«مدينة الخيام»، فإن بعض التسريبات تؤكد أن ما يطلق عليها اسم «الحركة الديمقراطية في إسرائيل» قد طلبت، في 21 أكتوبر، من المستشارة القضائية الصهيونية التحقيق في إحراق ديوان نتنياهو وثائق بعد هجوم «حماس» مباشرة على غلاف غزة، تدين نتنياهو نفسه، وتثبت عدم جهوزية الجيش الصهيوني أمام المقاومة الفلسطينية، وقد تتسبب في إجراء تحقيق داخلي يعزله من منصبه.
خسائر اقتصادية وعسكرية
إلا أنه يومًا تلو الآخر، تتكشف الخسائر الصهيونية من الحرب الدائرة على قطاع غزة، التي بدأت في 7 أكتوبر، في عملية أطلقت عليها اسم «السيوف الحديدية»، ردًا على إعلان حركة «حماس» عملية «طوفان الأقصى»، وهي خسائر ليست اقتصادية فحسب، بل عسكرية أيضًا.
حالة نزوج إجباري لما يزيد على 60 ألف مستوطن إلى إيلات جراء «طوفان الأقصى»
ورغم الخسائر البشرية التي وصلت إلى 1400 قتيل صهيوني ونحو 5400 مصاب حتى 22 أكتوبر، وأنباء تتوارد عن تدمير دبابة في الشمال أمام «حزب الله» اللبناني، أو مدرعة وسقوط صواريخ على مستوطنات في الجنوب أمام غزة؛ فإنه ما بين ساعة وأخرى تؤكد وسائل الإعلام العبرية وجود أضرار كبيرة أصابت الاقتصاد الصهيوني، في تقديرات يومية للخسائر تصل إلى ما بين 300 – 400 مليون دولار، وذلك حتى السبت الماضي، فقط.
انخفاض «بورصة تل أبيب» وقيمة «الشيكل»
من بين أسباب تلك الخسائر توقف عشرات الرحلات الجوية وتعطل الحياة الاقتصادية، مع هبوط أسعار الأسهم والسندات في «بورصة تل أبيب» وإلغاء حجوزات الفنادق بوجه عام؛ ما يعني توقف الحياة السياحية التي يعتمد عليها الاقتصاد الصهيوني، إضافة إلى توقف بيع السلاح، وهو المورد الأول للكيان، ناهيك عن إغلاق حقل «تامار» للغاز الطبيعي في البحر المتوسط، تخوفًا من استهدافه بالصواريخ.
وسجلت «بورصة تل أبيب» انخفاضًا جديدًا، في 22 أكتوبر، بقيمة 2.23%، مع انخفاض المؤشر الشهري بنسبة 12.49%، وهي نسبة منخفضة جدًا، مقارنة بالفترة التي سبقت الحرب على غزة؛ مع تراجع ملحوظ في سعر «الشيكل» (العملة «الإسرائيلية»)، مقابل الدولار واليورو على التوالي، بعد تأكيد هيئة البث «كان» العبرية أن الدولار الواحد يساوي 4.064 شواكل.
وفي الوقت الذي أعلنت «الإذاعة الصهيونية» أن تكلفة الحرب على غزة بلغت 5 مليارات شيكل حتى 15 أكتوبر، فإن سوق الأسهم قد هبطت بنسبة 4%، في أكبر هبوط أسبوعي حول العالم؛ وهي النسبة التي سترتفع، تلقائيًا، مع استمرار الحرب على غزة.