كانت دولة الإسلام في المدينة المنورة أول دولة في تاريخ البشرية تشُنُّ حربًا من أجل الفقراء، كان ذلك في القرن الأول الهجري، السابع الميلادي، وفي عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق، حين بعث الجيوش لمحاربة مانعي الزكاة، وقال قولته المشهورة: «والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه»؛ وذلك لأن أداء الزكاة هو الركن الثالث من أركان الإسلام بعد الشهادتين وإقامة الصلاة، وذلك لأهمية الزكاة في الإسلام بما تشهد به نصوص القرآن والسُّنة الكثيرة.
مصارف الزكاة
وأما عن مصارف الزكاة، فقد تولاها الله تعالى بنفسه، ولم يترك الحكم فيها لملك ولا لحاكم، ولا لمجلس شورى، ولا غير ذلك، فقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة: 60).
فللزكاة ثمانية مصارف نص عليها القرآن الكريم لا يجوز الزيادة عليها، وقد يجوز الاقتصار على بعضها، فلا يجوز إعطاء الزكاة لواحد من غير هذه الأصناف الثمانية.
أهل غزة.. والزكاة
ومع ما يعيشه العالم الإسلامي من تعاطف كبير مع أهل غزة، يكثر التساؤل حول مشروعية إخراج الزكاة لأهل غزة، وهل هم من أهل الزكاة؟ ومن أي وجه شرعي يستحقون الزكاة إن كانوا مستحقيها؟
والحق أن أهل غزة مستحقون للزكاة من وجوه كثيرة وليس وجهاً واحداً، وذلك على النحو التالي:
أولاً: لأنهم فقراء، والزكاة تصرف لفقراء الأمة كما نصت الآية الكريمة: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء)، حيث فقَدَ أكثر من مليوني مسلم مساكنهم وأعمالهم وكل ما يمتلكون تحت الاحتلال الغاشم الذي أفقدهم أبسط أمور المعيشة والحياة.
ثانياً: لأنهم مساكين، والمساكين هم مصرف الزكاة الثاني في الإسلام، كما قال سبحانه: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ)، والمساكين أعلى رتبة في الحاجة من الفقراء، فالفقير هو المعدوم الذي لا يجد شيئاً، والمسكين هو من عنده من المال ما لا يكفي احتياجاته، فيعطى إكمالاً لاحتياجه.
وقد فرض العدو الغاشم الظالم على أهل غزة حصاراً جائراً ظالماً لا رحمة فيه ولا هوادة، فقد حاصرها براً وبحراً وجواً ومنع عنهم الغذاء والدواء والكساء ومنع عنهم الخروج والدخول ومات منهم الكثير جوعاً، وهذا يجعل أهل غزة أحق الناس بزكوات المسلمين بنص القرآن.
ثالثاً: الغارمون، فكثير من أهل غزة غارمون، غارقون في الديون، وقد اقترضوا للحاجة المباحة، بل قد نزل بأهل غزة من المغارم ما تعجز عن حمله الجبال، فيكونون مستحقين الزكاة من هذا الوجه أيضاً.
رابعاً: في سبيل الله، أي الجهاد في سبيل الله، وقيل في سبيل الله: في المصالح العامة للمسلمين، وأهل غزة يخوضون الجهاد في سبيل الله ضد عدو ظاهر محتل، وهو جهاد دفع، وهو أعلى درجات الجهاد.
ومع الاختلاف الفقهي، فقد اقتصر جمهور الفقهاء على الأول وهذا مذهب المالكية والشافعية، وقول أبي يوسف من الحنفية ورواية عند الحنابلة، ورجحها ابن قدامة، بقوله: «ولا خلاف في استحقاقهم، وبقاء حكمهم، ولا خلاف في أنهم الغزاة في سبيل الله؛ لأن سبيل الله عند الإطلاق هو الغزو، واستدلوا أن استعمالات «سبيل الله» التي وردت في القرآن الكريم تعلقت بالقتال والجهاد والإنفاق في سبيلهما، وإذا أطلق في الكتاب والسُّنة فيراد به الجهاد والغزو، وقرنه النبي عليه الصلاة والسلام به، كما في حديث أبي سعيد الخدري، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ: لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ..» (أخرجه أبو داود وابن ماجه وهو صحيح).
وأهل غزة يخوضون حرباً مقدسة للدفاع عن مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن قبلة المسلمين الأولى، ويخوضون حرباً لتحرير أرض فلسطين من دنس الاحتلال الصهيوني الغاشم، ويخوضون حرباً للدفاع عن كرامة شعب فلسطين، وكرامة أمة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وهذا يوجب على أمة المسلمين دعمهم بكل ما يستطيعون، فهم مستحقون للزكاة من جهة مصرف «في سبيل الله».
وحتى إذا كان أهل غزة أغنياء مترفين منعمين، فالزكاة تحل لهم بنص حديث أبي سعيد الخدري لأنهم مجاهدون في سبيل الله، فكيف إذا اجتمعت بهم أوجاع ومصائب لم تنزل بأمة من الأمم، فأهل غزة أحق من في الأرض بأموال الزكاة.
والخلاصة: إن أهل غزة مستحقون للزكاة من جهة أربعة مصارف من مصارف الزكاة الثمانية، هي: الفقر، والمسكنة، والغرم، والجهاد في سبيل الله، مع ما يقوم به أهل غزة من شرف الدفاع عن الأمة، فكانوا مستحقين لها مقدمين على غيرهم، بما في ذلك من مآلات أعظم يعود نفعها على الأمة وليس عليهم وحدهم.