وجه النبي صلى الله عليه وسلم أمته أن تكرر هذا التعوذ من الهم والحزن كل يوم صباحاً ومساء 3 مرات، ولقد أجمع علماء الطب أن الهم والحزن والتشاؤم والاكتئاب أمراض تؤدي إلى أمراض تصيب البدن والقلب، وقد تؤدي في بعضها للموت المحقق، وبعضها يشوش العقل والتفكير، وبعضها يثقل البدن، وبعضها الآخر يشغل الوجدان عن الطاعات ويثقلها على الإنسان فيفوت عباداته ويتخاذل عن واجباته.
وأما التشاؤم فيقعد الإنسان عن العمل الجاد، فهو دوماً في انتظار السيئ، لا يتوقع خيراً ولا يظن بربه إلا شراً، وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن التشاؤم؛ فعن أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة، فقال: «يا أبا أمامة، ما لي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟»، قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: «أفلا أعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك؟»، قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: «قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال»، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني. (أخرجه أبو داود).
وهناك أمراض يتسبب فيها الحزن بشكل مباشر، منها:
1- مرض السكري: يعتبر مرض السكري من النوع الثاني من أخطر الأمراض التي يسببها الحزن الشديد أو الاستغراق في التفكير العميق في الهموم، وفي هذا تقول د. هبة الجبالي، أستاذة التحاليل الطبية: يمكن أن يؤدي الإجهاد العاطفي مثل الحزن، أو الاكتئاب، أو العصبية، وضغوط العمل، والغضب، وغيرها من ضغوط العمل إلى زيادة خطر الإصابة بداء السكري من النوع الثاني، ويمكن القول: إن الحزن إذا ترك دون مواجهة ومعالجة فإنه يصبح ذا تأثير مدمر على الصحة العقلية والبدنية، بما في ذلك التأثير على قدرة الجسم على التحكم بمستوى السكر في الدم.
2- ارتفاع ضغط الدم: أثبتت الدراسات أن التعرض لضغوط النفسية المزمنة تساهم في تطور مرض ارتفاع ضغط الدم، فالمشاعر الناتجة عن الضغوط النفسية تحفز من هرمونات التوتر في الجسم مما يتسبب في زيادة معدل ضربات القلب، ومن ثم تضيق الأوعية الدموية وينتج عن ذلك ارتفاع ضغط الدم(1).
3- قرحة المعدة: أثبتت الدراسات التي أجريت على مجموعة دنماركية بأن الإجهاد النفسي قد زاد من حدوث القرحة المعدية، وكانت نسبة كبيرة منهم قد تعرضوا لنوع من الصدمات النفسية والعصبية وواجهوا مشاعر ضخمة من الحزن والغضب قبل أن يتم تشخيصهم بقرحة المعدة(2).
4- قصور الغدة الدرقية: وهناك علاقة قوية بين التوتر والإصابة بمرض الغدة الدرقية، فالحزن يتسبب في إفراز هرمون الكورتيزول من الغدة الكظرية بشكل مباشر، فيتم التداخل بينه وبين الهرمون المنبه للغدة الدرقية، وهذا ما يسبب تفاقم حالات خمول الغدة الدرقية، أو قصور الغدة مما يحتاج معه إعطاء منشط للغدة أو هرمون دوائي بديل لها(3).
5- الذئبة الحمراء: تنتمي الذئبة الحمراء للأمراض المناعية التي تتعلق بقدرة جسم الإنسان على المقاومة، وكلما قلت المناعة ضعفت مقاومتها، ويحفز التوتر والحزن والقلق والاكتئاب ظهور المرض(4).
6- الروماتيزم: تشير دراسة أجرتها المكتبة الوطنية للطب عن الإجهاد التراكمي في مرحلة الطفولة وأمراض المناعة الذاتية لدى البالغين الذين أصيبوا بمرض الروماتيزم قد تعرضوا لضغوطات نفسية في الطفولة، كما أكدت دراسات أخرى أجريت على مجموعة من المصابين بالروماتيزم أن 70% منهم قد تعرضوا قبل تشخيصهم بالروماتيزم إلى صدمة نفسية سببت لهم قلقاً أو غضباً أو حزناً أو توتراً.
7- متلازمة القلب المنكسر: وهي خلل وظيفي خطير بالقلب ويشمل آلام الصدر ومشكلات خاصة بتدفق الدم ونهجان وضيق الصدر، ولو لم ينتشل الشخص الحزين نفسه بسرعة من هذه الحالة واستمرت لديه لفترة طويلة يبدأ في المعاناة من تغيرات مرضية فعلية في عضلة القلب، ويتحول إلى مريض بالقلب، ولقد أوضحت د. أبريل ستيمبين أوتيرو، اختصاصية القلب في المركز الطبي بجامعة واشنطن، أن معظم حالات متلازمة القلب المنكسر تكون مرتبطة بصدمات نفسية، أو مشكلات شخصية، أو كوارث طبيعية، وقد تكون ترجمة للمشاعر لدى الأشخاص.
وقد تتطور حالات متلازمة القلب المنكسر نتيجة المشاعر القوية بسبب إفراز مواد كيميائية وهرمونات تسبب تضخم جزء معين من القلب بصورة مؤقتة مع التأثير على كيفية ضخ الدم وعلى قوة تقلصات القلب.
8- ضعف المناعة: أكد د. هاني الناظر، عضو المجمع العلمي المصري، رئيس مجلس إدارة المؤسسة المصرية لتبسيط العلوم أستاذ باحث بقسم الأمراض الجلدية بالمركز القومي للبحوث، رئيس المركز القومي للبحوث الأسبق، أن هناك علاقة وطيدة بين الحزن والتوتر والأجهزة المناعية لجسم الإنسان، موضحاً أن تعرض الشخص للحزن المتواصل والقلق الشديد يضعف الجهاز المناعي لديه ويجعله عرضة للإصابة بأمراض عديدة، أهمها الأمراض الجلدية والفيروسية.
وأوضح الناظر أن الإنسان الذي لديه إرادة قوية ويتمتع بصحة نفسية جيدة، يكون أكبر مقاوم للأمراض المناعية والفيروسية، نظراً لأن الصحة النفسية تعزز من الأجهزة المناعية للفرد، التي تجعله أقل عرضه للإصابة بالعدوى الفيروسية والبكتيرية(5).
9- القولون العصبي: متلازمة القولون العصبي اضطراب معوي مزمن يؤثر على الأمعاء الغليظة، ويسبب القولون العصبي مزيجاً من الأعراض الجسدية غير المريحة، مثل الانتفاخ، والغازات، والإمساك أو الإسهال.
كذلك قد يعاني بعض المرضى من أعراض القولون العصبي النفسية مثل القلق، والتوتر، واضطراب المزاج، وغالباً ما تصيب أعراض القولون العصبي النفسي المرضى الذين يعانون من أعراض القولون العصبي الجسدية الحادة أو المزمنة.
أحياناً قد لا يكون من الواضح أيهما يحدث أولاً، الأعراض النفسية أم متلازمة القولون العصبي، حيث إن أعراض القولون العصبي النفسية من قلق وتوتر قد تكون في بعض الحالات المحفز أو المهيج لأعراض القولون العصبي الجسدية؛ لذا أحياناً تعتبر أعراض القولون العصبي النفسية والجسدية سبباً ونتيجة لبعضهما بعضاً(6).
10- أمراض السمنة: معظم الخبراء اتفقوا على أن السمنة المفرطة والاكتئاب يسيران معاً ويمكن لأحدهما أن يؤدي للآخر، كما أن الزيادة في الوزن وعدم ممارسة التمارين الرياضية الكافية يزيد من أعراض الاكتئاب، وأن الاكتئاب وحده كاف أن يتسبب في الإفراط في تناول الطعام والخمول حتى يزداد الوزن ويصل المريض للسمنة المفرطة.
مع الأخذ في الاعتبار أن أدوية الاكتئاب تساهم في زيادة الوزن، وأثبتت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية أن 55% من البالغين الذين يتناولون أدوية مضادة للاكتئاب وما زالوا يعانون من أعراض اكتئاب معتدلة إلى شديدة يعانون من السمنة المفرطة(7)، وأيضاً يعتبر الاكتئاب هنا ليس الحزن العادي، ولكنه الحزن مع اليأس والقلق والتوتر الشديد مع الإجهاد المستمر يؤدي إلى الإفراط في تناول الطعام مع الامتناع عن ممارسة التمارين الرياضية الناتج عن انعدام الحماس لإتباع الأنظمة الغذائية الصحية.
وما زال هناك العديد من الأمراض المجهولة التي يمكن أن يسببها الحزن والاستغراق في القلق، ولا نملك إلا أن نقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونستسلم لتعاليمه التي تحقق للإنسان سعادته في الدارين، فنعوذ بك يا ربنا من الهم والحزن في كل حين.
___________________________
(1) دراسة أجرتها المكتبة الوطنية للطب عن العلاقة بين الإجهاد النفسي وضغط الدم.
(2) دراسة أجرتها المكتبة الوطنية للطب عن التوتر وقرحة المعدة.
(3) دراسة أجرتها المكتبة الوطنية للطب عن الإجهاد والمناعة الذاتية للغدة الدرقية.
(4) مؤسسة الذئبة الأمريكية.
(5) عن موقع اليوم السابع، بتاريخ 12 ديسمبر 2020م.
(6) عن موقع الطبي المعتمد بتاريخ 15 أكتوبر 2023م.
(7) د. هيكل محمود، مدير مركز جراحات السمنة والسكر.