في مثل هذه اليوم 22 شوال 1443هـ/ 23 مايو 2022م، وبعد رحلة عطاء في خدمة العلم والعلماء وفي رفع قضايا الإسلام والمسلمين وفي القلب منها قضية المسجد الأقصى الأسير، انتقل إلى رحمة الله تعالى الشيخ أحمد القطان، وبهذه المناسبة تعيد «المجتمع» هذا الحوار الذي أجرته معه حول سمات «الخطيب الناج»، ونشر في العدد (708)، 20 جمادى الآخرة 1405هـ/ 12 مارس 1985م.
الشيخ أحمد القطان.. اسم ارتبط في أذهان الكثيرين بالصراحة والجرأة في قول كلمة الحق وفضح الممارسات الخاطئة في عالمنا العربي والإسلامي والدولي.. وهو بالنسبة للكثيرين واعظ وخطيب تنساب كلماته في آذان السامعين لتحول جمودهم حركة إلى الخير وفتورهم إلى عزم قوي يدفعهم إلى عمل الصالحات.
كيف بدأت الخطابة؟
بدأت الدعوة إلى الله من سنة 1970م أما الخطابة فبدأتها سنة 1977م والخطابة هي فرع من فروع دعوتي لأن أبواب الدعوة كثيرة وأذكر أنني بدأتها في القرى البعيدة فكانت قرية الجهراء ومسجد البسام احتضن أولى الخطب ثم اقتربت من المدن فكان مسجد الدوحة ثم العليان، ومسجد العليان له تاريخ خطابي كبير، إذ كان قبلي فيه فضيلة الشيخ طايس الجميلي والآن أخطب في مسجد المزيني وهو أكبر مسجد تقريباً بعد مسجد الدولة.
من هم الشيوخ الذين تأثرت بهم؟
في أواخر الستينيات أراد الحزب الشيوعي اليساري فرع العراق احتوائي، ولكن الله استنقذني بفضيلة الواعظ الكبير الشيخ حسن أيوب متعنا الله ببقائه أن سمعت له أول خطبة في حياتي وكانت عن عذاب القبر فأحسست أنني ولدت من جديد كما يقول الله سبحانه: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام: 122).
وكان فضيلة الشيخ حسن أيوب يجمع بين العلم الواسع وفن الخطابة وفقه الدعوة ولازمته ملازمة الظل حتى أذكر أنني كنت أخدمه في بيته، ثم تأثرت بفضيلة الشيخ عبد الحميد كشك فأخذت منه فن الخطابة ثم بفضيلة الشيخ عبد المنعم أبو زنط فأخذت منه الفهم السياسي من خلال الخطب التي ألقاها هنا وتأثرت بصراحة المرحوم “عبد الرحمن الدوسري” كثيراً ثم بروحانية المرحوم “إبراهيم عزت”، وفي الدروس استفدت بفضيلة الشيخ عمر الأشقر وفضيلة الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق فجمعت من كل واحد أحسنه حتى ظهرت بفضل الله تلك الخطب التي تملا أسماع الدنيا، وخلال هذه الفترة إلى هذه الساعة وأنا أتربى في رحاب جمعية الإصلاح والتي كان لها الفضل الأكبر في توجيهي وتذكيري وتربيتي.
يقال: إن خطبك ودروسك يغلب عليها الطابع السياسي في حين يرى البعض أن الأصل هو تغليب الجانب الوعظي؟
الذي يقول ذلك لا أشك أنه استمع إلى بعض الخطب السياسية ووافق حضوره أزمة لبنان إذ خطبت في هذه الأزمة عشرات الخطب ولكن الذي يريد أن يحكم على خطبي فإن لم يستطع سماعها فليراجع فهارس الأشرطة الموجودة في مساجد الكويت وبالأخص مسجد العليان ومركز شباب جمعية الإصلاح سيرى أنني أعطيت الجانب الإيماني قسطاً كبيراً ولا أزال أنا شخصياً استمع إلى خطب الجنة ونعيمها والنار وجحيمها، وأهوال يوم القيامة وعذاب القبر وغيره من الخطب الإيمانية كما أنني تطرقت كثيراً إلى الجانب الإيماني السلوكي والذي لم أستطع تغطيته في الخطبة، فهناك الدروس الأربعة الثابتة تغطي ما تبقى من جوانب إلا أن الأحداث المتلاحقة السياسية في عالمنا العربي تفرض عليَّ أحيانا أن أضعها على المشرحة الإسلامية لشعوري أن جمهور المصلين جاؤوا ليستمعوا إلى حكم الإسلام في هذه القضية السياسية المصيرية، والخطيب الناجح هو الذي يتلمس أحاسيس الناس ويكون قريباً منهم ، إنني لا أستطيع أن أخطب في الحيض والنفاس وأمتنا تذبح في فلسطين وأرض لبنان والفلبين وأفغانستان وآسام، والمؤامرة على المسجد الأقصى تأخذ أبعاداً من التخدير حتى حرفت كثير من الأسماء عن مسمياتها فأصبح الاستسلام سلاما.
إنني لا أستطيع أن أكون واعظاً تقليدياً يقرأ على الناس خطبته من ورقة صفراء كأنه يعيش بين الخيمة والجمل في عمق الصحراء.
ألا ترى خوضك في السياسة وتناولك الخبر السياسي على منبر المسجد يضعك في أزمة مع الجهات الرسمية؟
إن كنت تعني بالجهات الرسمية هنا في الكويت فلله الفضل والمنة أن الجهات الرسمية أراها دائما تتفهم مواقفي حتى من خلال توقيفي إذ أنها عبرت بكل أدب واحترام عندما اتخذت قرار التوقيف فلم تزد على أن قالت: يا أخ أحمد كما استفدنا منك متحدثاً فلنستفد منك صامتاً…
يقال عن الشيخ القطان أنه يستخدم دائما الأسلوب العاطفي في استثارة جمهوره وهذا الأسلوب تأثيره وقتي، فما رأيك؟
لا بد أن نعرف أن الخطابة ليست كالدروس والمحاضرات فمن أبرز خصائص الخطبة الحماس وإلا ستكون درسا أو محاضرة وكثير من الخطباء يظنون أنهم يخطبون، ولكنهم يلقون دروساً على المصلين.
والخطبة الحماسية هي في الحقيقة مجموع مشاعر المسلمين التي عجزوا عن التعبير عنها فجاء الخطيب وجاء الشاعر ليقول ما دار في نفوس الناس، ولو كانت الخطب الحماسية جهاز تخدير لما كان الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يخطب في أمته يحمر وجهه فكأنه منذر جيش مصبحهم أو ممسيهم وكان الفاتحون الأولون لا يخوضون معارك الفتوحات الإسلامية الكبرى إلا بعد الاستماع إلى خطب حماسية تلهب مشاعر المجاهدين.
وفي منهجي أن الخطب الحماسية وحدها لا تكفي إن لم تكن هناك منهجية في الدعوة وأن تبين لرواد المسجد دورهم الحقيقي وواجبهم المفروض عليهم وماذا سيفعلون؟
وهذا ما أفعله في خطبي ودروسي وما من خطبة مرت إلا وأحييت في الناس الجهاد المالي لأنهم لا يطيقون الجهاد بالنفس والدعوة بفضل الله قد توجهت هنا في الكويت ومن أسباب توجهها تلك الخطب التي أوجدت الصحوة الإسلامية ابتداء من إيمانيات فضيلة الشيخ حسن طنون شافاه الله وعافاه إلى خطب الشيخ يوسف السند والشيخ محمد العوضي والشيخ ناظم المسباح كخطباء برزوا في العالم الإسلامي الآن.
يقال إنك في بداية خطبك كنت تتحاشى ذكر الأسماء سواء بالإشارة أو بالعبارة وانتهى الأمر إلى أنك تذكر في خطبك الأسماء بالإشارة أو بالعبارة مما زاد من عدد خصومك؟
أنا لا أحب التبرير عند التقصير فما أنجى «كعب بن مالك» إلا الصدق ولا أعطي نفسي العصمة فلست ملكا ولا نبيا ولكني عبد فقير إلى الله انتفع بنصائح إخواني وأستفيد من أخطائي، أعترف أن أسلوب تجريح الهيئات والمؤسسات أو الأشخاص أسلوب غير ناجح، فالناس يفهمون المعنى والمراد دون ذكر الاسم لهذا أنا استفدت كثيراً من تجربتي الأخيرة وبدأت أنصح إخواني الخطباء المتطوعين هنا أن الذي ينفع به التلميح لا يقال بالتصريح وأن الأسماء التي ذكرتها من خلال خطبي لم يكن بيني وبين ذواتهم كأشخاص عداء إذ أن أغلبهم لم يسبق أن التقيت به، ولكن الخلاف الذي بيني وبينهم خلاف فكري وسلوكي فليس هو تجريح شخصي كما يفهمه البعض بل هو كما يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وهو يذكر سيداً من سادات قريش: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ. هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ. مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ. عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ.) (القلم:10-13).
فهل هذا يعتبر بالميزان الشرعي تجريح شخصي، وأذكر بالمناسبة أن الذين أنكروا عليَّ ذلك واعتبروه خطأ أخذوا يعالجون الخطأ بالخطأ فكم نشرت الصحف صورتي على الصفحات الأولى وحولها عبارات السخرية والاستهزاء وكأنني مجرم من الدرجة الأولى، إذ أن المجرم من الدرجة الأولى يضعون على صورته شريطاً أسود ويرمزون بالحروف لاسمه وتكون الصورة من الحجم الصغير أما أنا فقد قالوا عني حكمت المحكمة على المتهم الإمام الخطيب الشيخ أحمد القطان بالحبس ثلاث شهور مع وقف التنفيذ بالخط العريض تحت اسم الجريدة وكأن القضية تحرير القدس أو المسجد الأقصى إذ أن أمثال تلك القضايا هي التي تأخذ هذا الموقع في تلك الجرائد ومع هذا لا أزال أعفو لأني أعيش وإياهم على أرض واحدة ووطن واحد ولا أحب أهل الأرض الواحدة أن ينقلوا خلافاتهم إلى قاعات المحاكم أو صفحات الجرائد، بل هناك مجال آخر نلتقي به ويكون الحوار والعتاب الذي سينتهي بأخذ النصيحة والتغافر، ولا نجعل الآخرين يشمتون بنا كأبناء وطن واحد.
ما هي ردة الفعل بالنسبة لك ولجمهورك سواء في الكويت أو خارج الكويت بالنسبة للحكم ؟
بلغني الحكم الذي هو الآن في الاستئناف وأنا بين أبناء بلدي أرعاهم واعظهم في أمريكا وقلت نعم المكافأة قدمتها لي الكويت إذ كنت أرى بعض الذين يسقطون في الخطيئة يسترون فكم نشرت الصحف أخبار بعض الساقطين ثم لم نتابع حكم المحكمة فيهم لتنشره بالخط العريض فكيف أكافأ وأنا الذي أحرقت دمي في تربية الأجيال المسلمة إذ كنت مدرسا من سنة ١٩٦٩ وفي سلك التربية إلى هذه الساعة ولم تنظر الجهات المعنية هذا الجانب التربوي الخطير الذي سيولد هزة عنيفة في عقول طلبتي وكم عانيت وأنا أواجه تلاميذ مدرستي وأنا الذي أنصحهم كل يوم في طابور الصباح أصبحت الآن في نظرهم متهماً والأطفال في بيوتهم يشاهدون صورتي في صفحات الجرائد فيأتيني أحدهم ويقول:
ماذا فعلت؟ لماذا حبسوك؟ لماذا أنت متهم؟ والطفل لا يعرف المصطلح القانوني لكلمة وقف التنفيذ وإنما يعرف أن وكيل مدرسته حكم عليه بالحبس ولا يحبس إلا المجرم، إنني عاتب على القضاء عتاباً أخوياً إذ لا أزال أدفع عنه وإن لم يدفع عني وأملي كبير أن يرد لي الاعتبار لتستقيم صورتي في عقول أبنائي التلاميذ علما أنني تنقلت في مهنة التدريس منذ تخرجي إلى الآن في عشر مدارس ابتدائية، وقد كان الفنان الذي تعرضت له في شريط خطبتي له العذر أمام من يسأله هل أنت المعني بخطبة الشيخ أم لا؟
بإمكانه أن يرد قائلا لا، فهو لا يعنيني، لأنني قلت في المحضر إنني لا أعني الفنان الشريف ذو الرسالة الكبيرة فإن لي زملاء من الفنانين أبادلهم الاحترام، فلم يعتبوا علي لعلمهم أنني لا أعنيهم فهذا المخرج فواز شعار من أصدقائي وهذا الشاعر الفنان أحمد مطر من أصدقائي وهذا المذيع عبد العزيز شهاب من أصدقائي وهذا الفنان السريالي خليفه القطان من أصدقائي وغيرهم.
فلم يتقدم أحد منهم بشكوى ضدي لأنهم يعلمون بداهة أنني لا أعنيهم والخطبة قيلت في ظرف خاص وجو خاص عاشته الكويت ويوم أن نفصلها عن بواعثها ستكون كما تدعيه الصحف وأسأل الله أن يحفظ الكويت وسائر بلاد المسلمين من مواقف الفتن وأن يشهد لأهل الاحسان بإحسانهم.
ما رأيك بالصحافة الكويتية والصفحات الدينية فيها؟
الصحافة الكويتية لو قسناها بالصحافة العربية هي أحسن من غيرها ولكن يؤسفني كثيراً أنها تنادي بحرية الكلمة والديمقراطية ونراها في بعض الأحيان تميل إلى احتكار الكلمة وظهر ذلك واضحا في المعركة الانتخابية وأتمنى أن الصحافة لم تتخذ حتى الآن مني موقفاً خاصاً إذ أنني أحاول أن أنشر كلمتي عبر تلك الصحافة فلا أجد تشجيعا منها، باستثناء بعض المقالات المأخوذة من الأشرطة لا مني مباشرة، وتنشر اسمي على استحياء وأنا على استعداد أن تفهمني الصحافة من قرب ولا أود أن أعرف من خلال خطبة أو فقرة من خطبة فإن عندي الكثير والكثير لخدمة هذا الوطن، وأن هناك جوانب كثيرة طيبة التقي مع الصحافة فيها.
أما بخصوص الصفحات الدينية فكما أنني أدافع عنها في خطبي إلا أن من صور هذا الدفاع أقول: إنني وأنا أحد القراء المدمنين على القراءة أصبحت لا أقرأ إلا عناوين الموضوعات في الصفحات الدينية والسبب أنهم يعرضون بحوثاً ولا يعرضون مقالات والمقال فن يجب أن تدركه الصفحة الدينية وكم تمنيت أن تكون الصفحة الدينية كصفحة الإعلانات بدون زخارف وبدون ديكور وإنما يذكر -كما يقال- بيت القصيد الذي يعالج واقع المسلمين وحاجتهم و يكون قريباً من المسلمين بعيداً عن المثاليات فالناس يعانون مشاكل لا حصر لها في مشاكلهم اليومية فلتكن الصفحات الدينية هي الأنوار التي تبدد تلك الظلمات المادية والمعنوية.
ما رأيك في الانتخابات الأخيرة ونتائجها؟
الانتخابات كما يقال معركة والمعركة فيها خسائر وهزائم وانتصارات وغنائم والحمد الله أن الغنائم التي حازها أهل الصلاح والإصلاح كثيرة فقد عشنا أياماً عظيمة من حرية الكلمة لم يشهد لها العالم العربي والإسلامي مثيلا ولا أبالغ في ذلك إذ أنني كنت أقابل ضيوفا زائرين من دول عربية شتى أخذوا إجازات لشهود الانتخابات في الكويت وإن كنت أعجب فإني أعجب من سعة صدر السلطة التنفيذية وهي التي يصل إلى مسامعها همسات الناس أنها صبرت على ما قيل فما كنت أخرج من خيمة مرشح وأدخل في خيمة آخر إلا وكلمة الحكومة تتردد عشرات المرات ولو قيلت هذه الكلمة في بلد آخر دون تعليق لكانت تهمة لمن قالها، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وأبشر العاملين في حقل الدعوة أننا في هذا المجلس زدنا وما نقصنا.
هل ترى في وصول اليسار الكويتي إلى مجلس الأمة خسارة للعمل الإسلامي في الكويت؟
لا أعتبر وصولهم خسارة بما تحمله هذه الكلمة من معنى، إذ أن قناعتي الشخصية أن الحق لا يستبان إلا إذا قرعت الحجة بالحجة والقرآن دائما يبسط هذا المعنى فيقول: (قُلْ هَاتُواْ بُرْهَٰنَكُمْ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ) (البقرة:111).
ونحن نقول ما قاله القرآن: قل هاتوا برهانكم لما تحملون من شعارات في القديم والحديث، فبرهاننا نحن نأخذه من كتاب الله وسنة رسوله وهو يملك مقومات الحياة والاستمرارية وبرهانهم يأخذونه من نظريات معروفة لديهم ولدينا وهي لا تملك مقومات الحياة لهذا الخسارة أو النصر لا يكون في عدد ولا عدة إنما ينتصر الناس بتأييد الله والتزامهم بالحق ويخسر الناس بابتعادهم عن قيادة محمد ومنهج محمد صلى الله عليه وسلم، وأخذهم مناهج البشر.
هل تعتقد أن هناك إمكانية التقاء بين التيارات السياسية الموجودة في المجلس أم لا توجد إطلاقا؟
الإمكانية موجودة في بعض الأحيان لأن المعارضة إسلامية كانت أو يسارية تلتقي حول الدفاع عن حرية الكلمة والحفاظ على حقوق الناس وصيانة ثروات البلاد ومحاسبة المفسدين وهذا بحال لا يختلف عليه اثنان ولا ينتطح عليه عنزان وإلا سيقع الناس في حرج عظيم لو جعلوا الخلاف في الأيديولوجيات حاجزاً عن الاتفاق والتعاون للحفاظ على حقوق المواطن.
يقال إنك من خلال خطبك كنت تثير النعرة الطائفية؟
هذا غير صحيح فأبغض شيء إلى نفسي أن أزعزع الأمن والإيمان في بلدي؛ لأنني وأهل بيتي نعيش على هذه الأرض فإن كان فيها خير سيصيبني وإن كان فيها شر سيصيبني أيضا، وكم خطبت وناديت بإصلاح ذات البين، بل أن جمهور المصلين أصبحوا يحفظون عن ظهر قلب الدعاء المشهور الذي أصدر به خطبي ودروسي “اللهم ألف على الخير قلوبنا وأصلح ذات بيننا” والدعاء الذي أريده دائما “اللهم إني أسألك العافية في الجسد والإصلاح في الولد والأمن في البلد”.
إنما الذي يثير النعرة الطائفية هو الذي يؤصل تلك الطبقية الخفية بين الناس.
أنا أخاطب الناس كمسلمين وغيري يصنف الناس، حتى أصبحنا لكثرة هذا التصنيف نحتاج لمعجم طبقي نعرف فيه أجناس الناس.
الخلاف بين الدعاة إلى الله، كيف السبيل إلى ازالته؟
الدعاة في الكويت بجماعاتهم كقوافل الحج، فالحجاج يريدون غاية واحدة وهي تحقيق فريضة الحج ولكن الوسائل والسبل في تحقيقها تختلف فهذا يذهب برا وآخر جواً وذاك بحراً ولكنهم في النهاية يلتقون في المشهد الكبير في عرفات وهكذا الدعاة هنا والذي لا أرتضيه ولا يرتضيه كل صاحب ضمير حي أن تختلف قافلة البر مع قافلة البحر فيقول فلان لماذا تسافرون برا؟ فالبحر أحسن ثم يأتي من يصعد هذا الخلاف و يثير حوله الغبار وهؤلاء هم أصحاب الأهواء ولا يخلو أي عمل إسلامي من هذا الصنف إذ أن العمل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخل من هذا الصنف وسورة “التوبة” كلها وسورة “المنافقون” تشهدان بذلك، والدعاة هنا بفضل الله ومنته يقودهم أناس يمتازون بالحكمة والحماس المتزن والخبرة العريقة ويربونهم على أن يحملوا المصحف بيمينهم والذي يحمل القرآن للتعمير لا يعرف أبدأ التدمير ولا التفجير، وكم حاول المفسدون أن يجروا العمل الإسلامي إلى منزلقات، ولكن حكمة الدعاة فيه كانت صمام الأمان بفضل الله حتى هذه الساعة أن هؤلاء الدعاة مهما قيل عنهم فهم في النهاية مؤتمنون على أعراضنا وأموالنا وديارنا ولكن لو كانوا من الملحدين والمتحللين فهل سيؤتمنون على ذلك؟
الواقع المشهود في العالم العربي في ظل الأحزاب التي تحكمه والتي لا تأخذ الإسلام منهجا لها، نجد أن الفتيات المؤمنات الغافلات عمل لهن معسكرات مختلطة للفتوة، وإذا رفض والدها دفاعاً عن شرفه سحل بالسيارة عبر الطرقات وأصبح التأمين حتى على محطة “البنشر” و”الهوري” وهو قارب الصيد الصغير شعار تلك الأحزاب.
يلاحظ أنك تستشهد كثيرا بأشعار الشاعر أحمد مطر، فهل تعبر أشعاره عن أفكارك؟
الشاعر أحمد مطر في عالم الشعراء أمة وحده وهناك على أرض الأردن الحبيبة شاعر آخر شاعر الأقصى “يوسف العظم”، أن هذين الشاعرين اعتبرهما ومضات من نور في ظلام الصمت وتأميم الكلمة، لقد فقدت الكلمة الشعرية قيمتها لكثرة شعراء البلاط الماسحين للجوخ، وأحمد مطر أعرفه منذ عام ١٩٧٥ وهو عملاق في عالم الأقزام ويكفيه أن يقول:
كان وحده شاعراً
سَعَّرَ للشيطان خدَّه
حين كان الكل عبده
لم يكن معجزة لكن صدق الكلمة تقذف الرعب بقلب الأنظمة..
فتظن الهمس رعدة …
لم يكن معجزة لكن صدق الكلمة يطعن السيف بورده …
من هو أكثر الكتاب الذين قرأت لهم في القديم والحديث؟
أما في القديم فأعظم كاتب تأثرت به شیخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله.
أما في الحديث فشهيد الإسلام سید قطب إذ قرأت كتابه في ظلال القرآن مرتين وكلما عاودت قراءته كان العود أحمد.
مَن مِن الشعراء تقرأ لهم من القدماء والمحدثين؟
من القدماء شاعر الإسلام حسان بن ثابت رضي الله عنه، ومن القدماء أيضا أبو العتاهية في زهدياته أما من الشعراء المعاصرين، قصائد سيد قطب التي قالها خلف القضبان، إنها لم تكن قصائد؛ إنما كانت حروفا مسقية بالدماء، وإقبال شاعر الهند الكبير وأخيرا شاعر الأقصى يوسف العظم وشاعر العالم أحمد مطر.
هل من كلمة توجهها لقراء المجتمع؟
إن قراء مجلة المجتمع عرفتهم يوم توقيف المجتمع إذ كنت بين طلبة رابطة الشباب المسلم العربي في أمريكا فحزنوا حزناً حتى رأيت الدموع في عيون بعضهم إذ قالوا: إننا نعتبر مجلة “المجتمع” متنفسنا الوحيد الذي من خلاله نقول ونقرأ ما لا نستطيع قوله أو قراءته في بلادنا، نعيش مع “المجتمع” في أقبية السجون والمعذبين في السجون، نعيش مع “المجتمع” في مذابح المسلمين في آسام والفلبين، نعيش مع “المجتمع” في مجاهل أفريقيا يعتصرها الجوع، نعيش مع “المجتمع” في مستنقعات الهند، نعيش مع “المجتمع” في حرية الكلمة لأننا نراها تتكلم بأرواح المدافع لا بسيوف من خشب، إننا نقول بحق أن مجلة “المجتمع” ليست كويتية وليست خليجية وليست عربية وإنما هي مجلة المجتمع الإسلامي، فوصيتي إلى أسرة المجتمع أن تعي ذلك الدور وأن تواصل انطلاقتها في مشارق الأرض ومغاربها إذ رأيت أن توزيعها خارج الكويت أضعاف أضعاف توزيعها في داخل الكويت، وهذا دليل على صدق ما أقول، ويوم أن تصل مجلة إلى هذه العالمية والشعبية الكبرى فما ذلك إلا من توفيق الله فإن الصدق والإخلاص من الصغير كبيرا ومن القليل كثيراً ومن كان الله معه فهو بالله كبير.
في الختام نشكر فضيلة الشيخ احمد القطان على هذه المقابلة القيمة ونرجو من الله أن يثبت قلبه ويسدد خطاه ويجعله ذخراً للإسلام والمسلمين.